تفسير الأحلام لابن سيرين هو واحد من أشهر الكتب المتداولة التي يلجأ إليها الكثيرون من أجل تفسير الأحلام التي يرونها، ولكن هل هذا الكتاب الشهير يرتبط بالفعل بابن سيرين؟ ومن هو ابن سيرين من الأساس؟ وهل يوجد علم يدعى علم لتفسير الأحلام يمكننا الاعتماد عليه؟
ابن سيرين
هو أبو بكر محمد ابن سيرين البصري، المولود في سنة 33 هجرية أثناء خلافة عثمان ابن عفان، والمتوفي سنة 110 هجرية، والذي عرف منذ سنوات طويلة بأنه صاحب كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين، نظرا لقدراته في مجالات التفسير والحديث والفقه والرؤى.
اشتهر ابن سيرين بأنه فقيه غزير العلم شديد الورع، حيث نشأ بين كثير من الصحابة وأهل العلم مثل أنس بن مالك وزيد ابن ثابت وعبد الله بن الزبير وأبي هريرة وغيرهم، علاوة على صداقته بالحسن البصري التي أكسبته خبرات متعددة، والتي تجلت أبرز ملامح عمقها في وفاته بعد وفاة البصري بنحو 100 يوم فقط.
علاقة ابن سيرين بتفسير الأحلام
عرف ابن سيرين بين معارفه بقدرته على تفسير الأحلام، الأمر الذي زاده شهرة ومكانة، حيث كان يفسر أحلام المقربين منه استنادا إلى القرآن والسنة، واعتمادا على معرفته بشخصياتهم أيضا.
واجه ابن سيرين بعض المتاعب بسبب تفسيراته الجريئة لأحلام الحكام، إلا أنه استمر في ذلك دون انقطاع سواء في المجالس الخاصة أو حتى في الأسواق، عندما كان المارة يوقفونه أحيانا لتفسير أحلامهم، ولكن هل هذا يعني أنه بالفعل صاحب كتاب التفسير الأشهر في هذا المجال، والمعروف باسم كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين؟
تفسير الأحلام لابن سيرين
على الرغم من ثقة الكثير من القراء في مناطقنا العربية، في أن كتاب الاحلام الشهير يخص محمد ابن سيرين، إلا أن العلماء قد أجمعوا على عدم وجود ولو دليل واحد، يثبت علاقة الكتاب المعروف بالإمام والعلامة القدير.
يؤكد الدكتور سامي عبد الرحمن أستاذ علوم الحديث الشريف بجامعة الأزهر أن ابن سيرين لم يكتب كتابا يوما، بل إن بعضا من تلامذته هم من كتبوا تفسيرات الأحلام ونسبوها إليه، فيما كان ابن سيرين نفسه يقوم بتفسير أحلام المقربين منه، استنادا إلى معرفته بشخصياتهم وكذلك اعتمادا على رؤيته الخاصة للأمر من واقع القرآن والسنة، مشبها ذلك بأمر بعض الكتب التي نسبت منذ سنوات لعالم الدين الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، والتي لا يوجد دليل واحد على أنه من كتبها، وربما هي كذلك من جمع بعض من تلامذته، مع الوضع في الاعتبار أن الشيخ الشعراوي نفسه كان يؤكد أن تفسير الرؤى لا يمكن اعتبارها علم مكتسب بل هي موهبة من الله، وقد تقتصر على الأنبياء فقط وفقا للكثير من الدعاة والعلماء الآخرين.
كذلك يشير أستاذ علوم الحديث الشريف، إلى أن الدين حكم بأن الرؤى، والتي تستند في تفسيرها إلى القرآن الكريم والسنة، لا يمكن للأفراد العاديين أن يفسرونها، بل هي شرعية فقط للأنبياء، ما يؤكد على انتهاء القدرة على تفسير الأحلام والرؤى مع وفاة خاتم الأنبياء، مضيفا بأن الرؤى كانت بمثابة الوحي بالنسبة للأنبياء، في إشارة إلى رؤية سيدنا إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه والتي كان على وشك تنفيذها بالفعل ليلقى المديح من الله، أما بالنسبة للأفراد العاديين فإنها قد تتحقق في بعض الأحيان، ولكنها قد لا تتحقق في كثير من الأحيان الأخرى.
كذلك يحذر سامي من انتشار كتب وتفسير الأحلام، التي تفتح الباب لظهور مجموعة من المستفيدين أو الدجالين، الذين يمكن لهم استغلال جهل بعض الناس من أجل تحقيق مكاسب مادية، عبر الإدعاء بالقدرة على تفسير أحلام البسطاء.
هل يوجد علم لتفسير الأحلام؟
على الجانب الآخر، يرى الداعية وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خالد الجندي، أن اتباع خطى الأحلام ومحاولة تفسيرها هو أمر غير منطقي، مشيرا إلى أن الأمر كله لا يزيد عن كونه تخمينا أو توقعا، وأن القدرة الحقيقية على تفسير الأحلام والرؤى، كانت لدى الأنبياء فقط، لذلك فهي قدرة غير متاحة للبشر العاديين بشكل ليس فيه جدال.
يعلل الجندي عدم منطقية الاهتمام بتفسير الرؤى كذلك، بعدم وجود مادة شرعية أو علم يدرس في جامعة الأزهر على سبيل المثال، ويدعى تفسير الأحلام أو المنامات على حد وصفه، ما يكذب من وجهة نظره إمكانية الاعتماد ولو في بعض الحالات على كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين وغيره من الكتب، وهو الكتاب الذي يراه الجندي مزورا وغير صحيح من الأساس، نظرا لعدم وجود أي دليل على أن ابن سيرين هو من كتبه يوما.
يضيف الجندي بأنه وقع شخصيا من قبل في فخ محاولة تفسير الأحلام والمنامات لغيره من الناس، ولكنه توصل في النهاية وبعد الاستقصاء ودراسة الأمر لفترة طويلة، إلى عدم وجود ما يدعى بتفسير الأحلام أو الرؤى، ساخرا من قيام البعض بالبحث عبر صفحات الإنترنت عن تفسير الأحلام لابن سيرين فور الاستيقاظ من النوم، وكأنهم على وشك إيجاد تفسير لما شاهدوه في مرحلة النوم العميقة.
الكاتب الحقيقي وراء كتاب تفسير الأحلام
أما عن كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين، فاختلف العلماء على شخص كاتبه الحقيقي، إذ يرى البعض أنه لا يوجد كاتب واحد أو محدد لهذا الكتاب المنتشر في الدول العربية، بل إنه عبارة عن اجتهادات وليست أكثر من ذلك، من جانب بعض من تلاميذ عالم الدين الشهير محمد ابن سيرين.
يرى آخرون على الجانب الآخر، أن كتاب تفسير الأحلام المنسوب لمحمد ابن سيرين، هو في الأصل للفقيه الديني عبد الملك بن محمد الخركوشي، الذي يعرفه البعض باسم أبي سعد الواعظ، والذي عاش بين مصر والعراق والحجاز، لينهل من أهل العلم الكثير، ويجالس العلماء لأغلب فترات حياته، حتى وفاته في عام 407 هجرية، مع الوضع في الاعتبار أن كتاب تفسير الأحلام ليس الوحيد الذي أثير حوله الجدل بشأن حقيقة علاقته بمحمد ابن سيرين، حيث يوجد كتاب آخر يدعى منتخب الكلام في تفسير الأحلام، تم نسبه إلى ابن سيرين أيضا، ولكن دون وجود دليل قوي على أنه من كتابة العالم الشهير كذلك.
الجدير بالذكر أن ظاهرة تفسير الأحلام التي لاقت هجوما قويا من جانب البعض من العلماء والدعاة الإسلاميين، باعتبارها لا تستند على علم حقيقي يمكن تعلمه، قد لاقت على الجانب الآخر بعض مظاهر الدفاع المستميت من قبل علماء آخرين خاصة مع وجود كثير من الصحابة عرف عنهم تفسير الأحلام، وعلى رأسهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه والذي كان يفسر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في البخاري، إلا أن ظهور بعض الكتب التي نسبت بالخطأ إلى علماء معروفين، وكذلك ظهور عدد من الشيوخ الذين يدعون القدرة على تفسير الأحلام دون علم حقيقي، قد قلل في الآونة الأخيرة من الميل تجاه تفسير الأحلام، وخاصة مع تأكيد البعض من علماء الدين على أن تلك الموهبة كانت مخصصة للأنبياء فحسب، ولا يمكن اكتسابها من قبل البشر العاديين.
في النهاية، سواء كان عبد الملك بن محمد الخركوشي هو الكاتب الأصلي لكتاب تفسير الأحلام الشهير، أو كانوا بعض التلامذة المجتهدين وراء ظهور هذا الكتاب، فإنه وفقا لإجماع العلماء لا يمكن تفسير الأحلام والرؤى إلا من قبل الأنبياء أو من آتاه الله علم التأويل، مع التأكيد بأن الكتاب الأشهر في تفسير الأحلام لا يخص محمد ابن سيرين من قريب أو بعيد.