الفطرة هي الخلقة أو الصبغة التي فطر الله عليها الإنسان، وهي التي تكوّن معنى الإنسانية، ومنها غرائز وصفات منها أن التزاوج يكون بين أنثى وذكر، وليس من الفطرة أن يأتي الرجل رجلا آخر، فإن في ذلك تشويه للطبيعة الإنسانية السوية، ولذلك أنزل الله على قوم لوط العذاب الشديد، لأن الانتكاسات الأخلاقية في الفطرة السوية تشوه المجتمعات وتدمرها، تعال نلق نظرة على قوم لوط وكيف كان عذاب الله لهم.
من هم قوم لوط عليه السلام؟
كان يطلق على قوم سيدنا لوط عليه السلام “أمة سدوم”، وكانوا يقيمون في أقصى جنوب البحر الميت، على حدود فلسطين والأردن، وكانوا قوما فاسدين فاسقين.
كانت جرائمهم الأخلاقية كثيرة وعظيمة، إذ أول جرمهم وأعظمه الشرك بالله، ثم الشذوذ عن الفطرة بإتيان الرجال دون النساء، وأنهم كانوا قطاع طرق، يقطعون السبيل على المسافرين ويسرقونهم بل ويزنون بهم غصبا، ويأتون في أنديتهم المنكر من الأفعال والأقوال دون حرج، ويتشبه الرجال بالنساء وكذلك تتشبه النساء بالرجال.
ولذلك أرسل الله فيهم رجلا منهم ما زال على فطرته السوية، وهو لوط عليه السلام، فنصحهم ودعاهم إلى العودة إلى التوحيد والفطرة، وقد دعاهم سيدنا لوط بالحسنى ووعظهم وعظا حسنا، ولكنهم كانوا متكبرين مغترين لم يسمعوا لنبيهم، بل وهددوه بالطرد لكونه من المتطهرين، إلى أن أنزل الله بهم عذابا شديدا.
عذاب قوم لوط
كان لوط عليه السلام في نفس وقت سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكان الله قد بعث ملائكة له يبشرونه بغلام، فتوجس منهم إبراهيم عليه السلام خيفة وظن أنهم ملائكة عذاب، فطمأنوه وبشروه وأخبروه أنهم قد أرسلوا لعذاب قوم لوط، فقال: إن فيها لوطا، خشية أن يعذبوه بهم، فقالوا نحن أعلم بمن فيها، وأن الله سينجيه وأهله إلا امرأته لأنها أعانت قومه عليه وشجعتهم على الفاحشة.
ولما ذهبوا إلى قرية قوم لوط، ذهبوا في صورة أضياف رجال بهم من الجمال ما بهم، وقد روى الحاكم في المستدرك القصة كاملة على الصحيحين بإسناده عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا قَالَ:
“لَمَّا خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ وَأَتَوْهَا نِصْفَ النَّهَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا نَهَرَ سَدُومٍ لَقَوُا ابْنَةَ لُوطٍ تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ لِأَهْلِهَا ـ وَكَانَ لَهُ ابْنَتَانِ ـ فَقَالُوا لَهَا: يَا جَارِيَةُ، هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، مَكَانَكُمْ لَا تَدْخُلُوا حَتَّى آتِيَكُمْ فَأَتَتْ أَبَاهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَدْرِكْ فِتْيَانًا عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مَا رَأَيْتُ وُجُوهَ قَوْمٍ هِيَ أَحْسَنُ مِنْهُمْ لَا يَأْخُذُهُمْ قَوْمُكَ فَيَفْضَحُوهُمْ، وَقَدْ كَانَ قَوْمُهُ نَهَوْهُ أَنْ يُضِيفَ رَجُلًا حَتَّى قَالُوا: حَلَّ عَلَيْنَا فَلْيُضَيِّفِ الرِّجَالَ فَجَاءَهُمْ وَلَمْ يُعْلِمْ أَحَدًا إِلَّا بَيْتَ أَهْلِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهُ، قَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ قَطُّ، فَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالَ لَهُمْ لُوطٌ: يَا قَوْمِ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهُرُ لَكُمْ ـ مِمَّا تُرِيدُونَ (يقصد الزواج)، قَالُوا لَهُ: أَوَ لَمْ نَنْهَكَ إِنْ تُضَيِّفَ الرِّجَالَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (يقصدون الفاحشة بالرجال)، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ: لَوْ أَنَّ لِيَ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ـ يَقُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لَوْ أَنَّ لِي أَنْصَارًا يَنْصُرُونِي عَلَيْكُمْ أَوْ عَشِيرَةً تَمْنَعُنِي مِنْكُمْ لَحَالَتْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ تُرِيدُونَهُ مِنْ أَضْيَافِي، وَلَمَّا قَالَ لُوطٌ: لَوْ أَنَّ لِيَ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ بَسَطَ حِينَئِذٍ جِبْرِيلُ جَنَاحَيْهِ فَفَقَأَ أَعْيُنَهُمْ وَخَرَجُوا يَدُوسُ بَعْضُهُمْ فِي آثَارِ بَعْضٍ عُمْيَانًا، يَقُولُونَ: النَّجَا النَّجَا، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ {القمر: 37} وَقَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطِعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ ـ فَاتَّبِعْ آثَارَ أَهْلِكَ، يَقُولُ: وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ـ فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ إِلَى الشَّامِ وَقَالَ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ فَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ إِلَّا بِالصُّبْحِ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ السَّحَرُ خَرَجَ لُوطٌ وَأَهْلُهُ عَدَا امْرَأَتِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر (أي في وقت السحر)” القمر: 34 ـ حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شرط مسلم
وفي الصباح حقق الله وعده وبدأ عذاب الله -تعالى- لهم، فاقتلعت الملائكة القرية من أساساتها فقُلِبت الأرض فوق رؤوسهم ودفنوا تحتها، وجعل جبريل عليه السلام عاليها سافلها بجناحه، ثم أرسل الله تعالى عليهم صيحة من السماء، ثم أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود، “مسومة” أي أن كل حجر مكتوب على اسم صاحبه، فأهلكوا جميعا ولم يبق أحد، وورد ذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: “فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ” وقال تعالى: “فأخذتهم الصيحة مشرقين”.
ثم أنجى الله لوطا -عليه السلام- وأهله من العذاب كما وعدهم، قال تعالى: “فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ”.
عقاب قوم لوط وإنذار للمشركين
وقد كان في ذلك عقاب لهم، وإنذار للمكذبين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أحد التفسيرات لقوله تعالى: “وما هي من الظالمين ببعيد” أي أن قرية قوم لوط ليست بعيدة عن الظالمين من مكة، فيجب عليهم الاعتبار بما حدث لأهلها إذا مروا عليها في أسفارهم إلى الشام.