يُعتبر دعاء تيسير الزواج أمرًا من أمور العبادة المشروعة، التي لا حرج أبدًا منها بل على العكس ينبغي للمرء أن يأخذ بالأسباب، ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن ييسر له أمره، نظرًا لأهمية الزواج للفرد والمجتمع، قال تعالى : “وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” وقد اهتم علماء الإسلام بالزواج اهتمامًا واسعًا، حيث اهتم المحدثون بجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة عن الزواج كالإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، كما أجمع الكثير من الفقهاء أن الزواج يُقدم على الحج، وعند أهل العلم والفقه الشرعي الزواج مقدم على نوافل العبادات.
لماذا يجب الدعاء بتيسير الزواج؟
يريد الله سبحانه وتعالى من العبد كثرة التضرع والدعاء إليه مع الثقة واليقين بالله، كما قال في محكم كتابه: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” {غافر:60}، وقال تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” {البقرة:186}، وسوف يستجيب المولي عز وجل، وإذا لم يحصل في الدنيا فالدعاء مؤجل إلى الآخرة.
يعتبر الزواج رزقاً كباقي الأرزاق في الدنيا، فهناك مقولة منسوبة للإمام علي- رضي الله عنه-: “اعلم أي بني أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك”.
ويُعتبر الزواج من النوع الأول من الأرزاق، الذي من المشروع طلبه والسعي إليه لأنه أساس تكوين الأسرة، فهو رباط بين الرجل والمرأة.
لعلنا جميعا نلاحظ ظاهرة تأخر الزواج في مجتمعاتنا، وقد أدى هذا لظهور الكثير من الأمراض الاجتماعية والخلل في المجتمع، والتي لا يوجد حل لها سوى بتيسير الزواج والسعي له بالدعاء.
مكانة الزواج في الإسلام
لم يشرع الإسلام أمرًا إلا وفيه الخير لنا في الدنيا والآخرة وللزواج في الإسلام مكانة عظيمة وفوائد جمة منها ما يلي:
قال عز وجل- عن حفظ الفرج والزواج “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ “[المؤمنون: 1-5].
الزواج من أسباب حصول الرزق ونزول البركة فيه قال – تعالى : “وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [النور: 32] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة على الله عونهم» وذكر منهم «الناكح يريد العفاف» [رواه الترمذي].
وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَنْكِحْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لاَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ” .
يتحقق بالزواج فوائد منها إعفاف النفس، وتحصين الزوجين، و حفظ النسل، ودوام النوع.
قضاء الوطر ونيل اللذة والتمتع بالنعمة.
يتحقق بالزواج المودة والرحمة والترابط بين الزوجين مما ينعكس على المجتمع.
الزوجة الصالحة من خير متاع الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم : «الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة» [رواه البخاري].
حصول الذرية الطيبة، ونيل الثواب بسبب الولد الصالح كما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» وذكر ها منها «أو ولد صالح يدعو له »[رواه مسلم].
حصول الأجر والمثوبة لكل من الزوجين من إنفاق، وإعفاف، وإعانة وكلمة طيبة وكف الأذى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما كسَبَ الرُّجُلُ كسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَمَا أنَفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ، وأهْلِهِ، ووَلَدِهِ، وخادِمِهِ، فهو صدقَةٌ» [صحيح الجامع].
دعاء تيسير الزواج
ينبغي على المسلم أن يعلم أن الزواج رزق كباقي الأرزاق، مثل المال، والسلطان، والعلم.
يجب قبل البدء في الدعاء تحري أوقات الإجابة، فإن من أوقاتها، الثلث الأخير من الليل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر) رواه البخاري ومسلم.
وكذلك (آخر ساعة من يوم الجمعة فإنه لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يدعو الله إلا أعطاه إياه) رواه البخاري ومسلم، أو ما بين خروج الإمام يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة.
وكذلك من الأوقات ما بين الأذان والإقامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد) رواه الترمذي وأبو داود وأحمد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
لم يرد في السنة النبوية أن هناك دعاء بكلمات محددة لتيسير الزواج، وكل ما هو متداول من أدعية المشايخ الكرام، هو اجتهاد منهم، ولكن يعتبر الاستغفار أحد مفاتيح أبواب الرزق قال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” {غافر:60}.
لا حرج أن يسأل المسلم والمسلمة ربنا تيسير الزواج، ويذكرا أوصافاً مهمة في شريك الحياة بأي أسلوب مع مراعاة آداب الدعاء، مثل (اللهمّ زوّجنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، يا الله، يا كريم، يا ربّ العرش المجيد، ارحمنا برحمتك يا أرحم الرّاحمين)، (اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، اجمع بيني وبين زوج غني بدينه وأخلاقه وماله، فيسعدني ويفرح قلبي)، ويجب الإلحاح على الله والإخلاص وحسن الظن بالله.