تتعدد المهن والوظائف التي تشهد مواجهة العاملين فيها لظروف شديدة القسوة، تصيبهم بالتوتر أحيانا بل وتزيد من فرص معاناتهم من الاكتئاب في أحيان أخرى، فيما يبدو الوضع أكثر مأساوية بالنسبة إلى إحدى الوظائف غير المتوقعة والمتمثلة في الطب البيطري، إذ ترتفع فرص معاناة الأطباء البيطريين ما يؤدي إلى انتحارهم بشكل مثير للدهشة، لذا نكشف عن أسرار هذه الظاهرة.
الأطباء البيطريون وسوء الحالة النفسية
بينما يعتقد الكثيرون أن العمل في مجال الطب البيطري، وتحديدا الذي يشهد التعامل اليومي مع الحيوانات الأليفة، يبدو ورديا وخاليا من الأزمات الكبرى، فإن الواقع المؤلم الذي يعيشه الأطباء البيطريون والعاملون كافة في هذا الجانب الصحي، يبقى مظلما.
بدأ الأمر عبر دراسة أسترالية أجراها الباحثون من جامعة كيرتن، حيث توصلوا إلى أن نسب الانتحار بين الأطباء البيطريين تحديدا، تصل إلى 4 أضعاف النسبة لدى المواطنين الآخرين، ما فتح باب التساؤل حول العلاقة المرعبة بين الانتحار ومهنة الطب البيطري.
زاد غموض العلاقة المريبة بين تلك المهنة الشهيرة وإمكانية التخلص من الحياة، ذلك التقرير الذي أصدرته جمعية أسترالية تهتم بالحالة النفسية للعاملين في مجال الطب البيطري، وتدعى Vet Life Australia، إذ توصلت إلى أن أكثر من 30% من البيطريين يعانون من التوتر الشديد، وأن الاكتئاب يسيطر تقريبا على 25.6% من العاملين في المجال ذاته، لتجرى المزيد من الدراسات التي كشفت عن السر وراء حدوث تلك الظاهرة الكارثية.
سر انتحار الأطباء البيطريين
بدت أسباب معاناة الأطباء البيطريين من الاكتئاب المؤدي للانتحار متعددة، بعد أن بحث الخبراء في الأمر لفترة وجيزة، إذ تكمن الأزمة بوضوح في بيئة العمل التي تشهد نفوق الكثير من الحيوانات في ظل انخفاض معدل الأعمار بينها، أو على الأقل إصابتها بأمراض تتسبب في معاناة أصحابهم بالتبعية، وهو الأمر الذي قد يعاني منه العاملون في مجال الطب بشكل عام، إلا أن الطب البيطري يحظى ببعض الخصوصية أيضا في هذا الجانب.
يعاني الأطباء البيطريون تحديدا من قلة الأجور مقارنة بشتى مجالات الطب الأخرى، فيما تزداد الأزمة في ظل عدم كفاءة وربما إهمال الكثير من أصحاب الحيوانات الأليفة، والذين قد لا يتبعون أوامر الطبيب فيما يقومون بإلقاء المسؤولية على كاهله مع وفاة الحيوان الخاص بهم.
يشير خبراء علم النفس إلى أن أحد الأسباب الأخرى التي تدفع بالأطباء البيطريين إلى هاوية الاكتئاب، هي العزلة الشديدة التي يجد فيها الطبيب نفسه بصفة يومية، في ظل تواجده أغلب الوقت مع مرضى صامتين يتمثلون في تلك الحيوانات الأليفة، فيما تزداد الأمور سوءا مع تلقي رسائل تهديد من أصحاب تلك الحيوانات، إن ظنوا بأن معاناتها صحيا يعود إلى تقصير أو تهاون من جانب البيطريين.
في كل الأحوال، يتضح أن مهنة الطب البيطري ليست وردية الملامح كما يظن البعض، بل يبدو ارتفاع نسب الانتحار بين العاملين فيها مؤشرا خطيرا، ربما يجعل منها المهنة الأكثر كآبة في العالم.