هل سمعت يوما عن قصة الأميرة قطر الندى التي أفلس عرسها خزينة مصر؟ هي واحدة من أغرب القصص في تاريخ مصر الإسلامية، والتي تحكي عن الأميرة الطولونية أسماء بنت خمارَوِيه بن أحمد بن طولون الملقبة بـ”قطر الندى”، والتي تزوجت من المعتضد باللّه الخليفة العباسي ببغداد، وكان عرسها أفخم الأفراح التي حدثت في تلك الحقبة التاريخية لدرجة القول إنه أفلس خزائن مصر.
من هي قطر الندى؟
هي الأميرة المصرية قطر الندى بنت أبي الجيوش خمارويه بن أحمد بن طولون واسمها أسماء، وكانت تعد من أجمل فتيات عصرها، وأوفرهن سحرا وذكاء وعلما، خطبت للخليفة وقد جاوزت الأربعة عشر ربيعا، وقدم لها الخليفة صداقا قدره ألف ألف درهم، وهو يعتبر مبلغا ضخما في ذاك العصر، إلا أنه يعتبر جزءا يسيرا مما أنفقه والدها، على تجهيزها، فقد أراد الأمير خمارويه حاكم مصر أن ينافس الخلافة في مظاهر الغنى والبذخ.
والدها خمارويه
هو أبو الجيوش أحمد بن طولون حكم مصر بعد والده أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية (تاريخ المقريزي الكبير ج1).
عرف بولعه بالرفاهية والحيوانات، ويقال إنه كان حول قصره بستانا زُرعت فيه مختلف الزهور والرياحين الجميلة التي تخطف الأبصار، أما داخل القصر فأعدّ خمارويه حديقة حيوانات صغيرة، ضمت العديد من الطيور المختلفة وحيوانات كالأفيال والزرافات والسباع، وكان لديه أسد أشهب (لونه ابيض) مدرب يسمى “رزيق” كان يحرسه طوال الوقت داخل القصر وينام بجوار سريره.
ورث من والده ميراثا كبيرا، دولة قوية مترامية الأطراف، وكان كما يذكر المقريزي قائدا قويا حقق انتصارات عظيمة كالتي حققها والده، وكانت الخلافة العباسية تنظر إلى الدولة المصرية الطولونية بعين الحذر، وحدث بينه وبين الخليفة العباسي العديد من الخلافات، فأراد خمارويه أن يوطد العلاقات مع الخليفة، حتى يتفرغ لإعمار وتشييد الدولة فبعث سفيره إلى بغداد ومعه التحف والهدايا النفيسة، وعرض خمارويه على الخليفة أن يتزوج ابنه المكتفي بالله الأميرة قطر الندى ابنته.
رحب الخليفة جدا بالطلب لكنه طلب أن يتزوجها هو شخصيا، وقيل إنّ المعتضد باللّه قصد بهذا الزواج السياسي إفقار الدولة الطّولونيّة، حيث اشترط المعتضد على خمارويه أن يحمل له في كلّ عام 200 ألف دينار، بعد القيام بسداد أرزاق الجنود، فوافق خمارويه.
وقد رأى الأخير في هذا الزواج فرصة لإظهار عظمة وقوة دولته، فأنفق في تجهيز ابنته كل ما هو غال ونفيس حتى قال المؤرخون مثل ابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة) :إن خمارويه حمل مع قطر الندى ما لم يُر مثله ولا يُسمع به.
تفاصيل حفل عرس الأميرة قطر الندى
يقدم لنا مؤرخو هذا الزمن تفاصيل تصف العُرس الأسطوري كما لو كان إحدى أساطير قصص ألف ليلة وليلة، فوصف جهازها، أنه يحتوي على أريكة 4 قطع من الذهب، عليها قبة من ذهب مشبك، في كل عين من التشبيك قرط معلق به جوهرة لم ير لها مثيل ولا تقدر بمال، غير الملابس والمجوهرات التي حملت في 10 صناديق كبيرة كان فيها 4000 حزام من المُجَوْهَرات و1000 إناء من الذهب أُودِعَتْ فيه الروائح الزكية.
يقال إنه أنفق وقتها ما يقارب 400 ألف دينار على تجهيز الأميرة قطر الندى وهو رقم كبير جدا كان يعادل ميزانية دولة كاملة وقتها، ولم يكتف الحاكم الطولوني بذلك بل أمر خمارويه أن يبني لابنته في كل مكان تستريح فيه في رحلتها من مصر إلى العراق قصرا صغيرا وكأنها في تنقّلها إلى زوجها لم تغادر بيت أبيها.
يذكر كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب لشهاب الدين النويرى ج28، وكذلك الطبري في كتابه تاريخ الطبري، و(كتابه البداية والنهاية)، و(تاريخ الخلفاء) في وصف الرحلة : فكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد، فكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرا قد فرش، فيه جميع ما تحتاج إليه، وأعد فيه كل ما يصلح لمثلها وكانت في مسيرها من مصر إلى بغداد على بعد الشقة كأنها في قصر أبيها.
قدمت قطر النّدى بنت خمارويه من مصر في أول عام 282 هـ، ومعها عمّها لتزفّ إلى المعتضد، فدخل عليها في ربيع الأوّل. وكان في جهازها 4000 تكّة مجوهرة، و10 صناديق جواهر، وقوّم ما دخل معها فكان ألف ألف دينار، وقيل إن أباها أعطاها 100 ألف دينار لتشتري بها من العراق ما قد تحتاج إليه.
نهاية مأساوية
وصلت الأميرة قطر الندى بغداد وزفت إلى الخليفة، وأقيمت حفلات عظيمة في عاصمة الخلافة لا تقل في عظمتها عن الحفلات التي أقامها أبوها في مصر، وقد وقع الخليفة في حبها وسحرته بجمالها وأدبها، فكان لها مكانة خاصة بين نسائه، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن.
فلم تمر أشهر قلائل على زفاف قطر الندى، حتى قتل والدها خمارويه، وكان قد خرج بجنوده إلى الشام استعدادا للحرب، ونزل بدمشق، وفي إحدى الليالي قتله خدمه وهو نائم على فراشه، وذلك في أواخر سنة 282 هـ، وذلك بعد حكم دام أكثر من 11 سنة.
عاشت بعدها الأميرة قطر الندى مع زوجها 5 أعوام حزينة على أبيها، ثم توفيت سنة 287 هـ وهي شابة في العقد الثاني من عمرها، ودفنت داخل قصر الرصافة في بغداد، ثم توفي زوجها الخليفة سنة 289 هـ، وبذلك أسدل الستار على حياة قصة الأميرة قطر الندى التي أفلس عرسها خزينة مصر.