تتعدد علامات المعاناة من الإعاقة الذهنية، فما بين الذكاء المتدني وصعوبات التعلم وغياب المهارات الحياتية، يبقى ضحية تلك الأزمة العقلية محدود القدرات بصورة محبطة، فهل توجد أي فرص في علاج الإعاقات الذهنية يومًا؟
الإعاقة الذهنية
تعرف الإعاقة العقلية أو الذهنية بأسماء عدة، فبينما يشير إليها البعض على سبيل المثال باسم الإعاقة الفكرية، فإنها عرفت قديمًا ولسنوات طويلة باسم التخلف العقلي، وهو الاسم الذي لم يعد يستخدم بل ويعد سلبيًا ومهينًا في الوقت الحالي.
تشكل الإعاقة الذهنية أحد الاضطرابات العصبية التي تحول دون قدرة ضحيتها على التطور في حياته يومًا بعد الآخر، حيث تبدو قدراته على التعلم ضعيفة للغاية مقارنة بمن في مثل عمره، ليبدو وكأنه يتأخر دائمًا بأكثر من خطوة عند مقارنته بزملاء الدراسة منذ الصغر.
يوضح الخبراء خبايا الإعاقة العقلية بصورة أكبر، عبر الإشارة إلى عجز المصاب بها في جانبين في غاية الأهمية، الأول هو الخاص بالوظائف العقلية والآخر يخص المهارات اليومية، حيث يعاني الضحية من عدم القدرة على التعلم واتخاذ القرارات وحل المشكلات بما يحمل من مستويات ذكاء تصل إلى 70 درجة في أفضل الأحوال، لتقل كثيرًا عن متوسط الذكاء البالغ 100 درجة.
أما الجانب الثاني والخاص بالقدرات العقلية، فيظهر صداه في السلوكيات، حيث يعاني حينها الشخص من عدم القدرة على الاعتناء بنفسه أو فهم مشاعر غيره أو تكوين العلاقات الاجتماعية المطلوبة معهم، علمًا بأن الإعاقة الذهنية تصيب حوالي 1% من المواطنين، فيما يعاني 85% من الحالات من أعراض الحالة الخفيفة غير الحادة، لذا يمكن علاج الأزمة جزئيًا بمرور الوقت.
أعراض الإعاقة الذهنية للأطفال
تبدأ أعراض الإعاقة العقلية في الظهور مبكرًا، وخاصة وأن اكتساب هذا الاضطراب قد يحدث قبل الولادة، لتظهر تلك الأعراض التالية:
- بدء التحدث في توقيت متأخر، وربما المعاناة من صعوبة دائمة في الكلام.
- تراجع فرص القيام ببعض السلوكيات العادية، مثل استخدام المرحاض أو ارتداء الملابس الخاصة أو حتى تناول الطعام.
- تأخير النجاح في الحبو والوقوف والمشي بصورة مقلقة.
- صعوبة تذكر الأحداث التي مضت.
- العجز عن الربط بين الأحداث وبين نتائجها الوخيمة في العادة.
- سوء السلوكيات التي تصل بالمريض إلى حد العصبية الشديدة والغضب العارم.
- عدم القدرة على حل الأزمات العالقة أو التفكير بمنطقية.
الجدير بالذكر أن نوبات الصرع أو اضطرابات المزاج أو الحركة أو مشكلات في الرؤية أو السمع، كلها تعد من أعراض الإعاقة الذهنية، ولكن في أسوأ أحوالها فقط لا غير.
أسباب الإعاقة الذهنية
يؤدي حدوث أي تعارض بين نمو المخ الطبيعي وأي مؤثر خارجي، إلى الإصابة بالإعاقة الذهنية، إلا أن تحديد أسباب الإعاقة يعد من الأمور المعقدة رغم قيام العلماء بالكشف عن بعض الترجيحات بشأنها مثل:
الأزمات الجينية
تؤدي المعاناة من بعض الأزمات الجينية إلى زيادة فرص الإصابة بالإعاقة الذهنية، حيث يمكن لـ متلازمة داون على سبيل المثال أو متلازمة الكروموسوم إكس الهش أن تزيد خطر الإعاقة العقلية لدى المصاب الصغير.
أزمات الحمل
هناك الكثير من الأزمات التي قد تحدث أثناء الحمل لتؤدي إلى صعوبة نمو عقل الطفل الصغير بالدرجة المطلوبة، حيث تحدث تلك الأزمات على الأغلب عند قيام الأم بسلوكيات شديدة السوء، مثل تعاطي المواد المخدرة أو شرب الكحوليات المدمرة.
أزمات الولادة
ليست أزمات الحمل وحدها ما يزيد فرص المعاناة من الإعاقة العقلية أو الذهنية، بل كذلك مشكلات الولادة التي تظهر في صور عدة، من بينها حرمان الجنين من الكمية المناسبة من الأكسجين، أو ولادته بصورة مبكرة للغاية.
الأمراض والإصابات
أحيانا ما تزداد فرص المعاناة من الإعاقة الذهنية، جراء التعرض لعدوى أو مرض ما، مثل التهاب السحايا أو السعال الديكي أو الحصبة، علمًا بأن إصابات الرأس الخطيرة والتعرض للتجاهل في مرحلة الطفولة ومواجهة السموم كالرصاص كلها من عوامل الإصابة بالأزمة المذكورة.
علاج الإعاقة الذهنية طبيًا
لا يمكن شفاء ضحايا الإعاقة العقلية بشكل كامل، إلا أن السيطرة على أعراض الأزمة ودفعهم للتعايش معها يأتي بنتائج إيجابية مختلفة، ذلك عبر طرق علاج الإعاقة الذهنية التالية:
التشخيص
هي المرحلة الأولى والمبكرة من علاج الإعاقة العقلية، حيث يفشل الأطباء في تحديد خطط العلاج المناسبة إن عجزوا عن تشخيص الاضطراب من البداية، لذا يتطلب الأمر القيام بثلاث خطوات ضرورية للتشخيص، هي جلوس الأطباء مع الطفل لمعرفة حالته عن قرب، سماع تعليقات الأبوين عن سلوكياته العادية، وإخضاع الطفل لاختبارات عدة تخص معدلات الذكاء والسلوكيات.
يرى الخبراء أن تشخيص المريض الصغير بأزمة الإعاقة الذهنية، يتطلب في الأساس التحلي بأمرين لا ثالث لهما، الأول هو تدني مستويات الذكاء لديه، والثاني هو غياب المهارات القدرة على التأقلم مع الحياة بشكل عام، فيما يحدد الأطباء لاحقًا نقاط ضعف وقوة المريض، للوقوف على طرق العلاج الملائمة له.
العلاج السلوكي المعرفي
يستخدم هذا الأسلوب العلاجي الشهير مع عدد لا حصر له من الاضطرابات والأزمات النفسية، مثل اضطراب ثنائي القطب واضطراب الوسواس القهري ومرض الاكتئاب بشكل عام، حيث يبدو إيجابيًا في علاجها كافة.
يقوم العلاج السلوكي المعرفي على تحفيز ضحية العقلية الذهنية على القيام بأفضل السلوكيات مع تعويده كذلك على تجنب أسوأ السلوكيات، ليبدو الأمل البسيط في التطور يومًا بعد الآخر موجودًا.
الأدوية
لا توجد أدوية علاجية قادرة على زيادة فرص شفاء ضحية الإعاقة العقلية، حيث فشل العلماء في تحديد ولو علاج دوائي واحد قادر على تحسين الحالات المستعصية، إلا أن هناك بعض الأدوية الضرورية للأزمة من جانب آخر.
تبدو تلك الأدوية قادرة على التحكم قليلًا في أعراض الاضطراب، مع السيطرة على الأزمة حتى لا تتفاقم فيما بعد، علمًا بأن وصف تلك الأدوية العلاجية يبدو دومًا في يد الطبيب المختص.
علاج الإعاقة الذهنية منزليًا
لا يمكن الاستغناء عن أدوار الأطباء في علاج الإعاقة الذهنية وغيرها من الاضطرابات، إلا أن أفراد الأسرة والأشخاص المقربين يمكنهم كذلك مساعدة المصاب على تجاوز محنته، عند اتباع تلك الخطوات:
القراءة
يجب على أفراد أسرة أو أصدقاء الشخص المصاب بالإعاقة الذهنية، الاهتمام بمعرفة كل كبيرة وصغيرة عن هذا الاضطراب المزعج، ذلك عبر مطالعة الكتب وقراءة المعلومات الخاصة به عبر المواقع الإلكترونية، وكذلك من خلال استشارة الأطباء.
التحفيز على الاستقلال
بالرغم من أن قيام الطفل المصاب بإتمام النشاطات الخاصة به بنفسه يبدو من الأمور المعقدة، إلا أن أفراد أسرته يجب أن يحفزوه على ذلك حتى يحصل على استقلاليته يومًا ما، ذلك عبر تشجيعه على القيام بأنشطة جديدة والخروج من دائرة المألوف، مع الإشراف على خطواته ومدحه عند النجاح.
النشاطات الجماعية
لا يحتاج الطفل المصاب بالإعاقة الذهنية فقط إلى ممارسة الأنشطة التي يحبها وحده، بل يصبح الطفل مستفيدًا بالفعل حينما يجد نفسه محاطًا بالأشخاص الاجتماعيين، كما يحدث مثلًا في دورات تعليم الفنون مثل الرسم.
التواصل مع المعلمين
من الوارد أن يلاحظ المعلم الخاص بالطفل ضحية الإعاقة الذهنية، أزمة ما تتطلب العلاج السريع، لذا ينصح بالتواصل الدائم مع المعلمين في المدارس، حتى تصبح مهمة تقوية نقاط ضعف الطفل يومًا بعد الآخر أكثر سهولة.
الحصول على الدعم
ليس المقصود هنا حصول ضحية الإعاقة نفسه على الدعم، بل أفراد أسرته الذين يصبح حلمهم تطوير حالة الطفل الصغير، لذا فهم بحاجة إلى الدعم، إما بزيارة الطبيب النفسي للتحدث معه دون قلق عن المشاعر الخاصة، أو من خلال التواصل مع أفراد أسر أطفال آخرين يعانون من نفس الاضطراب.
في الختام، يبدو علاج الإعاقة الذهنية بصورة جذرية من الأمور المستبعدة التي قد تتحقق يومًا ما في المستقبل، إلا أنه وحتى يأتي هذا اليوم، يبقى السير على خطوات العلاج المذكورة هو المطلوب.