كما يقال “كلمة حق يراد بها باطل”، أو “ما تكسب به العب به”، هكذا هو الأسلوب المتبع في الدعاية للعديد من المنتجات والخدمات وانتقل الأمر إلى العديد من القطاعات مثل قطاع السينما والتلفزيون والإنتاج الفني بصفة عامة ، فربما تجد عنوان فيلم واسمه تضاف لها عبارة (للكبار فقط) تعبيرا عن احتواء المادة المقدمة لبعض المشاهد التي تخدش الحياء كالمشاهد الجنسية والقبل والعري وممارسة بعض الأفعال التي لا يجب أن يراها الصغار والمراهقون، وربما كانت عبارة للكبار فقط تشير إلى وجود مشاهد عنف لا يجب أن يراها الصغار، وربما تستبدل عبارة للكبار فقط برمز بسيط وهو +18 بمعنى أنه من غير المحبب أن يراه من هم أقل من السن المحدد للطفولة وهو أقل من 18 عام. فما الذي يدفع صانعي الأفلام إلى وضع تلك العبارة؟
في الحقيقة الأمر في غاية التعقيد فليس من الضروري أن يكون العنوان معبراً عن مضمون الفيلم ، فمثلا أكثر الأفلام التي احتوت على مشاهد جنسية جريئة وصلت لحد الظهور على الشاشة بلا ملابس تماماً كان يحمل عنوان “ذئاب لا تأكل اللحم” بطولة عزت العلايلي وناهد شريف، وهذا الفيلم ممنوع من العرض في كل البلاد العربية والسبب يرجع إلى ما تم وضعه في الفيلم من مشاهد جنسية لا تتناسب مع ثقافتنا ولا مجتمعنا، وهذا الفيلم مثال لما يجب أن يكون تحت عنوان للكبار فقط لأنه لا يمكن لأسرة أن تشاهده وهي مجتمعة بل لا يراه البعض إلا خلسة عن طريق مواقع الانترنت.
“للكبار فقط” والنسبية
وكذلك فعبارة للكبار فقط يختلف مفهومها ومدلولها من مجتمع لآخر، ففي الوقت الذي تنظر المجتمعات الشرقية إلى تلك المشاهد الجنسية ومشاهد العنف على أنها أمر يخالف شريعتها وثقافتها، ربما لا تراه مجتمعات الغرب وأمريكا كذلك، فلذلك نجد السينما الغربية تحمل العديد من المشاهد التي نراها نحن للكبار فقط بينما لا يرونها أصحابها كذلك، وفي نفس السياق فقد يكون المنتج مصمماً على وضع المشاهد الجنسية للتعبير عن قضية ما وهذا أيضا يدخل تحت طائلة العبارة الأشهر في مجال الإنتاج الفني للكبار فقط.
وربما كانت عبارة للكبار فقط للتعبير على أن الفيلم أو العمل الفني يحتوي على مشاهد أو عبارات تمس الدين أو الذات الإلهية والأنبياء مثلا مثلما حدث في فيلم (بحب السيما ) فالفيلم تعرض للدين بصورة مباشرة وهو ما دفع الكثيرين إلى مهاجمته واعتبروه مخالفا للعرف الشرقي في التعامل مع قضية التدين، فالفيلم يحمل العديد من الأفعال الصريحة والعبارات التي تدل على التجرؤ على الدين وهو ما يمكن رفضه من قطاع كبير من الناس، وكذلك يمكن أن يحدث بلبلة اجتماعية احتقان طائفي في بلد مثل مصر مثلا، فعندما تم وضع عبارة للكبار فقط كان الغرض التوضيح بأن العمل ربما لا يناسب الصغار والمراهقين.
ومن الجائز أن توضع عبارة للكبار فقط إذا كان العمل يناقش قضية اجتماعية ذات جانب جنسي مثل الشذوذ مثلا، وهو ما تم التعامل معه في فيلم (أسرار عائلية) فالفيلم تعرض لقضية الشذوذ الجنسي لدى شاب من طبقة متوسطة تعاني أسرته من التفكك وتعرضه لحالة اغتصاب من أخيه الأكبر مما دفعه إلى التحول إلى هذا السلوك الذي يرفضه المجتمع، فالقضية هنا شائكة وعلى المحك ولكن التقنية التي تم توظيف عبارة للكبار فقط بها أثارت القضية ووضحت وجهة نظر صناع العمل بشكل كبير.
وفي كثير من الحالات يتم اللجوء إلى عبارة للكبار فقط إذا كان العمل يتناول مشاهد عنيفة ودموية لا يستطيع الكثيرون تحمل رؤيتها، فيوضح القائمون على العمل أن أنه موجه إلى فئة معينة يمكنها رؤية الأشلاء والجثث وغيرها، ومن الأفلام التي أثارت ضجة كونها حملت مظاهر دموية عنيفة وفي نفس الوقت تعرضت لحادثة مهمة في تاريخ البشرية وهي قصة صلب المسيح عليه السلام فيلم (آلام المسيح) الذي اعترضت كثير من الجهات الدينية والثقافية في الشرق على عرضه ولكن تم عرضه في النهاية، فهذه النوعية من الأفلام تستحق أن يوضع تحت عنوانها للكبار فقط لان الصغار لا يمكنهم تحمل مشاهد الدم وغيره.
وفي كثير من الأحيان تكون عبارة للكبار فقط مجرد وسيلة دعائية للفيلم من أجل جذب نوعية معينة من الجمهور، فيكون العنوان للكبار فقط في الوقت الذي يكون الجمهور المستهدف هم فئة المراهقين، وهذا الأمر ليس جديداً على الإطلاق ولنرجع قليلا إلى فترة السبعينيات عندما تم عرض فيلم (حمام الملاطين) لحسن يوسف وشمس البارودي وتم وضع عبارة للكبار فقط لجذب جمهور المراهقين والشباب، وهذا الأمر ليس غريبا على صناع السينما ففي كثير من الحالات تكون إثارة بلبلة حول العمل واختلاق مشكلات مع الرقابة أو تصدير تلك المشكلات لوسائل الإعلام هي مجرد نوع من الدعاية للعمل وقد أثبتت تلك الطريقة نجاحها مع العديد من الأعمال ومن أمثلة ذلك فيلم (جلا جلا) لجلا فهمي، وفيلم (حلاوة روح) لهيفاء وهبي واتضح بعد عرض تلك الأعمال أن عبارة للكبار فقط وما أثارته الرقابة كان مجرد خدعة للدعاية فقط، وعندما تم عرض الفيلم اتضح أن المشاهد التي تكلمت عنها الصحف ووسائل الإعلام كانت عادية لا يمكن تصنيفها على أنها خارجة كما يدعي صناع العمل.
للإثارة فقط!
وكذلك يمكن اختيار عنوان مثير لجذب الجمهور والإيحاء بان العمل يحتوى على ما يريد الجمهور مشاهدته، ومن تلك الأفلام التي حملت تلك العناوين فيلم (الراعي والنساء) لمحمود حميدة (ليلة ساخنة) لنور الشريف ولبلبة وكذلك فيلم (فيلم ثقافي) لفتحي عبد الوهاب وأحمد عيد واحمد رزق، وفيلم (زنقة ستات) لهاني رمزي. إذن هذه الأعمال حملت عناوين مفخخة بحيث يعتقد المتلقي انه سيجد مشاهد مثيرة ربما مشاهد جنسية جريئة ولكن في الحقيقة لا يمكن تصنيف هذه الأفلام على أنها للكبار بل الاسم فقط هو ما يوحي بذلك لكن المضمون شيء مختلف.
إن طبيعة المتلقي هي التي تفرض كثير من التقنيات التي يلجأ إليها صناع السينما والدراما في الشرق والغرب ولكن مع اختلاف طبيعة كل مجتمع، فعندما يتم وضع عبارة للكبار فقط على عنوان عمل معين في الشرق فهذا يعني أن الفيلم تخطى الحدود المسموح بها للمشاهدة العائلية مثلا، أما في الغرب فالأمر مختلف ربما تكون درجة الجرأة أكبر فلا يتم وضع عبارة للكبار فقط على عمل سينمائي إلا إذا كان فيلما يمكن وصفة بأنه فيلم إباحي. أما القاعدة الثانية التي يعتمد عليها وضع العبارة وجود رقابة على المصنفات الفنية، ففي الوقت الذي تتحكم الرقابة في بلادنا فيمنا يتم عرضه بشكل كبير تجد هذه الرقابة غير موجودة لدى صناع السينما في الغرب، فعبارة للكبار فقط ربما تكون غطاء تضعه الرقابة لتعلل للمتلقي سبب سماحها لمثل هذا العمل، فوضع عبارة للكبار فقط مجرد خدعة في كثير من الأحيان سواء من الرقابة على المصنفات الفنية أو من صناع الأعمال الفنية ذاتها والدليل على ذلك أن كثير من الأفلام التي سمحت بها الرقابة احتوت على مشاهد جريئة بشكل مبالغ فيه والأمثلة على ذلك لا حصر لها، كما خدع صناع السينما الجمهور بوضع عبارة للكبار فقط واتضح بعد ذلك أن الفيلم لا يحتوي على شيء.