ربما لم تسمع عن عدي بن ربيعة، ولكنك قد سمعت عن المهلهل والزير سالم، والثلاثة نفس الشخص، فلم لقب بالمهلهل ولم لقب بالزير؟ ولماذا يعتبره العرب علما من أعلامها وركنا من أركان التاريخ العربي رغم اختلاف موقفهم منه؟ تعالوا نعرف أكثر عن عدي بن ربيعة.
عدي بن ربيعة
هو عدي بن ربيعة بن الحارث بن مرة بن هبيرة التغلبي الوائلي، من قبيلة بني جشم، من تغلب، وهي قبيلة ربعية عدنانية، ولقب بالمهلهل، واختلفوا في سبب تلقيبه بذلك الاسم، فأرجعه البعض إلى بيت له يقول:
لما توعر في الكراع هجينهم ** هلهلت آثار مالكا أو سنبلا
والبعض أرجع ذلك لاضطراب شعره، قال الأصمعي: “إنما سمي مهلهلا لأنه كان يهلهل الشعر، أي يرققه ولا يحكمه”، وآخرون رأوا أنه هلهل الشعر أي: سلسل بناءه، وكان أبو المهلهل سيد قبائل ربيعة، وأخوه وائل بن ربيعة الملقب بـ”كليب” كان سيد قومه بعد أبيه.
عدي بن ربيعة، المكنى أيضا بأبي ليلى، هو جد الشاعر صاحب المعلقة، عمرو بن كلثوم لأمه، فأم عمرو، ليلى بنت المهلهل.
وظل المهلهل منشغلا بالنساء والخمر حتى لقب بزير النساء، أي جليس النساء، إلى أن قتل الجساس بن مرة أخاه كليبا، فصار المهلهل بعده سيد قومه، فأقسم أن ينقطع عن شرب الخمر إلى أن يثأر لمقتل أخيه، ومن هنا قامت الحرب الطويلة بين بني بكر وبني تغلب (حرب البسوس) وهي من أشهر الحروب بين العرب، وقد استمرت الحرب 40 سنة.
حرب البسوس
لما قتل الجساس بن مرة كليبا، قام المهلهل على دفن أخيه وظل يرثيه حتى يأس منه قومه أن يأخذ بثأر أخيه، وبلغ ذلك المهلهل، فشمر ساعده للحرب.
رفض قومه أن يبدؤوا الحرب دون أن يعذروا إلى بني مرة، فنزل على رأيهم وهو غير راض، فلما أتوا مرة أبا الجساس، عرضوا عليه أن يسلمهم الجساس أو همام أو أن يسلمهم نفسه، فرفض، عندها ثار غضب المهلهل، ووقعت الحرب بين الحيين، واستحر القتل في الطرفين.
خرج الجساس إلى الشام ليمتنع في أخواله، فلحقه أبو نويرة التغلبي، فقتل أبا نويرة، وجرح الجساس جرحا مات به، وأرسل مرة إلى المهلهل يطلب منه إنهاء الحرب، إذ قتل الجساس الذي هو أساس الحرب، ولكنه لم يستجب، وكان الحارث بن عباد قد حزن لمقتل كليب، فاعتزل الحرب هو وولده وأهله، فأرسل (بُجيرا) ابن أخيه للمهلهل، ليتوسط لإنهاء الحرب.
أبَى المهلهل إلا أن يقتله رغم إنكار من حوله ذاك، وقال: (بؤ بشسع نعل كليب) أي: إنك لست مثيلا لكليب ولا تساوي إلا رباط حذائه، ولما بلغ الحارث مقتل بجير، ظن أنه قُتل إصلاحا بين الحيين فقبل ذلك، فقالوا إنما قتله المهلهل بشسع نعل كليب، فلم يقبل وشد ساعده للثأر لولده.
أسر الحارث المهلهل ولم يكن يعرفه، فقال الحارث: دلني على المهلهل، وكان المهلهل ذكيا، فقال: أدلك ولي دمي؟ أي: بشرط ألّا يقتله، قال: ولك دمك، فقال المهلهل: فأنا المهلهل، خدعتك والحرب خدعة، فقال الحارث: فدلني على رجل كفء لبجير فدله على امرئ القيس بن أبان، فترك مهلهلا وشد إلى امرئ القيس فقتله ببجير.
لما عاد المهلهل إلى قومه، ظل النساء يسألنه عن ذويهن، فحزن لذلك واعتزل قومه وارتحل إلى اليمن، وعقد القومان صلحا في غيابه، ولم يشهد هو ذلك، وبعد سنين عديدة، اشتاق إلى قومه فعاد إليهم، ومر على قبر أخيه، وظل ثأره يراوده، فوصل إلى قومه يقصد الحرب ولا يشرب الخمر ولا يغتسل، حتى كان ينفر منه جلساؤه ويتأذون منه، ونقض الصلح الذي بين بنيه وبني بكر، وأغار على بكر واشتدت الحرب.
موت عدي بن ربيعة
اختلفت الأقاويل في موت المهلهل فكان منها أنه لما أغار عدي بن ربيعة على بني بكر، أسره عمرو بن مالك، فاجتمع شبان من بني بكر يشربون عند المهلهل، وشرب إلى أن سكر فأنشد شعرا ينوح فيه على أخيه، وهنا أقسم آسره ألّا يشرب المهلهل لمدة 5 أيام، فأنكر قومه عليه ذلك، وأتوا بالمهلهل بعد 3 أيام، وكان قد مات عطشا.
ويقال إن كليبا بعد أن كبر انتدب عبدين للسفر معه، فسئما منه، واتفقا أن يقتلاه ويخبرا أهله أنه مات بالطريق، وكان المهلهل ذكيا فأدرك غرض العبدين، فقال لهما: إذا وافتني المنية في الطريق فقولا لأهلي هذا البيت من الشعر:
من مبلغ الأقوام أن مهلهلا ** لله دركما ودر أبيكما
قتل العبدان المهلهل ودفناه في الصحراء، ثم عادا وأخبرا ابن كليب وأخته بموت عمه، وأنشداه بيت الشعر ذاك، لكن اليمامة بنت كليب لما سمعت البيت أدركت أنه يريد أن يفضح اتفاق العبدين، وأنهما بيتان على هيئة بيت، فأكملته وقالت:
من مبلغ الأقوام أن مهلهلا ** أضحى قتيلا في الفلاة مجندلا
لله دركما ودر أبيكما ** لا يبرح العبدان حتى يقتلا
فقُتل العبدان جزاء قتلهما المهلهل.