يسلط حصن مهرانجاره المهيب -أحد أشهر المعالم السياحية في الهند- الضوء، على الأساطير العتيقة للتقاليد الهندية القديمة، ويمنح إطلالة شاملة وساحرة على مدينة جودبور، من ارتفاعه الشاهق الذي يبلغ نحو 410 أقدام، على سطح التلة التي شُيد عليها.
حصن مهرانجاره
يقع حصن مهرانجاره Mehrangarh على قمة تلة، يبلغ ارتفاعها نحو 122 مترا، تحديدًا في مدينة جودبور، ثاني أكبر مدينة في ولاية راجستان في الهند، ويغطي الحصن أو “قلعة مهرانجاره” -كما يطلق عليه أيضًا- مساحة شاسعة جدًا من المدينة، إذ اتضح بعد الدراسة الشاملة لمساحة الحصن، أنه يبلغ ما يقارب 1200 فدان أي 486 هكتارا.
وتعني كلمة مهرانجاره “حصن الشمس”، نسبة إلى خُرافة تقول إن عائلة جودبور الملكية تنحدر من الشمس، وهي العائلة المالكة للحصن والذي لا يزال تحت إدارتها حتى يومنا هذا.
مؤسس الحصن
قام الراجبوت والحاكم “راو جودا” المنتمي لعشيرة راثور، بتشييد الحصن في عام 1459، ويعود أصل كلمة راجبوت إلى “راج بوترا”، والتي تعني “ابن الملك” باللغة السنسكريتية، وهو مصطلح يُطلق على أبناء القبائل القاطنة في غرب وشمال الهند، وشرق باكستان.
سبب بنائه
يتسنى للجميع رؤية الحصن الفخم من جميع أرجاء المدينة تقريبًا، إذ ترتفع جدرانه الشاهقة فوق التلة الصخرية، والتي تم نحتها بمنتهى الدقة، ويعود ذلك إلى أحد الأسباب السياسية، إذ قرر أحد أبناء الملك بعد عام واحد من توليه العرش، أن ينقل عاصمة “ماروار” إلى منطقة أكثر أمانًا، بعد أن أحس أن الحصن الذي يحتمي به لم يعد مكانًا آمنًا بالشكل الكافي، وغير قادر على صد الغزاة والمعتدين، رغم تاريخ بنائه العتيق والذي يمتد إلى 1000 عام.
وعلى إثره فقد تقرر تأسيس الحصن في 12 مايو 1459 في جودبور، والذي تم تصميمه باحترافية مذهلة، وإستراتيجية هندسية غاية في البراعة، ساعدت في حماية الملك وأسرته سنوات عديدة، ولا يزال من الممكن رؤية الآثار التي خلفتها قذائف المدفعيات، التي أُطلقت من قبل جيوش “جايبور” المعادية، عندما شنت الهجمات على البوابة الثانية للقلعة، لتصبح بمرور الوقت خير شاهد على هذا الحصن المنيع، الذي وقف درعًا حصينة، وحائلًا منيعا يجابه كافة الاعتداءات بشتى أنواعها.
الأيدي ساتي
لم تقتصر أهمية القلعة فقط على حماية الملك وحصانته، بل تم من خلاله تخليد أهم التقاليد القديمة في ذلك الوقت، والذي يطلق عليه “ساتي”، فـ ساتي هو تقليد هندوسي متبع منذ قرون، كان يدعو الأرامل إلى التخلي عن حياتهن، بإلقاء أنفسهن في محرقة أزواجهن، وبناء عليه كانت المئات من الزوجات يقفزن في الحرائق الجنائزية، امتثالًا للعادات والتقاليد، إلا أن الإنجليز نددوا بهذا الفعل الشنيع، وقاموا بحظره في عام 1829، خلال المرحلة التاريخية التي استُعمرت فيها مناطق الهند، باكستان، بنغلاديش، وميانمار، بواسطة الإمبراطورية البريطانية.
لم يأبه الشعب بهذا الحظر والرفض التام من قبل البريطانيين، إذ كانت عادة ساتي من العادات المتأصلة في الهند، ولم يكن الشعب ليتخلى عنها بهذه السهولة، لذا فقد تم تخليد هذه العادة العجيبة إلى الأبد، وذلك من خلال حصن مهرانجاره عام 1843، إذ يحتوي الحصن على 7 بوابات، يطلق على الجزء الداخلي من هذه البوابات اسم “البوابة الحديدية”، وهي البوابة التي لا تزال حتى الآن تحمل بصمات لأيادٍ مطبوعة، وهي أيادي زوجات المهراجا، اللاتي طبعنها عندما توفي “مهراجا مانسينغ”، وذلك قبل قفزهن إلى محرقة الجنازة، حيث قررن تخليد الذكرى وتزيين الجدار القرمزي كنصبٍ تذكاري، تسعد برؤيته الأجيال التالية لهم.
الفن في مهرانجاره
يُعد حصن مهرانجاره نموذجًا فائق الروعة، للفن والهندسة المعمارية، إذ جاء تصميمه محكمًا للغاية، وبخطة إستراتيجية تحول بين الأعداء وبين بواباته المنيعة، حيث تمتد أسوار الحصن إلى 10 كيلومترات، ويتراوح ارتفاعها من 20- 120 قدمًا، أما عرضها فيتراوح تقريبًا من 12- 70 قدما، كما أنه محمي بـ7 بوابات تُعرف باسم الأعمدة في ولاية راجاستان.
ناهيك عن الفن الجمالي داخل الحصن، بدءًا من الساحات الكبيرة، والمنحوتات المعقدة جدًا بتفاصيلها الدقيقة، كذلك القصور الملكية الجميلة المزخرفة، التي يتوافد إليها الزوار باستمرار، إذ تحولت إلى متاحف تحتوي على الكثير من الأعمال الفنية، الأزياء الملكية وآلات موسيقية، كذلك الأثاث الفاخر.
بالإضافة إلى التحف الأنيقة، منها المطلية بالذهب ومنها المنسوجة بالخيوط البسيطة، كما يوجد أيضًا الكثير من الأسلحة القديمة المعلقة في الأرجاء، والتي تعطي لمحة تاريخية عن الحصن آنذاك، كما يوجد العديد من الأروقة المؤدية إلى الغرف الواسعة، من خلال بعض الساحات المغلقة التي زينت جدرانها بالتحف المعلقة، والكثير من اللوحات المنمقة.
ومن القاعات المميزة أيضًا داخل القصر، والتي جعلته أكثر جاذبية “قاعة المرايا”، وهي الغرفة المعروفة باسم (Sheesh Mahal)، حيث دُثرت القاعة بالمرايا والألواح المطلية والبلاط العاكس.
مزار سياحي
جدير بالذكر أن الحصن قد تم ترميمه وتغيير بعض الأجزاء فيه، من قبل الحكام اللاحقين، لذا فقد حمل طابعًا مميزًا، لما يحمله من أنماط البناء المتنوعة، والملائمة لعدة فترات مختلفة، ويشمل ذلك أنماط البناء خلال القرن الـ20 أيضًا، ما جعل الحصن أحد أروع المباني وأضخمها في الهند، والذي تفوق على العديد من الأماكن التاريخية المختلفة في ولاية راجاستان، ليصبح من أهم المزارات السياحية حتى وقتنا هذا.
وعلى الرغم من خطورة زيارته، إذ يمكن أن يتسبب ارتفاعه في انزلاق بعض الأشخاص، إلا أن الزوار والسائحين لا ينفكون عن التوافد إليه من شتى بقاع الأرض، على مدار العام.