وضع هجوم روسيا على أوكرانيا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحت دائرة الضوء، حيث أصبح بطلاً في زمن الحرب، حيث أشاد مستخدمو الإنترنت بهذا الشاب البالغ من العمر 44 عامًا وقاموا بوصفه بأنه زعيم حقيقي.
لكن قبل أن يتولى مقاليد حكم أوكرانيا، كان زيلينسكي ممثلًا اشتهر بأفلامه الكوميدية الرومانسية، فكيف حدث هذا التحوّل؟
بدايات عادية
حقيقةً لا توجد قصة ملهمة خلف بدايات فولوديمير زيلينسكي، حيث كان طفلًا لأسرة عادية، تنتمي لطبقة ميسورة الحال، حيث كان والده، أولكسندر زيلينسكي، مهندس كمبيوتر، بينما والدته، ريما زيلينسكا، مهندسة متقاعدة الآن.
قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، أمضى الشاب زيلينسكي 4 سنوات في إردينت في منغوليا، حيث كان والده يعمل هناك، ومع ذلك، فقد عاش فولوديمير معظم حياته في أوكرانيا، بما في ذلك تعليمه الكامل من المرحلة الابتدائية إلى كلية الحقوق.
درس القانون في مسقط رأسه، في معهد كريفي ريه للاقتصاد التابع لجامعة كييف الاقتصادية الوطنية، حيث كان والده أستاذا، وعلى الرغم من تخرجه، إلا أنه لم يمتهن مهنة القانون، وبدلا من ذلك، قرر عند لحظة ما، أن يبدأ في مشواره التمثيلي، وبناء إمبراطورية كوميدية خاصة به.
شاهد أيضًا: “معضلة بورتوريكو”.. هل هي ولاية أمريكية أم دولة مستقلة؟
فولوديمير زيلينسكي.. موهبة كوميدية
في سن الـ17 عامًا، شارك زيلينيسكي، في مسابقة KVN المحلية للاستعراضات، وهو مصطلح روسي يعني نادي الضحك والذكاء، وهو برنامج متلفز بدأ في عهد الاتحاد السوفيتي حيث تتنافس الفرق في الكتابة الكوميدية والارتجال، لقد كان ولا يزال يتمتع بشعبية في معظم البلدان التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي، وبدأت من خلاله بعض أكبر الأسماء في الكوميديا بشرق أوروبا.
بالعام 1995، التحق فولوديمير زيلينسكي بالفريق الأوكراني وفاز بدوري KVN بروسيا، لكنه كان يلعب أدوارًا ثانوية مع الفريق الاستعراضي، ليقرر في عام 1997 إنشاء فريقه الخاص، “Kvartal95″، والذي أصبح بطله الأول.
لعب فريق “Kvartal95” في هذا الدوري لعام 2001، وقتئذ؛ طُلب من فولوديمير أن يصبح منتجًا لدوري “KVN”، لكن ذلك كان يعني تخليه عن فريقه، لكنه آثر تحويل فريقه التمثيلي لشركة إنتاج، وبدأ في البحث عن عقد شراكات مع المحطات التلفزيونية.
شاهد أيضًا: السياحة في أوكرانيا.. وأشهر 5 مدن سياحية تستحق الزيارة
ملامح جديدة
كان أول أعمال شركته الجديدة عبارة عن عروض متخصصة في الهجاء السياسي والاجتماعي، والتي تم إنتاجها لقناة “إنتر”، ومن ثم وقعت شركته في وقت لاحق صفقة حصرية مع القناة، مما أدى إلى توسيع صلاحياته الإبداعية بشكل كبير.
لكن هذا الإبداع اصطدم مع سياسات القناة من حيث حدة المحتوى المُقدّم، بالتالي أرادت الإدارة تحجيم عمل فولوديمير زيلينيسكي، حيث كانت في الواقع مملوكة لـ”فاليري خوروشوفسكي”، رئيس الوزراء السابق، والحليف السياسي لرئيس الأوكراني “يانكوفيتش“.
أظهرت هذه الفترة رغبة فولوديمير زيلينسكي في القفز على بعض الخطوط الحمراء، وهو ما يتعارض بشكل عام مع مصالح بعض السياسيين البارزين، الذين ارتأوا أن الحل الأفضل هو إنهاء التعاقد مع شركته، ضمانًا لعدم عرض محتوىً مثير للجدل على شاشات التلفاز الرسمية.
خادم الشعب
في عام 2015، أنتج فولوديمير زيلينسكي عملًا بعنوان “خادم الشعب”، والذي حقق نجاحًا فوريًا يُقدر بنحو 20 مليون مشاهدة على التلفزيون الأوكراني، وما يصل إلى 95 مليون مشاهدة على يوتيوب.
المفارقة هنا، هي لعبه للدور الرئيسي في العمل، كرجل يفوز بطريق الخطأ في الانتخابات الرئاسية بعد أن انتشر مقطع فيديو له ينتقد فساد الحكومة، وكأنه كان يتنبأ بما يمكن أن يحدث بعد سنوات قليلة قادمة.
بحلول نهاية عام 2018، كان فولوديمير زيلينسكي إحدى أشهر الشخصيات العامة في أوكرانيا بالإضافة إلى كونه واحدا من أكثر الشخصيات ثراءً، وفي ليلة رأس السنة الجديدة -2019- وعلى عكس الشائع، حيث تعرض معظم القنوات التلفزيونية الأوكرانية خطاب الرئيس متمنيا لجميع الأوكرانيين سنة جديدة سعيدة، عرضت بعض المحطات التلفزيونية تمنيات زيلينسكي للجميع بسنة سعيدة، وإعلانًا بترشحه لمنصب رئيس أوكرانيا.
شاهد أيضًا: كيف تؤثر “الجغرافيا” في النظام التعليمي للدولة؟
رئيس بالصدفة
مع فوزه بسباق الانتخابات، تحوّل العمل الفني إلى حقيقة، والمفارقة؛ هي التزام فولوديمير زيلينسكي بنص “خادم الشعب”، حيث قرر أن يعاونه فريق يفتقر للخبرات السياسية، تمامًا مثله، لكن الأهم أن يكون الفريق مصدرًا لثقة الرئيس.
فمثلًا؛ في المسلسل الخيالي، استعان البطل بأصدقاء طفولته، أصحاب التخصصات المتنوعة، الذين يشاركونه نفس أفكاره السياسية والأخلاقية، أما في الحياة الواقعية، فاعتمد زيلينسكي على موظفي Kvartal 95، الذين يمتلكون خبرات تعليمية متنوعة والذين عرفهم وعمل معهم لأكثر من 20 عامًا.
ربما يعيش فولوديمير زيلينسكي وضعًا لا يُحسد عليه، وربما لم يتخيل يومًا أن يتحول مسلسل ترفيهي إلى واقع يتحتم عليه تجربته، لكن الأكيد أن هذا الرجل الذي بدأ حياته ممثلًا كوميديًا، تحول بين ليلة وضحاها لبطل شعبي بأوكرانيا على أقل تقدير.