“لسنا وحدنا في هذا الكون”. بهذه العبارة المفتاحية، تُفتح كل النقاشات المنطقية وغير المنطقية عن وجود كائنات فضائية قررت لسبب لا يعلمه أحد أن تغادر عالمها نحو عالمنا.
وفقا لقانون الاحتمالات، بالتأكيد يوجد بهذا الكون الفسيح مخلوقات لم يسمع عنها أي إنسان؛ لأننا بشر في النهاية، لقدراتنا حدود. هذا ما يجعل الحديث عن المخلوقات الفضائية متشابكًا؛ نحن نعلم تمامًا أننا أقَل من أن نُحصي عدد المخلوقات بهذا الكون، لذلك قد نتشبَّث بأي دليل يثبت هذه القاعدة، وهو ما لم يَحدُث حتى قصتنا التالية، التي قد تجعلنا نتراجع.
كائنات فضائية “مكسيكية”
تحت قبّة البرلمان المكسيكي، حيث يُفترَض أنّ تُشرَّع القوانين ويُحاسب المسؤولين، وقف صحفي مكسيكي يدّعي بعدما حلَف القسَم أنّه وجد أخيرًا جثتين لكائنات فضائية.
خلال جلسة الاستماع الأولى من نوعها بهذا الشأن، عُرضت الجثامين، التي وُضعت داخل صناديق أنيقة، على المُشرّعين بواسطة صحفي مُهتم بالظواهر غير الطبيعية يُدعى “خايمي موسان”.
طبقا لموسان، هذه الجثامين التي يدعي أنّها لكائنات فضائية، والتي بالفعل ظهرت غريبةً، لكل منها ثلاث أصابع ورأس ممدودة، تم انتشالها في بيرو، بالقرب من خطوط نازكا القديمة في عام 2017. وبعد تحليلها عن طريق عملية تأريخ الكاربون داخل الجامعة الوطنية المكسيكية المستقلة “UNAM”، اتضح أنّها تبلغ من العمر نحو ألف عام.
أستطيع أن أؤكد أن هذه المخلوقات لا علاقة لها بالجنس البشري.
زعم موسان أن هذه المخلوقات الفضائية حسب ادعائه ليست جزءًا من تطوُّر الجنس البشري، وأن ثلث حمضها النووي “غريب”.
يرى الرجُل، الذي تصدّر اسمه وسائل التواصل الاجتماعي منذ إعلانه عن اكتشافه بمنتصف سبتمبر 2023 أنّ هذه الحالة تحديدًا ليست خرافة لأكثر من سبب؛ لأنّها كائنات فضائية “حسب رأيه” لم تظهر بعد حُطام لجسم غامض، بل تم العثور عليها داخل منجم في بيرو، وثانيًا، لأنها تعرضت لفحص علمي دقيق بواسطة الجامعة الوطنية.
شكوك منطقية
في الواقع بدأ الرجُل واثقًا أثناء عرضه لاكتشافه التاريخي، لكن ربما لا مانع من مزيد من البَحث، خاصةً وأنّنا لا نمتلك أي أدلة سوى هذه الجثامين المُحنطة، التي لا نعرف إلى أي جنس تنتمي.
عند الاستزادة في البحث، نصطدم بأول حقيقة، وهي بيان الجامعة الوطنية المكسيكية المستقلة بشأن ما يزعُم الصحفي أنّها كائنات فضائية. وكان مُلخّص بيان الجامعة كالآتي:
العمل الذي قام به المختبر الوطني لقياس الطيف الكتلي مع المسرعات (LEMA) كان يهدف فقط إلى تحديد عمر العينات.بمعنى أننا لا يمكننا أن نتوصل بأي حال من الأحوال إلى استنتاجات حول أصل العينات المذكورة.
إذن، لدينا مشكلة أولى، الاختبار الذي خضعت له العينات حَدد عمرها فقط، ولم يتحدّث قَط عن تحليل لأصل هذه الكائنات من قريب أو بعيد. لذا، كان لا بُد من بحث جديد. بالتحديد عن الرجُل نفسه.
طبقا لـ”إندبندنت” البريطانية، ارتبط اسم السيد موسان سابقا، بالتحديد في 2017، بما عرف وقتئذٍ باكتشاف كائنات فضائية في بيرو أيضًا، لكن المفاجأة هو أن مزاعمه كانت كاذبةً، حيث اتضَح أن “أجسامه الخمسة الغريبة” لم تكُن سوى أجساد محنطة لأطفال من جنس البشر.
في الواقع يبدو أن “خايمي موسان” الذي عمل منذ سنوات كصحفي لعدة منافذ إعلامية مكسيكية ليس جديدًا في هذه المساحة. فمثلاً، في 2015، زعم أنّه عثر على جثة غريبة، واتضَح أنّها أيضًا لطفل بشري. وفي 2019، أنتج فيلما بعنوان “Maussan’s UFO Files”، وهو فيلم وثائقي مدته ساعة، عرَض من خلاله مغامراته في البحث خلف أكثر أحداث الأجسام الغريبة والمجهولة إثارة للجدل في تاريخ المكسيك.
لماذا نحن هنا؟
مسألة صِدق خايمي من عدمه ليست النقاش الأهم الآن، وبغض النظر عن تاريخه الذي لا يوحي بأنّ ما تم اكتشافه يعد أجساد لكائنات فضائية بالفعل، يظل السؤال الأهَم، وهو لماذا يهتم البشر من الأساس بقصص الأجسام المجهولة والغامضة بهذا القَدر؟
طبقا للدكتور “كارين دوجلاس”، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة كينت، أولى الأسباب التي قد تدفع البشر للإيمان بنظريات المؤامرة، التي قد تتضمَّن الاعتقاد في وجود كائنات فضائية مختبئة في مكان ما على سطح الأرض هو الرغبة بالشعور باليقين. بمعنى أنّ حياكة هذه النظريات ترجع بالأساس لعدم توفُّر أدلة قاطعة تثبت أو تنفي وجود كائنات غريبة تعيش بجانب البشر بهذا العالم.
ثاني الأسباب هو قابلية البشر للتأثُّر. بطبيعة الحال، الإنسان عُرضة للتأثُّر بكل ما يحيط به، بالتالي ما يحدث ما هو إلا نتاج لسلسلة من المؤثرات الخارجية التي يتعرّض لها البشر بدرجات متفاوتة من أفلام وأخبار وعناوين جذابة عن وجود كائنات فضائية تتحيَّن اللحظة المناسبة لاقتحام كوكبهم، بالتالي رَد الفعل -تصديق هذه الادعاءات- ما هو إلا آلية دفاع منطقية يقوم بها الإنسان دون وعي حقيقي منه.
في النهاية، وحتى لا تُصاب بالإحباط إذا ما كنت أحد هؤلاء المؤمنين بوجود مخلوقات فضائية مثل خايمي، فعدم وجود أدلة مؤكدة على وجود كائنات فضائية لا يعني أن هذه الكائنات غير موجودة. حتى الآن تم اكتشاف أكثر من 4 آلاف كوكب خارج نظامنا الشمسي. بالتالي، إحصائيا، بالنظر إلى حجم كوننا، من المرجح أن تكون هناك حياة غريبة في مكان آخر، وربما لا.
المصادر:
1- الكونغرس المكسيكي يعقد جلسة استماع حول الأجسام الغريبة (رويترز)
2- خبير الأجسام الغامضة يدلي بشهادته ويعرض الجثث على الكونغرس المكسيكي (إندبندنت)
3- من هو خايمي موسان؟ الرجل الذي يدعي أنه عثر على جثث غريبة
4- لماذا نريد أن نؤمن بوجود كائنات فضائية؟ (بي بي سي)