يعد زهير بن أبي سلمى من أبرز شعراء عصره، حيث يوصف بأنه من الـ3 المقدمين على الشعراء شأنه شأن امرئ القيس والنابغة الذبياني، فيما أتى من عائلة تعشق الشعر ليشكل ذلك وجدانه الأدبي، كما يكشف مشوار حياته.
نشأة زهير بن أبي سلمى
ولد زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني في عام 520م أو بعده ببضعة أعوام وفقا لبعض الروايات، فيما نشأ وتربى في غطفان القريبة من المدينة المنورة وكذلك مدينة نجد، بين أحضان أسرة عشقت الشعر والشعراء.
كان والد زهير شاعرا كما كانت أخته الشاعرة الخنساء وزوج أمه أيضا الشاعر الجاهلي المعروف أوس بن حجر، فيما ورث زهير حب الشعر فيما بعد لنجله كعب، الذي عرف بالشاعر صاحب قصيدة البردة.
بماذا لقب زهير بن أبي سلمى؟
عرف زهير منذ الصغر بعفة النفس ودماثة الخلق، ما أثر على شعره بوضوح، إذ لم ينسق يوما إلى مدح أحد إلا إن كان يستحق ذلك، فيما تميز شعره بقدر عال من الحكمة والهدوء، بعيدا عن الاندفاع الذي تسبب في وقوع الخلافات بين القبائل حينها، لذا فمع رصانة أشعاره التي دعت إلى حقن الدماء عرف زهير بشاعر السلام.
كذلك عرف زهير بن أبي سلمى بشاعر الحوليات، والحول هنا أي عام، وهي التسمية التي عرف بها الشاعر الجاهلي نظرا لأنه كان يستغرق فترة طويلة في تنظيم قصيدته، ما بين أشهر تطول أحيانا لتصل إلى عام كامل من التحضير.
شعر زهير بن أبي سلمى
تميزت أشعار زهير بالجمع بين العاطفة القوية وإعمال العقل أيضا، حيث نجد عاطفته واضحة في أشعار تبحرت في وصف مشاعر الحبيب بعد الفراق وتجلت في وصف الصحراء والخيول وحتى الصيد، كما برزت حكمته من خلال أشعار مدح فيها الحكام العرب مثل هرم بن سنان والحارث بن عوف، بعد النجاح في إيقاف نزيف الدماء بين القبائل عبر توليهما لعمليات الصلح بين الأطراف المتنافرة.
على الرغم من حكمة زهير الشديدة والتي تجلت في أشعاره، إلا أنه كان دائم اللجوء إلى أبسط المعاني والكلمات، التي وإن تميزت بقدر عال من الخصوصية والمتانة، فإنها كانت سهلة الفهم بالنسبة لمجتمعه الجاهلي، ما زاد من إقبال القراء على أشعاره.
معلقة زهير بن أبي سلمى
يملك زهير سجلا حافلا من أشعار المدح والفخر والذم والرثاء، إلا أن معلقته تعد من أشهر ما كتب، حيث بدأت بالحديث عن ذكريات زواجه الأول من أم أوفى، والتي طلقها بعد وفاة أبنائه منها، قبل أن يمتدح هرم بن سنان والحارث بن عوف، كونهما كانا سر المصالحة التي عقدت بين قبيلتي داحس والغرباء، بعد حروب طويلة، إذ يقول في مطلعها:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ
بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ
وَدَارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا
مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ
بِهَا العِيْنُ وَالآرْامُ يَمْشِينَ خِلْفَـةً
وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً
فَـلأيًَا عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّـمِ
أَثَـافِيَ سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَـلِ
وَنُـؤْيًا كَجِذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّـمِ
كما يقول:
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذِّي طَافَ حَوْلَهُ
رِجَـالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُـمِ
يَمِينـاً لَنِعْمَ السَّـيِّدَانِ وُجِدْتُمَـا
كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْـرَمِ
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا
تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعـاً
بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القَوْلِ نَسْلَـمِ
فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِـنٍ
بَعِيـدَيْنِ فِيْهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَـمِ
عَظِيمَيْـنِ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ هُدِيْتُمَـا
وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِنَ المَجْدِ يَعْظُـمِ
أقوال عن زهير بن أبي سلمى
لزهير الكثير من الأقوال المأثورة التي أثرت في نفوس الكثيرين، كونها تفصح عن حكمته العميقة في الحياة، حيث قال:
- ومن يجعل المعروف في غير أهله، يكن حمده ذما عليه ويندم.
- الود لا يخفى وإن أخفيته، والبغض تبديه لك العينان.
- سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم.
وفاة زهير بن أبي سلمى
يحكى أنه قبل وفاة زهير رأى شخصا أثناء نومه يقوم بالصعود به إلى السماء حتى كاد يلمسها فعاد إلى الأرض مرة أخرى، حيث حكى لأبنائه هذا الحلم مفسرا إياه بأن رسولا سيأتي داعيا إياهم باتباعه، ما حدث قبل وفاة زهير بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بسنوات قليلة، فأسلم الأبناء حينها.
في كل الأحوال، عاش زهير حياة طويلة، حيث تقول بعض الروايات إنه أتم عامه الـ100، فيما تؤكد روايات أخرى أنه رحل عن عالمنا في عام 607م، أي في عمر الـ87، فيما يبدو أن المؤكد هنا أن زهير بن أبي سلمى هو أحد أبرز شعراء الجاهلية، بل وشعراء العرب عبر التاريخ بأسره.