يعد تجديد جامع القيروان أعظم إنجازات الأغالبة المعمارية، حيث تعرض للعديد من التجديدات منذ وقت تأسيسه علي يد عقبة بن نافع الفهري، فقد قام حسان بن النعمان أحد قادة الدولة الأموية بتجديده، ولكنه لم يكمله ثم قام حاكم إفريقيا حنظلة بن صفوان بإكماله، ولكن الذي أدخل عليه أكثر التجديدات فقام برفع قبابه ومئذنته وأعطاه الصورة الحالية هو زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب بن سالم رابع حكام دولة الأغالبة .
قيام دولة الأغالبة
يذكر ابن الأثير فى كتابه ( الكامل في التاريخ ج 6): ورث العباسيين الخلافة بعد سقوط الدولة الأموية وكانت الدولة كبيرة مترامية الأطراف، و قبل سقوط الدولة الأموية حدثت العديد من الفتن فى بلاد المغربي الكبرى وإفريقيا واستمرت فى بداية الدولة العباسية، وقيل إن صاحب البريد في إفريقيا ( يحي بن زياد) كان يطلع هارون الرشيد بأمور الولاية وذكر له إخلاص قائد عسكري يدعي (إبراهيم بن الأغلب بن سالم)، وكانت سياسة الرشيد تهدف إلى تأمين الجناح الغربي للدولة، لأن بني العباس كانوا يرون فى إفريقيا عبئًا كبيرًا عليهم، ويريدون أن يطمئن بالهم من ناحيتها فوافق الرشيد على توليه إفريقيا ومنحها استقلالًا محليًا ولكن بشروط الطاعة للدولة العباسية.
يصف لنا الباجي المسعودي في كتابه الخلاصة النقية بأمراء إفريقية مؤسس دولة الأغالبة أن إبراهيم بن أغلب كان حافظا للقرآن عارفا به رؤفًا بالرعية مهد الأحوال فى البلاد وطوع البربر.
وكانت فترة حكم دولة الأغالبة من أمجد فترات إفريقيا والتي دامت قرابة قرن من الزمن ساد وقتها الاستقرار السياسي والمذهبي فكان المذهب السني هو السائد، إلى جانب الاقتصاد القوي وتقدمت وتطورت حركة العمران وزادت الأبنية والمنشات .
تاريخ بناء جامع القيروان
يقع الجامع فى مدينة القيروان بتونس، والقيروان كلمة فارسية تم تعريبها وهي تعني مكان السلاح أو استراحة الجيش وهي تبعد حوالي 160 كيلو مترا عن تونس العاصمة، وتطل علي البحر المتوسط، ويعود تاريخ مدينة القيروان إلى عام 50 ه – 670م عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع، كان هدفه من بنائها أن يستقر بها المسلمون، وهي تعد أقدم وأهم المدن الإسلامية، وقام الفاتح العظيم عقبة بإنشاء جامع القيروان الكبير والذي يعد أول مسجد فى بلاد المغرب، وصار منارة العلم فى بلاد المغرب والأندلس، وكان به جناحان للتعليم جناح للرجال وجناح للنساء.
وبعد بناء عقبه للجامع تعرض لإعادة التجديد عدة مرات فقد قام حسان بن النعمان في عام 84 هجري/703 م بتجديده، جرى توسعته أثناء حكم الوالي الأموي، حنظله بن صفوان (103 -109 هجري/722 -728). وجري له تجديد آخر خلال حكم يزيد بن هيثم في عام 155 هجري/773 ميلادي. وقد أعيد بناء الجامع بشكل كلي فى عهد الأمير الأغلبي، زيادة الله بن أغلب، في عام 221 هجري/836 ميلادي، ليتخذ الجامع صورة جديدة وأبعاد ما زالت موجودة حتى يومنا هذا.
ويعد تجديد جامع القيروان أعظم إنجازات الأغالبة المعمارية كما يذكر لنا النويري فى (نهاية الأرب ج24) أن الأمير زيادة الله بن أغلب أنفق أمولا كثيرة في تجديد مسجد القيروان، وكان الأمير زيادة يفتخر بهذا العمل فيقول:”ما أبالي ما قدمت عليه يوم القيامة ، وفى صحيفتي أربع حسنات: بنياني المسجد الجامع بالقيروان، وبنياني قنطرة أم الربيع، وبنياني حصن سوسة، وتولي أحمد بن أبي محرز قضاء إفريقيا”.
وصف الجامع
بنى الفاتح العظيم عقبة الجامع بشكل بسيط لكنه دقيق، فعندما عزم عقبة بن نافع ومن معه على بناء الجامع فكروا كثيرًا فى وضع المحراب (مكان القبلة)، وراقبوا طلوع الشمس وغروبها لكي يكون المحراب فى مكانه الصحيح، وحتى يكون محراب القيروان أسوة لكل مساجد المغرب الإسلامي، وقد تم توسعة الجامع وتجديده إلى أن وصل لهيئته الحالية مستطيل الشكل طوله 152 متراً وعرضه 75 متراً.
يتكون من صحن و قاعة كبيرة للصلاة يصل طولها إلى 137 مترا وعرضها إلى 37 متراً، قائمة على عدة أعمدة على شكل تيجان مزينة بعدة زخراف مثل الأصداف والورود المعروفة في الفن الأموي. يعلوها سقفا خشبيا مزينا بزخارف نباتية.
أما المحراب فقد اتخذ بعد تجديده شكل نصف قبة من الخشب، المزين بزخارف نباتية ذات أوراق.
و منبر الجامع يتكون من أكثر من 300 لوحة من الخشب الهندي النادر المزين بزخارف بالخط الكوفي وهو يعد تحفة فنية في حد ذاته.