يعد عبد الرحمن منيف من أشهر الروائيين العرب في القرن الـ20، حيث نجح الكاتب السعودي الراحل والمولود في الأردن، أن يكشف من خلال مؤلفاته التغيرات التي طرأت على العالم العربي على المستوى السياسي والاقتصادي أيضا في العقود الأخيرة، ليصبح من أبرز كتاب العصر الحديث.
نشأة عبد الرحمن منيف
ولد عبد الرحمن بن إبراهيم منيف في العاصمة الأردنية عمان في الـ29 من مايو لسنة 1933، حيث نشأ في أحضان والد سعودي وأم عراقية، ليدرس في الأردن حتى حصوله على الشهادة الثانوية.
تنقل منيف بين عدد من الدول العربية خلال مرحلة الشباب، حيث سافر في البداية للعراق من أجل الدراسة في كلية الحقوق، قبل أن يضطر إلى تركها بسبب توقيع حلف بغداد في عام 1955، ليكمل دراسته في مصر على مدار 3 أعوام.
كذلك سافر منيف إلى الخارج حيث استقر في العاصمة الصربية بلغراد لفترة من الزمن، قضاها من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه في اقتصاديات النفط، فيما عاد من جديد إلى دمشق ليعمل لفترة في إحدى شركات النفط ويرحل بعدها للبنان للعمل في المجال الصحفي، علما بأنه عاش في فرنسا لسنوات بعد ذلك، حين أراد التفرغ لعمله الكتابي الذي لم يدخله إلا بعد تجاوزه الـ40 من العمر.
أدب عبد الرحمن منيف
بدت استفادة منيف من خبراته المتعددة في المجال الاقتصادي وفي عالم النفط واضحة للغاية، حيث ظل حتى بداية العقد الخامس من عمره منشغلا بوظائفه في هذا المجال، حتى قرر نقل تجربته بصورة روائية، ومن خلال عدد لا بأس به من المؤلفات الرائعة.
رأي منيف أن السبب الأبرز وراء أغلب التحولات التي حدثت لدول الخليج، تتمثل في ثورة النفط، والتي تحدث الكاتب السعودي عن آثارها بوضوح في مؤلفاته، كما ناقش معنى الحرية وحدودها الممكنة وغير الممكنة من خلال بعض رواياته، التي صنفته من وجهة نظر البعض كمعارض سياسي.
تميز أسلوب منيف الكتابي بالشكل المختلف والحديث، الذي تمثل في ألفاظ الثقافة المعاصرة، كما بدا مهتما بتصوير الانفعالات الإنسانية على طريقته الخاصة، التي جذبت اهتمام الكثير من القراء من المحيط إلى الخليج.
كتب عبد الرحمن منيف
بدأ منيف في اقتحام عالم الرواية الساحر في عام 1973، من خلال رواية “الأشجار واغتيال مرزوق”، والتي تبعها في العام التالي برواية “قصة حب مجوسية”، قبل أن يذهل القراء في عام 1975 برواية “شرق المتوسط”، والتي ناقش خلالها اندفاع الشباب الثائر الذي يزج به في السجون، ليعيش ويلات الاعتقال كضريبة للمطالبة بالحرية.
صدرت لمنيف رواية “النهايات” في عام 1977، قبل أن تصدر له بعد نحو عامين رواية “حين تركنا الجسر”، والتي لم يناقش خلالها صراعات الإنسان مع من حوله فقط، بل كذلك صراعه مع نفسه، ذلك عبر شخصيات صياد وكلب وبطة، تقودهم الظروف إلى أن يصبحوا حكيما ووزيرا وملكة، الأمر الذي لقي نجاحا ملحوظا، تبعه نجاح آخر من خلال رواية “سباق المسافات الطويلة”، التي ركز من خلالها على معاني النفاق التي ملأت العالم وتسببت في سقوط الإمبراطوريات.
لا يمكن تجاهل رواية “عالم بلا خرائط”، التي تعد من أشهر وأفضل روايات الأديب عبد الرحمن منيف، والتي تعاون من خلالها مع الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، حيث قدما الصراع المتجدد بين الماضي والحاضر في أفضل أشكاله، كما ناقشا جوانب الحب والجريمة وغيرها من الأمور المسيطرة على ذهن القارئ العربي، وهي الرواية التي سبقت الخماسية التي صدرت على 5 أجزاء هي “الأخدود” و”التيه” و”تقاسيم الليل والنهار” و”المنبت” و”بادية الظلمات”، في الفترة ما بين عام 1984 و1989.
اقتباسات عبد الرحمن منيف
تتعدد الاقتباسات والأقوال التي ذكرت في روايات هذا الكاتب السعودي الشهير، ومن بينها:
“لا يهم السبب الذي نبكي من أجله، فقد كانت قلوبنا تمتلئ بالأحزان، لدرجة أن أي شيء يكفي ليكون سببا”، رواية شرق المتوسط.
“في عالم من الضجيج، الكل يتكلم، ولا يسمع أحد أحدا، أرجو ألا تدخل صوتي عنصرا آخر في خليط العقم الكبير”، رواية عالم بلا خرائط.
“أشياء كثيرة يتعلمها الإنسان في وقت مبكر، ويتصورها يقينا لا يقبل الشك، لكن الحياة تعلمه أن ذلك اليقين مجرد وهم”، رواية الأخدود.
“المشاعر التي تسيطر علي حين أتذكرها تجعلني أقرب إلى المجنون، والأوقات التي يمر فيها طيفها كثيرة لدرجة لا أستطيع التفكير بغيرها”، رواية قصة حب مجوسية.
وفاة عبد الرحمن منيف
بعد أن عاش منيف لسنوات في فرنسا، متفرغا لإنتاجه الأدبي، قرر الكاتب السعودي العودة للأردن من جديد، حيث عاش لسنوات طويلة مع زوجته السورية، حتى جاء يناير من عام 2004، والذي شهد تعرض المنيف لأزمة قلبية أودت بحياته عن عمر يناهز الـ70.
في الختام، رحل عبد الرحمن منيف عن عالمنا تاركا مجموعة رائعة من الروايات التي تكشف عن طبيعة الأوطان العربية، ليبقى في ذاكرة القراء بمؤلفات يصعب تكرارها ولو بعد سنوات طويلة.