يحظى الأطفال عند المعاناة من اضطرابات التوحد بخصوصية شديدة، تفرق بينهم وبين الأطفال الآخرين، ما يتطلب إلمام الأبوين بسلوكيات وكذلك خصائص الطفل التوحدي، من أجل تطويره بالشكل المطلوب.
التوحد عند الأطفال
يعرفه الخبراء والباحثون عن التوحد متعدد الأنواع والأشكال، بأنه ذلك الاضطراب الذهني الذي تظهر ملامحه على الأطفال الصغار في مرحلة الرضاعة، ليؤثر عليهم بصورة ملحوظة في السنوات التالية.
تتعدد خصائص الطفل التوحدي التي تميزه عن غيره من الأطفال، حيث يعاني من صعوبات في اللغة وفي التواصل مع من حوله وسواء كانوا من نفس المرحلة العمرية أو أكبر منه، فيما تتفاقم الأزمة عند عدم علاجه على أيدي الخبراء، لتؤثر على مستقبله ودرجة استقلاليته في الحياة عند النضوج.
ينبه العلماء دومًا إلى أن عدم التوصل للعلاج المؤكد للتوحد، لا يعني الفشل في تحسين حالة المصابين بهذا الاضطراب، في إشارة إلى ضرورة قيام الأبوين بالعناية بضحية هذا المرض، ما يتحقق عقب معرفة خصائص الطفل التوحدي شديدة الاختلاف.
سمات الطفل التوحدي الشخصية
تكشف خصائص الطفل التوحدي المختلفة عن أقرانه، عن أزمته من الأشهر الأولى للولادة، حيث يمكن لأعراض الاضطراب أن تظهر بعد 8 أشهر فقط من إنجاب الطفل، لتتمثل في:
التجاهل
يتسم الطفل المصاب بالتوحد بحالة من التجاهل تجاه الآخرين، سواء كانوا أكبر منه سنًا، أو حتى الأطفال في نفس عمره، ليبدو منشغلًا بنشاطات يمارسها وحده، دون أن يسعى للفت انتباه المحيطين به كما يفعل أغلب الأطفال الآخرين.
الانعزال
تنبع حالة التجاهل التي يوجهها الطفل لمن حوله، من رغبته في الانعزال، حيث يجد متعته أحيانًا في اللعب بنفسه دون أن يشرك معه الأطفال الآخرين، ما تعد من ضمن خصائص الطفل التوحدي، والتي تخالف رغبات الطفل في العادة في الشغف اللعب مع من حوله، وحتى إن كانوا أكبر منه سنًا.
رفض التواصل
هي واحدة من خصائص الطفل التوحدي شديدة الوضوح، حيث يبدو وكأنه قد بنى سياجا يحيط به نفسه، ويدفعه لرفض التواصل بأي من الطرق، فسواء كان التواصل بالكلام أو باللمس أو حتى بالنظر، فإنها تبقى مرفوضة بالنسبة إليه، ليلاحظ عليه الانزعاج بمجرد اشتراك شخص آخر باللعب معه، أو حتى عند قيام شخص بالغ بحمله وتدليله كما هو معتاد للأطفال الآخرين.
العجز عن فهم المشاعر
لا تعتبر القدرة على فهم مشاعر الآخرين، من ضمن سمات الطفل التوحدي، والذي يعجز عن فهم أبسط الإشارات وبالتالي لا يجد أي فرصة في إدراك معاني لغة الجسد أو تغير نبرات الصوت التي يصدرها الآخرين، ما يزيد من انطواء هذا الطفل وليس العكس، وخاصة وأنه يبقى غير قادر على فهم مشاعره هو نفسه في الكثير من الأحيان.
الغضب العارم
تظهر ملامح الغضب الشديد على الطفل المصاب بالتوحد بسهولة شديدة، فسواء قام شخص ما بتغيير روتينه دون قصد أو تم تعريضه لأضواء أو أصوات يعاني من الأصل من الحساسية تجاهها، أو حتى فرض شخص ما نفسه عليه، فإنه قد يقابل ذلك بكل مشاعر الانفعال لديه، علمًا بأن محاولات تهدئة هذا الطفل بالطرق التقليدية التي تتناسب مع الأطفال الآخرين، قد تأتي بنتائج عكسية لتزيد من غضبه.
خصائص الطفل التوحدي اللغوية
تظهر خصائص الطفل التوحدي في أغلب الأوقات، من خلال طريقته في التحدث أو عند الاشتراك رغمًا عنه في أحاديث يجريها الآخرون معه، لتظهر تلك السمات في:
التأخر اللغوي
يعاني الطفل ضحية التوحد من صعوبة شديدة في اكتساب مهارات التحدث التي يجيدها الأطفال من نفس عمره، ليبدو وكأنه متأخرا عنهم دومًا ببضع خطوات، ويظهر ذلك جليًا في صعوبة تكوين العبارات والنطق بها بثقة أمام غيره من الأطفال أو الكبار.
تكرار الكلمات
يلاحظ من بين سمات الطفل التوحدي، وتحديدًا تلك السمات اللغوية، أنه يفضل تكرار بعض الكلمات عن تعلم أخرى جديدة، لذا تجده يكرر تلك العبارات والجمل التي أجاد نطقها مرارًا وتكرارًا، وسواء تطلب الأمر ذلك أم لا.
صوت الآلة
يشبه صوت الطفل الذي يعاني من التوحد صوت الآلة المسجلة، والذي يبدو كأنه يخلو تمامًا من المشاعر والأحاسيس، ما ينتج عن عدم قدرة الطفل من الأساس على فهم مشاعره ومشاعر غيره، ليتحدث بنبرة صوت محايدة أو ثابتة.
عدم التفرقة بين الضمائر
هي واحدة من ضمن خصائص الطفل التوحدي اللغوية شديدة الوضوح، والتي تتمثل في عدم القدرة على التفرقة بين الضمائر المختلفة، لذا يبدو من المتوقع على سبيل المثال أن يتحدث عن شخص ما قائًلا نحن أو يتحدث عن نفسه ذاكرًا كلمة أنتم أو أنت وهكذا.
خصائص الطفل التوحدي الحركية
تتعدد سمات الطفل التوحدي التي تظهر في حركاته التي تتسم بالنشاط المفرط كما تكشف تلك السطور التالية:
فرط الحركة
يبدو الطفل المصاب بالتوحد وكأنه يعاني من اضطراب فرط الحركة أحيانًا، حيث تجده يسير من مكان لآخر سواء بأشكال دائرية أو بوتيرة سريعة بدرجة زائدة عن الحد، ليبدو حينها في أقل معدلات التركيز في ظل انشغاله بالقيام ببعض الحركات المكررة بلا توقف.
الحركات المكررة
لا يجد الطفل الذي يعاني من التوحد أي أزمة في تكرار بعض الحركات لمرات عدة، دون المعاناة من الكلل أو الملل، ما يظهر بوضوح في المثال السابق في ظل قيامه بالحركة في شكل دائري لوقت طويل، أو حينما يقوم بالتصفيق طوال الوقت أو التحدث بشكل ثابت وبنبرة صوت لا تتبدل.
الاندفاعية
قد يتعرض الطفل الذي يعاني من التوحد للأذى إن لم يخضع لقدر مطلوب من الرقابة، من جانب الأبوين أو الأشخاص المسؤولين عن تربيته، حيث يبدو الطفل في تلك الحالة شديد الاندفاع، ليؤدي ذلك إلى تعرضه للإصابات في ظل نشاطه المفرط معظم الأوقات.
العدائية
قد يمارس الطفل المصاب بالتوحد بعض الحركات العدائية تجاه غيره، بل ويمكن لهذا الطفل أن يتسبب في الأذى لنفسه حينما يمارس تلك الحركات بصورة تضره هو، في ظل ضعف تركيزه وقلة انتباهه النسبي.
أسباب ظهور خصائص الطفل التوحدي
يرجح العلماء ارتباط خصائص الطفل التوحدي ببعض العوامل الوراثية والجينية، فبينما لم يتم التوصل لأسباب الاضطراب حتى الآن، فإن التوقعات تصب في نطاق العامل الوراثي، والذي يكشف عن احتمالية معاناة الأطفال من التوحد إن كان الأب أو الأم أو أحد أفراد الأسرة مصابا بالأزمة ذاتها.
كذلك تؤدي الطفرات الجينية واجتماع بعض الجينات بعينها داخل جسم الطفل، إلى زيادة فرص معاناته من التوحد في بعض الأحيان، لتبدو تلك كذلك من عوامل ظهور سمات الطفل التوحدي.
لا يمكن تجاهل دور بعض أشكال العدوى في زيادة فرص معاناة الطفل من التوحد، مثلما يمكن لإنجاب الطفل لأبوين في مرحلة عمرية كبيرة نسبيًا، أن يؤدي إلى الأزمة نفسها.
كيف يتعامل الأبوان مع خصائص الطفل التوحدي؟
تبدو سمات الطفل التوحدي شديدة التعقيد على جميع من حوله، وبمن فيهم الأبوان، ما يتطلب معرفة أفضل الطرق للتعامل مع تلك الخصائص، مثل:
الاعتياد المفيد
إن كان الطفل المصاب بالتوحد يعاني دائما من الرغبة في تكرار الأمور والنشاطات المعتادة بصورة مبالغة، فإن استغلال ذلك قد يتمثل في تعويده على نشاطات مفيدة يمارسها، ودفعه لاعتياد الألعاب التعليمية التي تحسن من حالته، علاوة على الحفاظ على روتينه العلاجي والذي يشمل زيارة الأطباء المتخصصين وحضور الجلسات المفيدة له.
الصبر
قد تؤدي بعض خصائص الطفل التوحدي والتي تتسم بالتجاهل وقلة التركيز إلى معاناة الأبوين من الغضب والانفعال، وهو رد الفعل غير المطلوب بأي شكل من الأشكال، نظرًا لأن الصبر على تلك السمات المزعجة هو الطريق الوحيد من أجل علاجها بمرور الوقت، ومع طلب المساعدة من المتخصصين.
التشجيع
يتسم الطفل الذي يعاني من التوحد في كثير من الأحيان بشخصية دؤوبة يمكنها العمل لفترات طويلة، ما يجب أن يقابله الأبوان بالتشجيع الدائم، حيث يزيد ذلك من تحسين الحالة النفسية للطفل من ناحية، فيما يدفعه إلى تلقي العلاج اللازم من ناحية أخرى.
حضور جلسات العلاج
لا يوجد شك في أن تلقي طفل الذاتوية للعلاج هو الخيار الذي لا يمكن للأبوين التخلي عنه، مهما بدت الحالة متأخرة أو غير قادرة على التطور لوهلة، حيث يؤدي حضور الأطفال للجلسات النفسية والسلوكية إلى دعمهم وزيادة فرصهم في التطور، حتى إن بدا الأمر محبطًا في لحظة ما.
طلب المساعدة
قد يحتاج الأبوان كذلك إلى المساعدة أحيانًا، من أجل إكمال مهمة التعايش مع سمات الطفل التوحدي، ليكشف ذلك عن ضرورة زيارة الأطباء المتخصصين إن صارت المهمة شديدة التعقيد، خاصة وأن رعاية الطفل الذي يعاني من اضطرابات الطيف الذاتوي تتطلب المزيد من الجهد الذهني والنفسي والجسدي.
في الختام، تبدو خصائص الطفل التوحدي شديدة التعقيد، لكن فك رموزها لا يتطلب إلا الصبر والنظر للأمر بإيجابية، مع اتباع خطوات العلاج، كي تتبدل أحوال ضحية التوحد يومًا بعد الآخر، ويصبح قادرًا على الاستقلال بحياته بشكل طبيعي.