يزخر التاريخ القديم بالكثير من الأمثلة، التي ترسخ لفكرة عدم الاستهانة بالآخرين، أو التقليل من شأنهم تحت أي ظرف. وبالتعمق داخل أسوار الامبراطورية الرومانية القديمة، نجد الامبراطور كلوديوس وقصة حياته المثيرة، هي الدليل الأوضح على صدق تلك الأمثلة.
طفل مريض
منذ ولادة كلوديوس الصغير، وهو يتعرض لنظرات التعاطف أحيانا، والخجل والسخرية في أحيان أخرى، إذ جاء ابن العائلة الملكية للدنيا، محملا بالكثير من الأزمات الصحية، التي تخطف مشاعر التعاطف الممزوجة بالنفور من حالته الغريبة حينها.
إذ كان ذو وجه مشوه، وطريقة مشي غير متزنة، كبرت معه، حتى صار مثارا للسخرية والازدراء من جانب الآخرين، زادها طبيعته الخرقاء من وجهة نظرهم، والتي جعلتهم يهملوه، ولا يتوقعون منه الكثير، فهل كانوا يعلمون أو يعلم كلوديوس نفسه، أن تلك الأزمات التي كان يعاني منها، ستكون سببا في نجاته يوما؟!
النجاة من الموت
كان كلوديوس الشاب يتعرض كثيرا لمضايقات من ابن أخيه، وطاغية الرومان، الامبراطور كاليغولا، والذي كان يعتبره أضحوكة، حتى جاء يوم الـ 21 من يناير، للسنة الـ 41، ليكون يوما تاريخيا لكلوديوس، ولأسرته كذلك، إذ تعرض كاليغولا للقتل هو وكل أفراد الأسرة الملكية، ما عدا كلوديوس، الذي ظن الجميع أنه مجرد رجل ضعيف، ليس هناك فائدة من قتله.
فأصبح كلوديوس الناجي الوحيد من أسرته، ما جعل القوات الرومانية تبايعه ليكون خليفة كاليغولا، والامبراطور المنتظر للبلاد.
مفاجأت بالجملة في الحكم
لم يكن أداء كلوديوس في الحكم كما كان متوقعا، حتى من أكثر المتفائلين له، فشهدت بداية حكمه للبلاد، الخلاص من المتآمرين الذين قتلوا ابن أخيه الحاكم السابق، وعائلته الملكية، ليبرهن على سطوة وقوة، فاجأت للكل.
بعدها بدأ كلوديوس يظهر مهاراته العلمية، التي اكتسبها بفضل سنوات من الدراسة، في وقت أهمله فيه الجميع، فقام ببناء قناة كبيرة لاجتذاب المياه لروما، ووسع مرفأ أوستيا كذلك، واستورد حبوب الذرة في فترات المجاعات والجفاف.
الأدهى من ذلك، أن امبراطور روما تمكن من التوسع بنجاح في سنوات قليلة من تسلمه للحكم، فتمكن من مد سلطان دولته إلى الشرق والبلقان، بل احتل بريطانيا في عام 44، وهي التي كانت تعد حينها القوة العظمى في العالم بأسره، إضافة إلى أنه كان يطبق القوانين بصرامة في بلاده، حتى عم السلام والهدوء نواحيها.
ليظل في حكم البلاد لـ 13 عاما متواصلة، برهن خلالها أنه قائد ناجح، وامبراطور قوي، وليس مجرد شاب مشوه أو أخرق، كما كان يظن الكل، بما فيهم أقرب المقربون.