حتى تتسنى لك الفرصة لمعرفة كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية وإدراك كافة جوانبها، لا بد لك بدايةً من تكوين فكرة حول ما تُكنه تلك الشخصيات في داخلها وما تظهره من سلوكيات مختلفة، للحد من تفاقم مخاطر ومساوئ تلك الشخصية.
اضطراب الشخصية التجنبية
قبل أن تأتي السطور التالية لتزيل كافة علامات الاستفهام المترسخة في ذهنك حول كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية، لا بد من التطرق إلى أصل هذه الشخصية وما يعنيه هذا المصطلح من الأساس، إذ تندرج الشخصية التجنبية ضمن أحد الاضطرابات الشخصية المختلفة، حيث يشعر المصابون بها بانعدام الثقة بالنفس التي تسبب تبعًا العديد من المساوئ الأخرى، متمثلةً في الرغبة المُلحة للانطواء عن الآخرين وتقليص مساحة المشاركة مع المحيطين، والتي بدورها تقود الفرد إلى الوحدة المُطلقة.
فضلًا عن ما يشعر به المصابون بتلك الشخصية من الحساسية المفرطة تجاه السلوكيات التي قد تبدو لمن سواهم أمرًا عاديًا، فعادةً ما يلازمهم الشعور بنقص الكفاءة في التعاملات الاجتماعية، والقلق والتوتر والخوف بصفة مستمرة، وتختلف تلك الشخصية عن الرهاب الاجتماعي في كَونها خارج إطار العَرَض المؤقت، بل تصبح ملازمة للشخص بصفة مستمرة، كما تتحول لتصبح ضمن معرقلات الفرد تجاه إنجاز مهامه وزيادة إنتاجيته.
الأسباب وراء ظهور الشخصية التجنبية
يرجع تكّون الشخصية التجنبية لعدة عوامل مختلفة، لكلٍ منها الأثر الواضح في ترسيخ بعض المشاعر السلبية داخل نفس الفرد، إذ تتمثل تلك الأسباب فيما يلي:
عوامل وراثية
قد تكون العوامل الوراثية سببًا رئيسيًا في التعرض لمرض الإصابة بالشخصية التجنبية، حيث تزداد احتمالية التعرض لهذا الاضطراب كنتيجة لوجود أشخاص ضمن العائلة قد سبق لهم التعرض لهذا المرض من قبل.
عوامل نفسية
قد يتعزز لدى الطفل التعرض لطيف الشخصية التجنبية من خلال التعامل الخاطئ من قِبل الآباء، أو من تفاقم الفجوة العاطفية بين الأب والأبناء وعدم المبادرة لفهم ما يشعر به الطفل، ظنًا منه بتحجيم احتياجات الطفل داخل إطار توفير المأوى والطعام فقط دون النظر للاحتياجات العاطفية الأخرى.
عوامل بيئية
تعد العوامل البيئية من أكثر العوامل المساهمة في تفاقم بؤرة الشخصية التجنبية أيضًا، فقد يتقوقع الطفل على نفسه نافيًا لفكرة الانغماس داخل العلاقات الاجتماعية جرّاء بعض المُسببات الطبيعية مثل التشوهات الخلقية، والتي تجعله أكثر عُرضة للسخرية والنقد من قِبل الآخرين، كما يساهم التصرف الخاطئ للأبوين الأمر سوءًا من خلال محاولة إبعاد الطفل عن التجمعات تجنبًا للنقد.
عوامل مَرضية
في أحيانٍ كثيرة قد يكون تعرض الطفل للمرض المبكر منذ الصغر عاملا مؤثرا في تعرضه للشخصية التجنبية بصورة كبيرة، وقد يزداد الأمر سوءًا إذا اختص بمشكلة الهرمونات لكل من الذكر والأنثى.
عوامل اجتماعية
لا يشمل مفهوم التربية الإيجابية في مضمونه الإهمال أو الاهتمام الزائد بعينهما، فلا يعود أيٍ منهما بالنتيجة المرجوة في تكوين شخصية سوية منذ الصغر، إذ يساهم إهمال الآباء في تعزيز السمات السلبية التي تؤدي بدورها إلى حدوث اضطرابات الشخصية.
أعراض الشخصية التجنبية وكيفية تشخيصها
إذا كنت تريد حقًا اتخاذ الخطوات السليمة تجاه كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية؛ لا بد لك من التعرف على أعراض تلك الشخصية أولًا والانتباه لها حتى لا يختلط عليك الأمر، وتتمثل تلك الأعراض فيما يلي:
- الرغبة في الانعزال التام عن المحيطين وعدم المبادرة لتكوين صداقات جديدة مع الآخرين.
- تجنب المشاركة في الأنشطة المختلفة سواءً كان في العمل أو المدرسة تجنبًا للنقد أو السخرية من قِبل الآخرين.
- فقد الثقة بالنفس وعدم احترام الذات بالشكل المرّجو، بل والوصول للتقليل من الشأن في أحيانٍ كثيرة.
- تجنب الدخول في المناقشات الاجتماعية خشية التعرض للإحراج أو التفوه بشيء خاطئ، الأمر الذي يعرقل من سير الحياة المهنية بالشكل الطبيعي.
- تقليص الدائرة الاجتماعية للفرد والتي تكاد تكون منعدمة، فكثيرًا ما يتم تفضيل الوحدة والعيش في حلقات مفرغة بعيدًا عن الآخرين.
- محاولة الوصول لأيٍ من الشعورين سواءً كان القبول أو الرفض من خلال الانغماس داخل أنظار الآخرين بصفة مستمرة.
- مواجهة صعوبة بالغة في حالة الإفصاح عن مكنونات الشخصية وأفكارها، فدائمًا ما تعتقد الشخصية التجنبية بأفضلية المنافس لها بشكل مطلق.
كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية وعلاجها
لا يمكن تعميم قاعدة الانطوائية تحت ظل الشخصية التجنبية إطلاقًا، فالكثير منّا قد يميل للوحدة والانطوائية في بعض الأحيان، ولكن بعيدًا عن الشعور الدائم بفقد الثقة بالنفس والقلق والخوف.
على النقيض في حالة التأكد من معاناة الشخص من الشخصية التجنبية، فلا يتوجب عليك سوى إشعاره بالأمان وعدم السخرية منه لأي سببٍ كان، وعليك بالمحاولة جاهدًا لعدم قمعه، حتى لا يشعر أنه منبوذ عن الآخرين، ومدّ يد العون له ليسهل إقناعه بالخضوع للعلاج بمختلف صوره.
لا تجبره على المواجهة
لا بد أن تتعلم جيدًا كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية؛ حيث من غير المنطقي أن تكون عامل ضغط آخر على الشخص الانعزالي المنطوي، يكفيه ما يمر به نفسيًا من مشكلات، هو في الواقع يحاول إرضاء أصدقائه ومعارفه ولكن ليست لديه القدرة على ذلك للأسف، فلا تشعره بالمزيد من الخزي.
المفاوضات
قد تبدو الكلمة غريبة إلى حدٍ ما، ولكنها معبرة جدًا، حيث إن الشخص الذي لديه شخصية متجنبة هو في الواقع لديه مخاوف اجتماعية شديدة وليس من السهل جعله يخرج من حالته ليكون طبيعيًا معك، لا بأس أن تخبره أنه إذا لم يفتح قلبه وعقله للعلاج أو لفهم كيفية تأثير سلوكياته على الآخرين؛ فسيتعين عليك ترك العلاقة.
كيفية التعامل مع الشريك التجنبي
بالنسبة للشريك الأمر يختلف حيث يكون الطرف الآخر مجبرا على مواصلة الحياة معه، ولو اتخذها من منطلق الإجبار فقط فسوف تكون الحياة بشعة بالفعل، لذلك كان لزامًا عليه التعرف على تلك الطرق التي تجعله يشعر ببعض السعادة مع شريكه الانطوائي هذا.
افهم حالته جيدًا
ببساطة يمكن أن تظل الأمور بين الشريكين جيدة إذا فهم أن هؤلاء الأفراد يعانون من أمراض نفسية حقيقية وبالتالي لا يأخذون تلك السلوكيات المضطربة بشكلٍ شخصي.
تواصل أنت معه
لا يسعى الفرد المتجنب إلى التقارب العاطفي أو التواصل المنفتح أو الحديث حول مشاعره الشخصية حتى لشريك حياته، لذا من الأفضل أن تبادر أنت، فهذا الأمر يجعله يبادلك المشاعر تدريجيًا.
لا تثقل عليه
بسبب انطوائهم وعدم رغبتهم في التعامل بانفتاحية مع البشر أيًا كانوا، فإنهم يعتمدون على أنفسهم في كل شيء ولا يثقلون على أحد، لذلك لا تثقل أنت عليه لأنه لن يقبل ذلك، وخصوصًا فيما يتعلق بطلب المشاعر والرومانسية، كن ذكيًا في التعامل معه.
لا يكن سقف طموحك عاليًا
التعامل كزوج أو زوجة مع شخص يمتلك شخصية تجنبية هو أمر قد يكون محبطًا للغاية، إلا إذا كان لديك الخلفية الكافية عن شخصيته تلك وسبل التعامل معها بالقدر الذي لا يجعلك تدخل في موجة من الاكتئاب تعصف بك، هو لن يمنحك القدر الكافي من الاهتمام أثناء العلاقة الحميمة أو خارجها، وليس من المنصف أن تعنفه أو تتهمه بالتقصير، لأنه منذ البداية يملك اضطرابًا نفسيًا ويحتاج إلى عناية.
إذا شعرت أنك محاصر اخرج
عندما يدعي الزوج أنه بحاجة إليك، وفي نفس الوقت لا يمنحك الاستقرار النفسي المطلوب، فأنت حينئذٍ لديك خيار استكمال العلاقة لو كنتِ قادرة بالفعل على ذلك، أما لو زاد الحصار والذي يصل إلى حد الإساءة العاطفية والنفسية، فلا بد من طلب المساعدة من متخصص لعلاج الزوج وعلاجك أنتِ شخصيًا من أثر التمادي معه، وإن لم يكن هناك بُد من الانفصال؛ فليكن!
بعد التنويه إلى كيفية التعامل مع الشخصية التجنبية في السطور السابقة، فقد أصبحت الآن بصّدد كم هائل من الأعراض يجعلك واعيًا للتمييز بين مختلف الشخصيات التي تواجهها، فبمجرد ملاحظة تلك الأعراض عليك باتخاذ الخطوة الإيجابية حيال نفسك، فمن منّا لم يرد عيش الحياة بالشكل الطبيعي بعيدًا عن الاضطرابات الشخصية المختلفة.