هل تفضل السكوت على التحدث ويراك الآخرون شخصًا متحفظًا وهادئ الطباع، لا يكشف عما في داخله إلا في أضيق الحدود؟ ربما تتمتع إذن ببعض صفات الشخص الصامت متعدد الجوانب النفسية والتي إما تكشف عن القوة أو الضعف.
الشخص الصامت
يرى البعض الشخص الصامت باعتباره كتومًا لا يرغب في مشاركة الآخرين بما يدور في ذهنه، فيما يعتقد البعض الآخر أنه شخص انطوائي يعاني من الخجل بدرجة تدفعه دائمًا إلى إخفاء أفكاره عن الجميع، فما هي حقيقة هذا الشخص؟
يشير نيكولاس كريستن فيلد، وهو أستاذ علم النفس السابق بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، إلى أنه لا يمكننا جمع كل الأشخاص الكتومين في سلة واحدة، إذ يوجد الشخص الصامت الذي يتمنى أن يتحدث لكن خجله يحول دون تحقق ذلك، كما يوجد الكتوم الذي اختار الصمت بمحض إرادته.
يتضح إذن أن إيجابيات وسلبيات الشخص الصامت، تتحدد مع معرفة سبب تكتمه الدائم، إذ يبدو الصمت الدال على الوقار والذي وصف بأنه لغة العظماء، مختلفا عما يكشف عن التواضع أو حتى عما يفصح عن الخجل والانطوائية الشديدة، ما يدفعنا للكشف بوضوح عن أفضل وأسوأ صفات الشخص الصامت.
صفات الشخص الصامت الإيجابية
تتعدد الإيجابيات التي يحظى بها الشخص الصامت، والذي إما اختار السكوت طواعية، أو بدا الأمر تلقائيا لديه بسبب سيطرة ملامح الهدوء والرزانة عليه، حيث تتمثل نقاط قوته في:
قوة الملاحظة
بينما تؤدي كثرة التحدث أحيانًا إلى تركيز الشخص على الكلمات بدلًا من ردود فعل المحيطين، فإن الشخص الصامت يصبح هو الفائز دومًا باعتباره يملك القدرة الأكبر على ملاحظة ما يدور حوله، والسر في تركيزه الذي يبقى في أفضل حالاته مع صمته.
الاستماع الجيد
يكشف تمتع الشخص الصامت بعلاقات اجتماعية جيدة وصداقات متعددة، على عكس المتوقع، عن امتلاكه لميزة الاستماع الجيد والتي لا تقدر بثمن، حيث تتيح له فرصة فهم مشاعر الآخرين وبالتالي معرفة الطريقة الأفضل للتعامل معهم وربما حل مشكلاتهم، ليصبح الصديق المفضل حينها.
الولاء الشديد
إن بدا التكتم والهدوء ناجمًا عن رغبة داخلية في عدم إضاعة الطاقة والمجهود فيما لا يفيد، فإن المنطق يكشف هنا عن شخص لن يضيع وقته في علاقات عبثية، بل هو يفضل تكوين الصداقات المتينة حتى إن كانت قليلة أحيانًا، ليحافظ عليها فيما بعد بما يحمل من سمات الولاء والوفاء.
الاكتفاء الذاتي
لا يحتاج الشخص الذي اختار الصمت بإرادته، إلى الكلمات ليراه من حوله، بل يتمتع بالاكتفاء الذاتي الذي وإن منعه من استجداء تعاطف الآخرين، فإنه يدفعه إلى الاعتناء بنفسه دون الحاجة إلى أي مساعدات خارجية.
التفكير العميق
يملك الشخص الصامت المساحة الأكبر من الوقت، من أجل التفكير بعمق، قبل أن يكشف عن وجهات نظره على الملأ، لذا يبدو رأيه هو الأكثر أهمية، ليس فقط لأنه قلما ظهر على السطح بعكس الآخرين، بل كذلك لأنه نتاج تفكير عميق بلا تشتت.
احترام الآخر
من النادر أن نلاحظ وجود شخص هادئ الطباع ويحرص على السكوت أغلب الوقت، وهو ينفعل على الآخرين ليقوم بإهانتهم متعمدًا، فبينما يعد التفكير بعمق من صفات الشخص الهادئ كما أوضحنا، فإن فرص الإساءة للآخرين تبدو قليلة للغاية إذن نظرا لامتلاك فرصة مراجعة النفس مرارًا وتكرارًا قبل إبداء أي رد فعل.
الوقار والجاذبية
يبقى الوقار من ضمن صفات الشخص الصامت، عندما يكون السكوت اختياريا وليس اضطراريا، كما تزداد جاذبيته في أعين المحيطين بفضل غموضه، ذلك إن كان الصمت نتيجة للثقة بالذات والرغبة في الحفاظ على الطاقة فيما يفيد، ولا يدل على ضعف الشخصية أو الخجل المبالغ كما توضح لنا صفات الشخص الصامت السلبية في أحيان أخرى.
أسوأ صفات الشخص الصامت
على الجانب الآخر، تصبح أغلب نقاط القوة المذكورة لدى الشخص الصامت سلبية الأثر عليه، إن كان مجبرًا على السكوت، ليكشف حينها عن معاناته من عدم القدرة على البوح بما يدور في داخله، علاوة على سلبيات أخرى متعددة.
ضعف الثقة
يدل الصمت الدائم حتى في الأوقات التي تتطلب اتخاذ مواقف حاسمة بالفعل أو الكلام، عن ضعف واضح بالشخصية، حيث يشعر الشخص بأنه غير مؤهل للتعبير عن رأيه، لذا يختار السكوت بدلًا من المخاطرة.
التوتر والقلق
كذلك يبدو القلق والتوتر من أسوأ المشاعر المسيطرة على الشخص الصامت، حيث يخشى دائمًا تفسيرات الآخرين بشأن آرائه الخاصة، ما يدفعه للتكتم عليها ودفنها بداخله إلى الأبد، بدلا من المخاطرة بطرحها على الملأ وربما التعرض للاتهامات.
الخوف من الإحراج
إن كان الخوف من الإحراج يبدو من العوامل الرئيسية وراء قلة الحديث، فإن ذلك غالبًا ما يكشف عن سيطرة الأفكار السلبية على العقل، إذ يشكل التعرض للحرج حينها هاجسا لدى الشخص، ويمنعه من البوح برأيه بكل حرية، ليصبح أسيرًا لمخاوفه.
كره الأضواء
يبدو تسليط الأضواء على الشخص المتحفظ الذي يعاني من ضعف الثقة، أشبه بتعرضه لجلسة تعذيب شديدة القسوة، حيث تنخفض قدراته على التركيز لأبعد الحدود، ما يدفعه دومًا إلى تجنب صدارة أي مشهد، وربما الحرص حتى على عدم التواجد وسط التجمعات.
الرفض الاجتماعي
من الوارد أن تتسبب كل الصفات المذكورة مسبقا، في تعرض الشخص الكتوم للرفض الاجتماعي ممن حوله، فسواء بدا صمته الدائم دليلًا على ضعف ثقته أو توتره الزائد أو حتى غروره المصطنع، فإن صفات الشخص الصامت السلبية تلك لن تجعله محل ترحيب للأغلبية العظمى من الناس.
الميل إلى العزلة
يصبح قرار الشخص الصامت أو الكتوم بالانعزال تمامًا عمن حوله، من أسوأ القرارات التي اتخذها يومًا، حيث يشير إلى الانسحاب دون إجراء أي محاولة، اعتقادًا بأن تجنب أحكام البشر هو الحل، رغم وجود الكثير من طرق علاج أزمته.
علاج سلبيات الشخص الصامت
بينما تبدو قوة الملاحظة والقدرة على الاستماع وكذلك الولاء والاحترام للآخرين، من إيجابيات الشخص الصامت التي ينصح بتدعيمها، فإن عيوب الشخصية الصامتة تتطلب التقويم في أسرع وقت بصورة ذاتية، عبر الخطوات الآتية:
- التركيز على السمات الإيجابية بدلا من الانشغال بالصفات السلبية والعيوب الشخصية، لزيادة الثقة في النفس.
- الاقتناع بأن اختيار الصمت نتيجة للخوف يعد أسوأ من إجراء المحاولات الفاشلة، التي تصبح ناجحة بمرور الوقت.
- ممارسة الرياضة والحرص على رسم الابتسامة على الوجه لتعزيز الثقة بالذات وإبداء الترحيب بالآخرين.
- التفكير للحظة في أسوأ ما قد يحدث، والمقارنة بين ذلك وبين اختيار أسر النفس للأبد في سجن الخجل والخوف.
- التأكد من أن ارتكاب الأخطاء من سمات البشر الطبيعية، بل إنها من عوامل التطور إن نجحنا في التعلم منها.
- إجراء بعض من التغييرات على روتين الحياة، سواء فيما يخص الطعام المفضل أو أماكن الخروج المثالية.
- طرد الأفكار السلبية فورًا من الذهن، مع تجنب الجلوس وسط الأشخاص السلبيين الذين يصدروا الأحكام بلا رحمة.
كيفية التعامل مع الشخص الصامت
يعد تقويم أسوأ صفات الشخص الصامت تحديًا حقيقيًا بالنسبة إليه، لكنه لا يقل صعوبة عن التحدي الذي يقع على كاهل كل من يتعامل مع شخص كتوم أو هادئ، وسواء كان إيجابيا أم سلبيا، ما يتطلب معرفة بعض الحيل لتسهيل تلك المهمة.
- احترام صمت الشخص الكتوم والثناء عليه، حيث يؤدي تعزيز ثقة المرء بذاته إلى حثه على الكلام، فيما تتسبب السخرية في العكس.
- تجنب إطلاق الأحكام على الشخص الكتوم، فبينما يظن البعض أن الصمت دليل على الضعف، فإنه قد يكون ذكاء.
- طرح الأسئلة التي تتطلب إجابات طويلة بدلا من الاستفسارات التي يمكن إجابتها بكلمة نعم أو لا.
- ترك الوقت للشخص الكتوم من أجل الإجابة، بدلا من وضع الضغوط عليه.
- خلق بيئة آمنة للشخص الصامت، عبر إلزام المحيطين بعدم إطلاق الأحكام أو السخرية من زلات الآخرين.
- مده بالمساحة المطلوبة للاسترخاء، حيث يحتاج الشخص الصامت جراء الانطوائية إلى القليل من العزلة لاستمداد الطاقة.
- تجنب الموضوعات التي قد تمثل عبئا على الشخص الصامت، إما لشعوره بالإحراج أو نظرا لخصوصيتها الشديدة
في كل الأحوال، تكشف صفات الشخص الصامت عن إيجابيات متعددة في بعض الأحيان، فيما تفصح عن سلبيات لا حصر لها في أحيان أخرى، ما يتطلب التفرقة إذن بين صمت ناتج عن القوة ويتطلب الإشادة، وآخر ناتج عن الضعف ويحتاج للتقويم.