حديثنا اليوم عن عبداللطيف البغدادي، والذي عرف باسم ابن اللباد، درس النحو واللغة والأدب، وحمل أمانة العلم وارتحل إلى العديد من الأمصار لدراسة الطب، لذا تابعوا معنا لتعلموا الكثير عن عالمنا الجليل.
من هو عبداللطيف البغدادي؟
هو موفق الدين عبداللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي، كان مولده في دار جده ببغداد سنة 577 هـ الموافق 1161 م. كان والده من علماء الحديث النبوي الشريف، ومن علماء القراءات، فنشأ عبداللطيف البغدادي في دار علم، بها مكتبة عامرة بالكتب القيمة فكان من الطبيعي أن يستقي العلوم من صغره.
تعليمه ورحلته في طلب العلم
درس عبداللطيف النحو واللغة حتى صار متمكنا، ثم درس المنطق والفلسفة وعلم النبات والطب، ودرس التاريخ والجغرافيا والأدب وارتحل في سبيل العلم كي يتتلمذ على يد كبار العلماء في عصره، فزار دمشق وحلب وذاع صيته فعينه السلطان صلاح الدين الأيوبي في ديوان الجامع بها، وثبته أبناء صلاح الدين في هذا التعيين وزادوا في راتبه.
وفي عام 586 هـ الموافق 1190 م سافر إلى القاهرة، وكان قد زارها قبل تعيينه بجامع دمشق بصحبة العزيز ابن صلاح الدين، وظل بمصر يلقى دروسا في علوم الدين واللغة صباحا، ودروسا في الطب بعد الظهيرة، وفي مصر اتصل بالطبيب والفيلسوف اليهودي الشهير موسى ابن ميمون، وأثناء إقامة البغدادي في مصر وقعت كارثة المجاعة بسبب انعدام الفيضان عام 597 هـ الموافق 1201 م.
والغريب أنه في نفس العام حدث زلزال كبير أحدث كارثة في القاهرة، وقد تناول البغدادي هاتين الكارثتين في كتابه (لإفادة والاعتذار)، وفي عام 604 هـ انتقل عبداللطيف البغدادي للتدريس بالمسجد الأقصى بالقدس، ثم رحل إلى دمشق حيث تولى التدريس بالمدرسة العزيزية، فذاعت شهرته في الطب وكثر تلاميذه.
وبعد ذلك رحل إلى حلب ثم أذربيجان ببلاد الروم (أرمينيا وتركيا) حيث التحق بخدمة صاحب أذربيجان “علاء الدين بن داود بن بهرام”، ثم تنقل بين عدة بلاد قبل عودته إلى حلب ليستأنف تدريس الطب بها.
اقرأ أيضًا: الحقيقة وراء “الطبيب الباكي” الذي ألهب مشاعر الملايين
إنجازات البغدادي وشخصيته العلمية
لعبداللطيف البغدادي العديد من الإنجازات في الطب ومنها:
إنجازاته في علم التشريح
• اكتشف البغدادي أن الفك السفلى يتركب من عظمة واحدة فقط، وقد خالف في ذلك رأي جالينوس وأظهر خطأه، معللا ذلك بأنه قام بتشريح مئات الجثث، في أكثر من جائحة مرت ببلاد المسلمين، وبرجوعه إلى مدافن أبو صير القديمة، وتثبت من كون الفك السفلي عظمة واحدة فقط.
• تمكن البغدادي من تمييز أنواع كسور الجمجمة ووصفها بدقة، من شعر العظم (أي الشرخ الرفيع الشبيه بالشعرة) والكسر البسيط، والمتفتت، والكسر البارز لأعلى، والكسر الغائر.
• اهتم البغدادي اهتماما خاصا بالدراسة العلمية، وكتب مؤكدا أهمية توافرها وعمل على تصحيح بعض المفاهيم التي وضعها جالينوس.
• صحح مسار التشخيص للأمراض وعدل طرق العلاج.
اقرأ أيضًا: حالة ساليناس الفريدة.. الطبيب الذي يعاني من آلام مرضاه!
مؤلفات البغدادي
ذكر ابن أبي أصيبعة في “عيون الأنباء” أن للبغدادي 173 مصنفا في علوم اللغة والفقه والأدب والتوحيد والتاريخ والتعليم والطب والحيوان والحساب والعلوم، منها ما يلي:
• كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر.
• الطب من الكتاب والسنة.
• مقالة في الحواس.
• مقالة في بعض المسائل الطبيعية.
• شرح فصول أبقراط لجالينوس.
• شرح مسائل حنين.
• شرح مقدمة المعرفة لأبقراط.
• المغني الغالي في الحساب الهندي.
• رسالة في المعادن وإبطال الكيمياء.
منهج البغدادي في البحث العلمي
كان البغدادي كاتبا بارعا يتميز عن غيره بقدرته على الكتابة العلمية في مجال العلوم الطبيعية وتحليل الظواهر الطبيعية والإنسانية، ويتسم منهجه بالخصائص التالية:
• الالتزام بالمنهج العلمي التجريبي الذي يتسم بالأمانة والحيادية والملاحظة الطويلة الدقيقة، واتباع منهج الشك وعدم أخذ العلوم من الكتب فقط، بل يجب التوثق بنفسك.
• الإعلان عن رأيه في جرأة، فهو لا يخشي في الحق لومة لائم حتى لو خالف رأيه الآراء الراسخة لأساطين العلماء.
• سلاسة أسلوبه وبعده عن التكلف والتعقيد ومخاطبة العقول بأسلوب سهل وبسيط يخلو من المحسنات البديعية.
ماذا قالوا عن عبداللطيف البغدادي؟
قال عنه مؤرخ الطب ابن أبي أصيبعة: عبداللطيف البغدادي كان عالما متميزا في النحو واللغة العربية، عارفا بعلم الكلام والطب، اعتنى كثيرًا بصناعة الطب.
قال عنه المستشرق الروسي “كراتشكوفسكي”: كان عالما دقيق الملاحظة ميالا للتجارب العلمية وموسوعي المعرفة.
اقرأ أيضًا: إيجنز سيملويس.. الطبيب الذي أنقذ الملايين بأبسط حيلة ممكنة
موقف القفطي من البغدادي
رغم إجماع العديد من العلماء حول فضل عبداللطيف البغدادي في الطب، إلا أن جمال الدين أبي الحسن القفطي صاحب كتاب “إخبار العلماء بأخبار الحكماء” كان له رأي آخر، فقد انتقده انتقادا لاذعا ورماه بالجهل التام، وقال عنه إنه مدعٍ للعلم، وإنه عندما ذهب للحج أصابه مرض شديد فأراد أن يعالج نفسه بطبه فمات، وإن مؤلفاته في غاية الانحطاط.
وقد رد عليه الفقيه المصري ابن مكتوم واستنكر تحامله على عبداللطيف البغدادي، وأنه لم يكن هناك قريب أو بعيد لم يعلم بمنزلة الطبيب البارع عبداللطيف البغدادي.
وفاته
ظل عالمنا الجليل موفق الدين عبداللطيف البغدادي شعلة من النشاط لا يتوقف عن تحصيل العلم بجد واجتهاد، إلى أن توفي بمسقط رأسه بغداد عام 629 هـ الموافق 1232 م وهو في طريقه لأداء فريضة الحج، وكان عمره 69 عاما، قضى منها 45 عاما في التنقل والترحال لطلب العلم بجدية، مع اجتهاد، وأخلاق جعلت منه مثلًا مشرفًا لعلماء الدنيا بأسرها.
المصدر
(فوزي خضر، عبداللطيف البغدادي، سلسة عباقرة المسلمين)، (محمد غريب جودة، عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في العلوم والطبيعة، ص 202-215)