تظل صورة الحصان الخشبي المليء بالجنود اليونانيين الكامنين، والمتحفزين لاقتحام مدينة طروادة، جزءا من الوعي الثقافي العالمي، ومن المسلمات التي قد لا يتساءل معظم الناس عما إذا كانت قصة حقيقية أم من نسج الخيال، فما الحقيقة إذن وراء “حصان طروادة”؟
طروادة
تُعرف مدينة طروادة باسمها اليوناني ترويا، وهي مدينة بحرية تاريخية قديمة، وتقع هذه المدينة في تركيا في أقصى الشمال الغربي وتحديدا منطقة تعرف حاليا باسم الأناضول، حيث تشرف على البحر، وقد كانت تعرف بحصانتها وغناها وازدهارها.
حرب طروادة
بدأت الحرب بين الإغريق وأهل طروادة، عندما قام باريس هيلين وهو أحد أمراء طروادة باختطاف زوجة مينلاوس من سبارتا، وعندما طالب بإعادتها رفضوا ذلك، فأقنع شقيقه أجاممنون بإطلاق جيش إلى طروادة فوافق على ذلك، وانطلق جيش بقيادة نخبة كبيرة من قادة وأبطال من اليونان، وهم: آخيل وباتروكلوس وديوميديس وأوديسيوس ونيستور وأجاكس.
وقد أتى هذا الجيش على الأخضر واليابس ودمر كل ما في طريقه وكل ما يحيط بطروادة من مدن وقرى على مدى 10 سنوات هي مدة الحصار ولكنهم فشلوا في اقتحامها، لقوة تحصيناتها ومناعة أسوارها.
حصان طروادة
أمر أوديسيوس العمال بصناعة حصان خشبي ضخم، وتظاهر الإغريقيون بالانسحاب وتركوا الحصان أمام أسوار طروادة كنوع من الإقرار بالهزيمة والتسليم.
انخدع أهل طروادة بأمر الحصان، وأدخلوه إلى قلب مدينتهم، ولما حل الليل، خرج من باطن الحصان بعض الجنود الإغريق الذين تسللوا في الليل وفتحوا الأبواب أمام الزحف الإغريقي؛ فنهبوا المدينة وأحرقوها وقتلوا من فيها جميعا حتى النساء والأطفال.
الأسطورة
تظهر قصة حرب طروادة في قصيدة هوميروس الإلياذة، التي كتبت في القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد، وحتى الآن لم يتمكن المؤرخون من العثور على دليل على أن الشخصيات الموجودة في القصة موجودة بالفعل، حتى قصة الأمير هيلين التي ذكر أنها السبب الرئيسي للحرب قد تكون غير حقيقية ولا دليل عليها.
هوميروس قد يستند قصته على مدينة حقيقية، ففي عام 1870 قام مغامر ألماني يدعى هاينريش شليمان، بالتنقيب في إحدى المدن القديمة في تركيا والتي عثر فيها سابقا على بقايا وآثار تسمع مدن، ووجد ما يعتقد أنه جواهر هيلين وقد كان مخطئا، فالجواهر التي وجدها سبقت هيلين بألف سنة تقريبا، لكنه كشف عن مدينة تشبه مدينة تروي الخيالية.
يعتقد معظم علماء الآثار الحديثين أن المدينة الحقيقية دمرت في أحد الزلازل، وأن هوميروس قام بترتيب قصته على تلك المدينة السادسة أو السابعة التي قامت على أنقاض تروي، حيث يبدو الأمر هنا قابلا للنقاش، لذلك خرج علماء الآثار بنظرية مترابطة إلى حد بعيد، وهي أن حصان طروادة كان يرمز لـ”بوسيدون” إله الخيول والزلازل عند الإغريق، وأنه لم تكن هناك حرب فعلا.
تفسير آخر
كتب هوميروس وهو يصف مسرح الأحداث في ذلك الوقت يقول: “إن المدينة كتب عليها الهلاك عندما جلبت هذا الحصان إلى داخل أسوارها، وكان بداخله أشجع فرسان الإغريق كامنين وينتظرون لجلب الموت والدمار لأبناء طروادة”.
يزعم فرانشيسكو تيبوني الباحث الإيطالي في الآثار البحرية، أنه تحقق من أن ثمة خطأ في الترجمة ظهر بعد حرب طروادة بقرون، أدى إلى اختلاق أسطورة زائفة، مضيفا بأن الحصان الشهير في الأسطورة كان في الحقيقة سفينة تجارية تحمل اسم “هيبوس” باللغة اليونانية القديمة، وكان يعلو مقدمتها تمثال كبير لرأس حصان كعلامة لها، وكلمة هيبوس” تعني “حصان”.
وأوضح تيبوني أنه في القرن الثاني قبل الميلاد، كتب عالم الجغرافيا اليوناني باوسانياس “أن فكرة استخدام الإغريق حصانا لا تحمل مصداقية، حتى لو تم استخدام شكل الحصان ليمثل هذه الأسطورة”.
ويلفت تيبوني انتباهنا إلى الإشارة التي جاءت في القصيدة الملحمية “الإلياذة”، للشاعر الروماني الشهير “فرجيل” بدعوة أهالي طروادة إلى “إغراق” هدية الإغريق.
وتقول إليني ستيليانو وهي باحثة في مجال الآثار بأثينا: “إنه من المتعذر فصل الحقائق عن الخيال عندما نتعامل مع أسطورة تستند إلى قصيدة ملحمية عمرها 3 آلاف عام تقريبا”، وأضافت:”نحن نتعامل هنا مع ما نسبته 50 في المائة من الأساطير و50 في المائة من التاريخ، ومن هنا يسع أي فرد أن يصدر التفسيرات التي تحلو له، ومن المحتمل ألا نتوصل على الإطلاق إلى حقيقة ما حدث”.