تعد اضطرابات طيف التوحد من الأزمات الصحية العصبية، والتي لم يجد العلماء حتى الآن الحل الجذري لها، سواء تمثل في جلسات العلاج النفسي أو الأدوية العلاجية، ترى هل يمكن علاج التوحد بالغذاء؟ هذا ما نجيب عنه في السطور التالية.
اضطرابات طيف التوحد
في البداية، يعرف العلماء التوحد باعتباره من الاضطرابات العصبية النمائية، التي ما أن تصيب الطفل الصغير، حتى تعيقه عن التواصل بالشكل المطلوب مع البشر، كما تقلل من فرصه في التعلم والتطور، لتؤثر عليه سلبًا في مختلف مجالات الحياة، إن لم تتم السيطرة قدر الإمكان على الأزمة.
يعجز الأطباء حتى الآن عن اكتشاف العلاج الجذري للتوحد، تمامًا مثلما يبدو التأكد من السبب وراء هذا الاضطراب مجهولًا بقدر كبير، حيث تدور التكهنات دومًا حول مدى تأثير العوامل الوراثية والطفرات الجينية، وربما مشكلات الحمل أو الولادة وعمر الأبوين، في تحفيز هذا المرض.
نسبة انتشار التوحد
يعد مرض التوحد والذي تظهر أعراضه مبكرًا في سنوات الطفل الأولى، منتشرًا بصورة غير متوقعة، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها، والتي تخضع للإشراف من وزارة الصحة بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن اضطرابات التوحد تصيب طفلا من بين كل 110 أطفال تقريبًا.
تكشف تلك الأرقام عن مدى شيوع حالات التوحد حول العالم، حيث يشخص الأطفال بهذا الاضطراب المزمن بنسبة تفوق تشخيصهم بأمراض السرطان والسكري والإيدز مجتمعة، ليبدو البحث عن حلول بديلة للشفاء منطقيًا، وحتى بات الهدف هو علاج التوحد بالغذاء، فهل يبدو هذا ممكنًا؟
مشكلات التوحد الهضمية
قبل الإجابة عن السؤال السابق والخاص بإمكانية علاج التوحد بالغذاء، يكشف بريان أوديل، وهو خبير اضطرابات التوحد والتعلم، والمسؤول عن مركز تطوير الأطفال بالولايات المتحدة الأمريكية، عن بعض الأزمات الهضمية التي تسيطر على ضحايا اضطرابات طيف التوحد من الأطفال.
يشير بريان إلى أن فرص المعاناة من مشكلات الجهاز الهضمي مثل الإسهال المزمن والانتفاخ في البطن وامتلائها بالغازات المتراكمة، علاوة على مرض ارتجاع المريء وجفاف أو انحشار البراز ومتلازمة تسرب الأمعاء، ترتفع بوضوح لدى أطفال التوحد.
كذلك يبدو الطفل المصاب باضطرابات التوحد مهددًا بالمعاناة من بعض الاضطرابات الأخرى، مثل نقص العناصر الغذائية، والحساسية التي تصل إلى درجة الحساسية المفرطة تجاه بعض الأطعمة، ليفسر ذلك منطقية البحث عن علاج التوحد بالغذاء.
هل يوجد أمل في علاج التوحد بالغذاء؟
ينقسم العلماء حول مدى إمكانية علاج التوحد بالغذاء، فبينما يرى البعض أنه لا يوجد إثبات علمي يخص جدوى اتباع بعض العادات الغذائية من أجل التحكم في أعراض التوحد، فإن البعض الآخر يشير إلى أن عدم وجود آثار جانبية مقلقة تستدعي تجربة علاج التوحد بالغذاء ولو على مدار فترة قصيرة من الوقت.
يعتمد الخبراء المشجعون على تجربة علاج التوحد بالغذاء، على نقاط إيجابية تمت ملاحظتها على بعض الأطفال المصابين بالتوحد، بعد الخضوع لعادات غذائية محددة لفترة من الوقت، حيث تمثلت تلك الإيجابيات في ارتفاع نسب التركيز وزيادة القدرة على الانتباه.
كذلك نجحت العادات الغذائية المتبعة من قبل أسر أطفال التوحد، في السيطرة على بعض من سلوكياتهم العدائية أو التي تكشف عن فرط النشاط لديهم، علمًا بأن مستويات الراحة أثناء النوم قد زادت هي الأخرى.
علاج التوحد بالغذاء
ينصح قبل أي شيء، وعند الرغبة في خوض تجربة علاج التوحد بالغذاء، في استشارة الأطباء المتخصصين، نظرًا لأن حالات التوحد تبدو شديدة الاختلاف من مريض لآخر، سواء من حيث حدتها أو طرق علاجها، علمًا بأن الوجبات الغذائية الخالية من الكازين والجلوتين تعد هي المثالية لعلاج اضطرابات التوحد.
تتمثل تلك الحمية المناسبة لمرضى التوحد الصغار، في عدم إضافة الكازين تدريجيًا لوجبات الأطفال، وهو البروتين المكون للحليب ومشتقاته، قبل أن يتم إدخال التغيير الثاني والممثل في الاستغناء عن الجلوتين، وهو البروتين الخاص بكربوهيدرات عدة كالشعير والقمح.
يشير بعض الخبراء إلى أن تلك الحمية لها دور ملحوظ في تحسين القدرات الذهنية والمهارات الاجتماعية لمرضى التوحد، مع زيادة فرص التحدث بصورة أفضل، علمًا بأنه لا توجد دراسات علمية مثبتة تؤكد صحة تلك الآراء من عدمها.
الأغذية الممنوعة لأطفال التوحد
تكشف السطور السابقة إذن عن بعض الأغذية الممنوعة لأطفال التوحد، أملًا في تحسين حالاتهم الصحية، حيث تتلخص بشكل أوضح في:
- الحبوب مثل الشعير والقمح كما سبق أن ذكرنا، وكذلك الشوفان والنخالة، مع ضرورة تجنب الخبز المصنوع من الجلوتين ومشتقات الحليب كافة.
- يرى الخبراء أيضًا أن الأكلات المصنعة وتحديدًا اللحوم منها، تبدو غير مناسبة لمرضى التوحد، ما ينطبق على المعلبات، وأي من اللحوم التي تضاف إليها نسب ولو قليلة من الجلوتين، أو الشوفان والشعير.
- لا يمكن تجاهل خطورة الحلويات التي تمت الاستعانة بالحبوب لتصنيعها، أو الزيوت التي أضيف الجلوتين إليها، ما يسري على الأكلات والإضافات الحارة مثل الفلفل.
الأغذية المناسبة لأطفال التوحد
إن كانت أكلات القمح والشعير ومشتقات الحليب ممنوعة على مرضى التوحد، فإن الأطعمة الخالية منها تبقى ملائمة تمامًا لهم، مثل:
- نوعيات محددة من الحبوب وفي مقدمتها الذرة والنشا وكذلك الفشار.
- حليب الصويا وكذلك الأرز.
- الخبز الخالي من الجلوتين، والذي صنع بواسطة أرز النشا أو دقيق الذرة.
- السمك والبيض، وكذلك اللحوم غير المصنعة مثل اللحوم الحمراء والبيضاء.
- السكر الأبيض والعسل والفواكه والحلوى وأي من الأكلات الخالية من الجلوتين.
نصائح غذائية لمرضى التوحد
يكشف بريان أوديل خبير اضطرابات التوحد والتعلم، عن إمكانية تحسن أطفال التوحد المصابين أيضًا بنوبات الصرع، عند خضوعهم للحمية الكيتونية المعروفة بأنها تمد الجسم بالسعرات الحرارية عبر الكثير من الدهون والبروتينات والقليل من الكربوهيدرات.
يحذر أوديل رغم ذلك من اتخاذ تلك الخطوة دون استشارة الطبيب، نظرًا لأن تلك الحمية لها دور خطير فيما يخص زيادة الكوليسترول وتقليل فرص النمو واكتساب الوزن الطبيعي، علمًا بأن نسبة من أطفال التوحد تستفيد من الحميات الخالية من السكريات مقابل نسبة أخرى لا تحقق نفس الفائدة.
تبدو أحماض الأوميجا 3 ملائمة تمامًا للأطفال المصابين بالتوحد، وفقًا لنصائح بريان أوديل، والذي يكشف عن أهمية تناول السلمون وزيت كبد الحوت، أملًا في تقليل خطر المعاناة من الالتهابات.
تجدر الإشارة إلى أن الوجبات السريعة والأطعمة المصنعة والأكلات المحتوية على مواد حافظة تعد آخر ما يمكن للأطفال المصابين بالتوحد تناوله، في ظل ضرورة الاعتماد على الأغذية الطبيعية التي تقلل من مشكلات الهضم، التي تحيط في الأساس بهؤلاء المصابين الصغار.
علاجات التوحد الأخرى
إن كان علاج التوحد بالغذاء واردًا في بعض الأحيان، أو على الأقل يبدو مفيدًا للصحة العامة للطفل، فإن هناك بعض الخطوات العلاجية الأخرى التي لا يمكن نسيانها، حيث تتمثل في:
- جلسات العلاج المعرفي السلوكي، والتي تهدف إلى تعويد الطفل على السلوكيات الطبيعية، مع تحفيزه على تجنب السلوكيات السلبية، وهي الجلسات التي تتم تحت إشراف الطبيب النفسي.
- العلاج باللعب والذي يعتمد على تعويد الطفل على مشاركة الآخرين بعض النشاطات المسلية، في ظل رقابته من خبير متخصص لضمان استفادته.
- جلسات التخاطب والتي يخضع خلالها المريض للعلاج بمساعدة أخصائي التخاطب، القادر على زيادة قدرات الطفل المصاب بالتوحد على التواصل مع غيره من البشر.
- التأمل والاسترخاء الذي يبدو مفيدًا لمرضى التوحد الصغار كما يفيد الأصحاء من جميع الأعمار، باعتباره من وسائل تقليل مشاعر القلق والتوتر التي تصاحب أطفال الذاتوية.
في الختام، تبدو العادات الغذائية المذكورة مفيدة في كل الأحوال، لذا فسواء بدا علاج التوحد بالغذاء ممكنًا أو مستبعدًا، فإنه لن يضر المرضى الصغار بقدر ما سوف يحقق لهم الفوائد.