تتمتع إندونيسيا بمياه إقليمية شاسعة، مع موارد مائية لا محدودة، لكونها دولة أرخبيلية (دولة مكونة من مجموعة من الجزر)، وتستخدم هذه المساحة الشاسعة من المساحة المائية الإندونيسية قبيلة تعيش حياتها اليومية فوق سطح البحر، ويعرفون بـ”غجر بحر باجاو”، أو المتجولون في المحيط، وتظهر معظم هذه القبيلة في شرق إندونيسيا، على الرغم من كونها تنحدر أساسا من منطقة جزر سولو بالفلبين، إلا أن الطبيعة البدوية لديهم، جعلتهم ينتشرون في إندونيسيا، ماليزيا وبروناي.
حياة قبائل الباجاو
Deep Dive Culture!
The #Bajau People / Sea Nomads#culture #sea #nomads pic.twitter.com/vLr9G9fw3j
— Deep Dive Politics (@dive_politics) March 2, 2021
لا يستقر أفراد قبائل الباجاو في مكان واحد، لأنهم عادة ما يعيشون في قوارب صغيرة، يستمرون في الإبحار وصيد الأسماك، وأحيانا يخرجون للشواطئ فقط من أجل بيع ما اصطادوه من أسماك، لتوفير بعض احتياجاتهم الثانوية التي لا يمكنهم صناعتها بأنفسهم.
يتبع 95% من قبائل الباجاو الدين الإسلامي وتعاليمه، لأنه قد تناقل بينهم من جيل إلى جيل بفضل أجدادهم الذين سافروا إلى ماليزيا وبروناي، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون ببعض المعتقدات الروحانية التي يختص بها بعضهم، والتي هي عبارة عن طقوس خاصة تقام من أجل الحفاظ على سلامة المجموعة.
حياة بدو الباجاو، جعلت اهتمامهم بتعليم الأجيال جديدة تندثر مع مرور الوقت، لذلك فهم عبارة عن شعب أمي، لا يقرأ ولا يكتب، كما أنهم لا يعرفون أعمارهم الحقيقية، ولا هويتهم، حيث لا يعترف بهم كمواطنين تابعين لأي دولة نظرا لتنقلهم المستمر.
طفرة جينية
منذ أكثر من ألف عام كاملة، كان شعب قبيلة الباجاو مستمرا في الحياة داخل البحر، للبحث فقط عن الطعام باستخدام الغوص الحر الذي يبرعون فيه، والحربة التي تعتبر أداتهم المثالية للصيد، ونتيجة لذلك، طور ذلك الشعب قدراته الخاصة على الغوص لأعماق كبيرة، تصل أحيانا إلى 70 مترا تحت الماء، دون استخدام أي أجهزة تعينهم على التنفس وتحمل ضغط العمق، سوى نظارات بدائية الصنع يستخدمونها من أجل وضوح الرؤية أثناء صيد الأسماك، لذلك، رأى بعض العلماء أن هذا لا يمكن أن يكون محض صدفة، وأنه لا بد من وجود سبب علمي لقدرات ذلك الشعب المذهلة.
في البداية، تشككت الدكتورة ميليسا ياردو، من جامعة كوبنهاغن الدنماركية، في وجود صلة ما بين قدرة أفراد هذه القبيلة على الغوص لأعماق وأوقات أطول من البشر العاديين وبين ما يعرف بـ”فقمات الغوص” وهو كائن بحري يتميز بطحال أكبر حجما من الطحال البشري، لذلك قررت ميليسا أن تذهب إلى قرية “جايا باكتي” -إحدى القرى الإندونيسية- لتبدأ دراستها لهذه الظاهرة.
“أحد السكان المحليين أخبرني بأنه ظل تحت الماء لمدة 13 دقيقة أثناء صيده للأسماك”
-ميليسا ياردو
باستخدام آلة تعمل بالموجات فوق الصوتية، قامت ياردو بأخذ 58 عينة من طحال عناصر من قبيلة باجاو، وقارنته بحجم طحال مجموعة مكونة من 34 شخصا يسكنون قرية مجاورة، يسكنها أناس ليسوا من قبيلة باجاو، وعند عودتها إلى الدنمارك لدراسة البيانات التي أتمت تجميعها أثناء رحلتها، وجدت أن حجم الطحال لدى أفراد قبيلة باجاو أكبر بنسبة 50% من سكان القرية المجاورة لهم.
علميا؛ يشارك الطحال فيما يعرف بـ”استجابة الإنسان للغوص”، فحين يغمر جسم الإنسان بالماء البارد، تتقلص نبضات القلب، وينكمش الطحال وتتقلص الأوعية الدموية في الأطراف، أثناء ذلك الانكماش، يضخ الجسم خلايا دم غنية بالأكسجين في الدورة الدموية، وبما أن الطحال داخل أجسام أفراد قبيلة باجاو أكبر، بالتالي، يعني ذلك ضخ خلايا غنية بالأكسجين بشكل أكبر أيضًا، ما يساعدهم على البقاء تحت الماء لفترات أطول من الفترات المعتادة.
تقول الدكتورة ميليسا.. “نعتقد أن لديهم تكيفًا في باجاو يزيد من مستويات هرمون الغدة الدرقية وبالتالي يزيد حجم الطحال، لقد تبين في الفئران أن هرمونات الغدة الدرقية وحجم الطحال مرتبطان“.
أخيرًا، يمكن أن يكون لفهم الجينات التي تقوم عليها قدرات باجاو تطبيقات في الأبحاث الطبية، خاصة لأولئك الذين يحاولون علاج حالة نقص التأكسج الحاد، عندما تعاني أنسجة الجسم من استنفاد سريع للأكسجين، لهذا يحث البروفيسور إيسكي ويلرسليف، عالم الجينات، على ضرورة دراسة جينات السكان الأصليين لمختلف الشعوب، لأن بدراسة مثل تلك الأنماط النادرة، سيعود النفع على البشرية كاملة وليس فقط أصحاب الحالات نفسها.