يواجه الجميع الأزمات الحياتية متعددة التفاصيل، فيما يعد الفارق كبيرًا بين شخص يبكي على ما فاته أو يغضب من كثرة التحديات، وآخر يملك صفات الشخصية الإيجابية، التي نكشف عنها وعن أهميتها وكيفية التحصن بها ضد مصاعب الحياة.
تعريف الشخصية الإيجابية
ظهر مصطلح الإيجابية في السلوك للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي، على يد الكاتب الأمريكي الشهير والمهتم بمجالات التنمية البشرية نابليون هيل، حيث أشار حينها إلى أهمية العقلية الإيجابية ودورها في زيادة فرص تحقيق النجاح، سواء في الحياة الاجتماعية أو العملية.
ربما لم يوجد منذ ذلك الحين تعريف محدد للشخصية الإيجابية، إلا أن المؤكد أن تلك الشخصية لها قدرة فائقة على رؤية الجانب المشرق من كل ما تمر به في الحياة، مع عدم الاكتفاء بتلك النظرة المتفائلة والعمل على حل أي أزمة تواجهها.
يبدو الشخص الإيجابي قادرًا على النظر للأمور من زاوية خاصة، حيث يرى المشكلات باعتبارها تحديات تتطلب التفكير بهدوء لعلاجها، بل ويتعامل مع النكبات التي لا يمكن للبشر التدخل فيها أحيانًا، بصفتها فرصة جديدة للتأمل والتعلم، وربما اعتياد التأقلم معها إن لزم الأمر.
صفات الشخصية الإيجابية
تتعدد صفات الشخصية الإيجابية التي تمنح صاحبها فرص التطور والنجاح، وفقًا لخبراء علم النفس والتنمية البشرية، والتي تتمثل في:
التفاؤل
هي السمة الأشهر من بين سمات الشخصية الإيجابية، حيث يبقى توقع حدوث الأفضل هو الخيار الوحيد المتاح، والذي يساعد المرء على العمل دون قلق أو توتر، فيما يعد التشاؤم أشبه بالاستسلام قبل خوض التحدي من الأساس.
الطموح
لا يعد التفاؤل كافيًا؛ بل كذلك يعتبر الطموح الشديد من صفات الشخصية الإيجابية، حيث يستفيد المرء حينها من نظرته التفاؤلية بأقصى درجة، ليبذل كل ما بوسعه عند مواجهة تحديات الحياة المختلفة، دون ضغوطات تنتج في العادة عن الأفكار السلبية المدمرة.
الصدق
يبدو الشخص الإيجابي مزودًا دائمًا بمعاني الصدق والأمانة، فيما يرى أن الكذب ومهما كان مفيدًا للبعض للإفلات من النقد أو العقوبة هو بداية الفشل، إذ يمكن الاعتماد عليه فيما بعد ليبدو الحل الأسهل للأزمات رغم أنه يزيدها تعقيدًا، بخلاف الصدق الذي يمنح صاحبه ثقة الآخرين وكذلك فرصة تصحيح الأخطاء.
التضحية
إن كان التفاؤل هو المنهج الذي يسير عليه الشخص الإيجابي، فإن التضحية من أجل الآخرين تبدو من الخيارات غير المعقدة بالنسبة إليه، والسر في أنه يؤمن بقدرته على تصحيح الأمور مهما ساءت، وأن التضحية نفسها لها مكاسب عدة، أبسطها نيل ثقة الآخرين بجدارة واستحقاق.
الاعتراف بالخطأ
لا تملك الشخصية الإيجابية أي أزمة في الاعتراف بأخطائها، ولم لا وهي ترى الأخطاء مهما بلغت فداحتها وسيلة للتعلم، علاوة على أن الاعتراف بالخطأ من منظور الأسوياء هو دليل على الشجاعة، بخلاف ما يقوم به الشخص السلبي في تلك المواقف، حيث يكتفي بإلقاء اللوم على الجميع.
احترام الذات
بينما يضع الشخص الإيجابي الكثير من الحدود بينه وبين الصفات السلبية، فإنه يعد أكثر احترامًا لنفسه من الآخرين، وخاصة وأن رؤيته للأمور من منظوره التفاؤلي، تدعوه دومًا إلى حسن ظنه بالبشر، وبالتالي الاعتقاد بحسن ظن الآخرين به، ما ينعكس على درجة الرضا عن النفس وتقدير الذات.
السيطرة على النفس
هي واحدة من أبرز صفات الشخصية الإيجابية، التي تمر بظروف قاسية كالبشر كافة، لكنها لا تلجأ للحلول الملتوية بأي شكل من الأشكال، حيث ترى أن تلك الحلول وإن أفادت صاحبها لوهلة، فإنها سوف تؤدي به إلى الهلاك، كونها ستقلل من احترامه لذاته بمرور الوقت.
فوائد الشخصية الإيجابية
تكشف صفات الشخصية الإيجابية السابقة عن أهميتها إلى حد بعيد، إلا أن الأمر له بعد يتعلق بالصحة النفسية والعضوية أيضا، نوضحه في تلك السطور.
فوائد نفسية
تتعدد الفوائد النفسية التي ينعم بها كل من يملك صفات الشخصية الإيجابية، وفي مقدمتها الشعور بالسعادة والرضا، والذي ينبع من إحساس المرء بأن القادم أفضل، علاوة على أنه لا يعاني من مشاعر الذنب في ظل عدم التقصير أو اللجوء للحلول غير الأخلاقية.
كذلك تعد صفات الشخصية الإيجابية من عوامل تعزيز الثقة بالنفس، فبينما يحرص المرء على مساعدة الآخرين والتضحية من أجلهم إن لزم الأمر، وبينما لا يرضخ للظروف السلبية مهما اشتدت، فإنه يبقى أكثر ثقة بالنفس وأكثر احترامًا للذات.
تتمتع الشخصية الإيجابية بصفاء الذهن اللازم، والذي يجعلها أكثر تركيزًا من غيرها، فبينما تبدو مشاعر القلق أو الذنب أو حتى التشاؤم بعيدة عن ذهنها، فإنها تصبح مهيأة دومًا إلى مواجهة الأزمات المختلفة بعقل واع وتركيز حاد.
فوائد عضوية
من المؤكد أن صفات الشخصية الإيجابية لها دور رائع أيضًا فيما يخص تحسين الصحة العضوية والجسدية، إذ تقل حينها فرص المعاناة من الكثير من الأمراض التي تنتج عن سوء الحالة النفسية، ومن بينها أمراض ضغط الدم وكذلك أمراض القلب والأوعية الدموية.
لا تقتصر الفوائد الصحية على ذلك فقط، بل يصبح الجهاز المناعي أكثر قوة هو الآخر، في ظل قدرة صاحبه على طرد الأفكار السلبية بلا تردد، وبالتالي يلاحظ صعوبة الرضوخ لمشاعر اليأس المؤدية للتوتر والقلق، والتي تضعف جهاز المناعة في العادة.
لا يوجد شك في أن فرص المعاناة من الأمراض النفسية وعلى رأسها مرض الاكتئاب، تصبح أقل لدى من يملك سمات الشخصية الإيجابية، ففي وقت يبدو فيه التشاؤم من عوامل الإصابة بالقلق المرضي، والذي يتسبب في المزاج السيئ والاكتئاب إن زادت حدته، فإن الوقاية من كل ذلك تصبح شبه مؤكدة عند التحلي ببعض من صفات الشخصية الإيجابية.
كيفية التحلي بصفات الشخصية الإيجابية
يعتقد البعض أن امتلاك صفات الشخصية الإيجابية هو أمر تلقائي لا يمكن التدخل فيه، رغم أن التحلي بتلك السمات يصبح واقعًا عند اتباع الخطوات الآتية:
رسم الابتسامة
يرى خبراء علم النفس أن إلزام النفس برسم الابتسامة على الشفاه، سواء عند مقابلة الغرباء في الشوارع أو عند القيام بالمهام المعقدة في العمل، يجعل الحياة أفضل بشتى الطرق، حيث ينعكس ذلك داخليًا بدرجة تجعل التفاؤل هو المسيطر على العقل، وبعكس ما يحدث عند اعتياد التعامل مع البشر أو أداء المهام الوظيفية بوجه عابس.
إعادة النظر للأمور
بينما يملك الشخص الإيجابي القدرة على ملاحظة الجانب المشرق من أي أزمة، فإن التحلي بصفات الشخصية الإيجابية يتطلب تدريب النفس على القيام بالمثل، حينها يدرك المرء أن دقائق الانتظار الطويلة داخل المواصلات العامة في زحام الطريق على سبيل المثال، يمكنها أن تصبح مثالية للقراءة والاستفادة، وأن قرار المسؤولين في العمل بطرده عند ارتكاب خطأ ما، قد يصبح نقطة التحول التي تدفعه للعمل في الوظيفة التي يرغب فيها من الأساس، وهكذا.
تخيل المستقبل
يصبح تخيل الوضع المستقبلي للإنسان مفيدًا له بكل الطرق، إن رسمه بدرجة كبيرة من التفاؤل، كأن يتوقع وضعه المادي والعملي، وكذلك علاقاته الاجتماعية والعاطفية في أفضل صورة، إذ لا يؤدي ذلك فقط إلى تحسين الحالة النفسية وزيادة فرص امتلاك سمات الشخصية الإيجابية ومن بينها التفاؤل، بل كذلك يساهم في زيادة الرغبة في تحقيق كل تلك الأهداف.
التركيز على نقاط القوة
إن كانت الثقة بالنفس من بين سمات الشخصية الإيجابية، فإن التركيز على نقاط القوة هو أبرز وسائل تعزيز تلك الثقة، لذا يعد الحرص على تدوين الصفات الإيجابية لديك مثل الطيبة والاحترام أو الإبداع والابتكار، من عوامل زيادة الثقة بالنفس، مع العمل على تعديل نقاط الضعف سريعًا، لتزداد مشاعر الرضا عن النفس.
الامتنان
يبقى الشعور بالامتنان هو الآخر من عوامل امتلاك صفات الشخصية الإيجابية، حيث لا يمكن للعقلية المتفائلة إلا أن تصبح مقدرة لكل ما تنعم به من مزايا، ليزيد ذلك من طموحها وتفاؤلها، فيما يبدو الوضع معكوسا لدى صاحب الشخصية السلبية، والذي يرى الجوانب المظلمة ولا يتحلى بالامتنان لما يملك.
اختيار الأصدقاء الإيجابيين
من الوارد أن تتحدد إيجابية أو سلبية الشخصية بناء على نوعية الصداقات التي تتمتع بها، حيث يمكن للجلوس بصفة يومية مع الصديق المتفائل أن يمنح المرء فرصة النظر للأمور من منظوره المبهج، كما أنه يحظى حينها بعبارات التشجيع اللازمة للاستمرار والكفاح، فيما يؤدي التواجد وسط الأصدقاء السلبيين، إلى الغرق في جلسات النميمة والانتقاد السلبي، علاوة على الحرمان من كلمات التحفيز والمعاناة من الإحباط.
طرق تجنب سمات الشخصية السلبية
إن كانت النقاط السابقة تضمن التحلي بأغلب صفات الشخصية الإيجابية، فإن ارتكاب بعض الأخطاء يزيد من فرص امتلاك شخصية سلبية تبدو خطيرة على النفس والآخرين، لذا نحذر منها عبر تلك النصائح.
- تقبل كلمات النقد دون الرد عليها بعبارات هجومية، إذ ربما يكون الانتقاد وسيلة للتطور.
- عدم توجيه عبارات النقد للآخرين، حيث يعد ذلك من عوامل افتقاد مشاعر التعاطف، والتي هي من أسس الشخصية الإيجابية.
- تجنب التلفظ بعبارات التنمر أو السخرية بحق الغير، حتى لو كانت على سبيل الدعابة.
- الابتعاد عن جلسات النميمة ومهما كانت تبدو شيقة أو مغرية للمشاركة فيها.
- عدم الهروب من المسؤولية والحرص على الاعتذار عند ارتكاب الخطأ، بل والتعلم منه.
- تجنب العادات السيئة حتى إن بدت غير مؤثرة، نظرًا لأنها تضر بالحالة النفسية بمرور الوقت.
متى تصبح الإيجابية سامة؟
بالرغم من تعدد فوائد امتلاك صفات الشخصية الإيجابية، فإن مصطلح الإيجابية السامة يكشف عن احتمالية المعاناة النفسية عند المبالغة في رؤية الأمور من منظور إيجابي.
يحدث ذلك عند محاولة إلزام النفس بالبقاء في حالة من السعادة رغم الحزن الداخلي، حيث يحرم المرء نفسه من استكشاف الأسباب وراء مشاعره السلبية لعلاجها، بل ويصبح كمن يتجاهل أزماته حتى تصبح مثل كرة الثلج التي تكبر يومًا بعد الآخر.
فقدان الدعم
من الوارد أن تؤدي الإيجابية السامة أيضًا إلى حرمان الشخص من تلقي كلمات الدعم والمساندة، التي تحسن من الحالة النفسية عند مواجهة الأزمات، إذ يظن أن إخفاء مشاعر الحزن هو الخيار الأسلم، رغم أن التعبير عن المشاعر السلبية أحيانًا ما يكون كفيلًا بالسيطرة عليها.
إضاعة الفرص
لا يمكن تجاهل دور الإيجابية السامة في إرباك البعض وإضاعة فرص نجاحهم، حيث يؤدي التفاؤل على طول الخط إلى عدم توقع الأزمات للتعامل معها، ليصاب الشخص بالصدمة ولا يقوى على المواجهة، ما يكشف عن أهمية الاتزان وعدم المبالغة في الإيجابية في كثير من الأحيان.
كيفية تجنب الإيجابية السامة
هناك بعض من الخطوات التي تضمن الوقاية من الوقوع في خطر الإيجابية السامة، وهي:
- تقبل مشاعر الحزن والغضب باعتبارها من الأحاسيس الإنسانية التي يمر بها الجميع.
- التحدث مع الأشخاص الموثوق فيهم عن المشاعر السلبية والحرص على عدم تجاهلها.
- عدم الإسراع بالرد على شكاوى الآخرين بعبارات إيجابية دون تفكير.
- تحفيز الأشخاص المقربين على إخراج ما في جعبتهم من مشاعر سلبية إن بدا ذلك مؤثرًا عليهم بدرجة واضحة.
- التأكد من أن ارتكاب الأخطاء يعتبر واردًا ولا يكشف عن عيوب شخصية في كل مرة.
- زيارة الطبيب النفسي إن تطلب الأمر بدلًا من التحدث مع أشخاص يصدرون الأحكام دومًا.
في كل الأحوال، تعد صفات الشخصية الإيجابية حينما لا تبدو سامة، من عوامل الشعور بالسعادة والرضا عن النفس، لتصبح هي وسيلة النجاح الأضمن، والتي تستحق بذل الجهد للتمتع بها.