يعد فريدريك نيتشه أحد أشهر فلاسفة القرن الـ19، على الرغم من أن العالم لم يدرك قيمته الحقيقية إلا في القرن الـ20 وبعد وفاته بسنوات، ترى كيف كانت حياة هذا الفيلسوف الألماني الذي ودع العالم بطريقة مأساوية منذ أكثر من قرن كامل.
نشأة فريدريك نيتشه
ولد فريدريك فيلهيلم نيتشه في الـ15 من أكتوبر لسنة 1844، في قرية صغيرة بمقاطعة بروسيا التابعة إلى ألمانيا، حيث تربى هو وشقيقته الصغيرة إليزابيث على يد والدته، بعدما رحل الأب الذي كان واعظا دينيا عندما كان فريدريك طفلا لا يتجاوز الـ4 من عمره.
أكمل نيتشه دراسته الأولية في مدارس بلدة نومبورغ الألمانية، قبل أن يلتحق بجامعة بون التي درس فيها لفصلين دراسيين فقط، منتقلا منها إلى جامعة لايبزيغ، حيث درس فيها فقه اللغة، وهو مزيج من الأدب واللغة والتاريخ.
تأثر نيتشه خلال قضاء سنوات الدراسة في لايبزيغ بعدد من الفلاسفة والموسيقيين، حيث بدا عاشقا لكتابات فيلسوف التشاؤم أرتور شوبنهاور، كما جمعته الصداقة مع ريتشارد فاجنر، الذي يعد أحد أشهر الموسيقيين وكتاب المسرح في ألمانيا، الأمر الذي أثر في تكوين فريدريك الشاب الجامع بين عشق الفلسفة والفنون.
حياة فريدريك نيتشه
تفوق نيتشه في الدراسة الجامعية حتى تخرج وصار أستاذا جامعيا فيما بعد، حيث قام بتدريس فقه اللغة الكلاسيكي في جامعة بازل في سويسرا في عام 1869، قبل أن يبدأ في تأليف الكتب مبتعدا عن فلسفة شوبنهاور رويدا رويدا، بعدما انجذب أكثر لقيم حضارة العصر الحالي.
كذلك تدهورت علاقة الصداقة التي جمعته بالموسيقي فاجنر بمرور الوقت، فيما عانى اضطرابا عصبيا فيما بعد ليقرر تقديم الاستقالة من منصبه الرفيع بجامعة بازل.
عانى نيتشه من العزلة لسنوات طويلة، حيث قضى الوقت في الترحال بين سويسرا وإيطاليا وفرنسا، مبتعدا عن ألمانيا، إلا أن ذلك لم يؤثر على إنتاجيته، والدليل هو تأليفه لإحدى أشهر الروايات الفلسفية، والمعروفة باسم “هكذا تكلم زرادشت”، والتي صدرت في أكثر من جزء في الفترة ما بين 1883 و1885.
كتب فريدريك نيتشه
تعتبر رواية “هكذا تكلم زرادشت” من أشهر أعمال نيتشه لكنها ليست الوحيدة دون شك، حيث بدأ الفيلسوف الألماني مؤلفاته في سبعينيات القرن الـ19، بكتاب “ميلاد التراجيديا” في عام 1872، وكتاب”إنسان مفرط في إنسانيته” الصادر في عام 1878.
توالت الأعمال ذات الطابع المختلف لنيتشه في الأعوام التالية، حيث بدأ الانغماس في عالم الأخلاقيات من خلال كتاب “ما وراء الخير والشر” و”في جنيالوجيا الأخلاق”، وكذلك “أفول الأصنام”، وهي الكتب ذات الصيت التي صدرت في نهاية ثمانينيات القرن قبل الماضي.
بدا فريدريك نيتشه في الفترة الأخيرة من إبداعه الفلسفي متأثرا بأفكار عجيبة، تتمثل في رفض الدين ورفض تأثيره على المجتمع، فيما بدا مقرا بوجود الكمال الذاتي في إشارة إلى حب السلطة، علما بأنه كان دائم التركيز على التفرقة بين الخير والشر.
أجمل ما قال نيتشه
تتعدد الأقوال المأثورة التي ذكرها نيتشه على مدار حياته، والتي تكشف عن مدى عمق فلسفة هذا العالم رغم اختلاف الكثيرين معه أحيانا، حيث يقول:
“بدون موسيقى، تصبح الحياة بمثابة الخطأ الكبير”.
“ليس غياب الحب هو ما يفسد علاقة الزواج، بل غياب الصداقة”.
“ما لا يقتلنا يزيدنا قوة”.
“لست مستاء من كونك كذبت علي، بل لأنني لن أستطيع أن أصدقك من جديد”.
“بدا وأن هؤلاء ممن يرقصون مثل المجانين بالنسبة للآخرين الذين لا يسمعون صوت الموسيقى”.
“من الصعب أن أتذكر آرائي من دون تذكر الأسباب التي دفعتني إلى طرحها”.
“لا توجد حقائق، فقط هناك تفسيرات”.
“لا يرغب البشر أحيانا في سماع الحقيقة لأنهم لا يرغبون في تدمير الأوهام لديهم”.
وفاة نيتشه
زاد انعزال نيتشه في السنوات الأخيرة من حياته، حيث عانى اعتلالا عقليا في العقد الأخير من عمره، ما حدث لأسباب غير معروفة، إلا أن البعض يرجح ارتباط هذا المرض بداء الزهري، أو ربما بسبب المبالغة في تناول الأدوية المهدئة على مدار فترات طويلة.
أصيب نيتشه بالجنون ليبقى تحت رعاية والدته وشقيقته لبعض الوقت، بعد أن عاد من جديد لموطنه الأصلي ألمانيا، الأمر الذي استمر حتى وافته المنية في الـ25 من أغسطس لسنة 1900، ليرحل فريدريك نيتشه، أحد أشهر فلاسفة ألمانيا في تاريخها، بعد أن أثار الجدل بكتاباته وأعماله الباقية حتى الآن في أذهان الكثيرين.