يعتبر التقاط الصور من أهم وأبرز الوسائل لتخليد الذكريات، واللحظات الجميلة التي لا تنسى، ولكن بمرور الوقت وتطور التكنولوجيا، أصبحت هذه الصور الرقمية تحمل بين ثناياها ما هو أكثر من مجرد ذكريات، فما الذي تعرفه عن “البصمة الخفية” لصورك الشخصية؟
البصمة الخفية
مع التقدم المذهل الذي شهدته التكنولوجيا في عصرنا الحديث، لم تعد خانة التوقيت الموجودة في الصور الرقمية الشيء الوحيد الذي يمثل بعض المخاطر لصاحبها، فعند التقاط الصور يقوم الهاتف المحمول أو الكاميرا المستخدمة بتخزين ما يعرف بـ”البيانات الوصفية“، ضمن أحد ملفات الصور الخاصة بالجهاز.
يقوم الجهاز المستخدم بالاحتفاظ بهذه البيانات بشكل تلقائي، مع كل صورة يلتقطها، وهو ما يسميه الخبراء البصمة الخفية إذ تقدم معلومات للتعريف بأمور تتعلق بالصور الملتقطة، مثل المكان، وقت الالتقاط، وكذلك نوع الكاميرا المستخدمة، وهو الأمر الذي يغفل عنه الكثيرون ولا يعلمون حتى بوجوده، ولعل قصة جون ماكافي الشهيرة خير دليل.
جون ماكافي
ديفد جون ماكافي، مؤسس شركة ماكافي الذي يعتبر أحد أهم وأبرز مبرمجي الحاسوب في العالم، حيث يعد من أوائل المصممين لأشهر البرامج المضادة للفيروسات، بالإضافة إلى أنه شارك في تطوير برامج البحث المسحي عن الفيروسات، كما أنه عمل كمبرمج بمعهد ناسا لدراسات الفضاء التابع لنيويورك، ثم مهندس تشغيل أنظمة في مدينة كونيتيكت، وتابع مسيرته المهنية حتى أسس شركته التي لا تزال واحدة من أكبر شركات مكافحة الفيروسات في العالم حتى وقتنا هذا، الأمر الذي جعله هدفا رئيسيا للقراصنة الذين يتربصون به، وهو ما يعتبره وسام شرف له كما ذكر في تصريحاته.
لا تقتصر سيرة ماكافي المهنية على كونه مبرمجا فقط، بل يعتبر من أشهر معلمي اليوغا والتي قام بتأليف العديد من الكتب التي تتحدث عنها، كما أنه رجل سياسة منضم إلى عدة أحزاب، وبمرور الوقت ولأسباب غير معلومة تكاثرت الأقاويل والادعاءات حوله، حيث تم اتهامه عام 2012 بتجارة المخدرات وحيازة الأسلحة غير المرخصة، وأصبحت قضيته من أشهر القضايا قي ذلك الوقت إذ تم اتهامه أيضا في جريمة قتل أحد جيرانه، الأمر الذي أدى إلى هروب ماكافي واختفائه بعيدا عن الأنظار، مشددا على براءته التي سيسعى إلى إثباتها والوصول إلى القاتل الحقيقي.
حظ عاثر
لسوء حظ ماكافي، ولجهل الكثير بالبصمة الخفية للصور، قام مراسلو إحدى المجلات الشهيرة الذين يؤيدونه بنشر صورة له عبر الإنترنت، بعد أن نجحوا في تقفي أثره، وقد عقبوا على الصورة موجهين تحديا صريح للسلطات الأمريكية: “نحن مع جون ماكافي الآن“، وعن غير قصد منهم ودون أن يدركوا خطورة ما فعلوه، كشفت البيانات الوصفية المضمنة في الصورة أن ماكافي في جمهورية غواتيمالا، وسرعان ما توجهت السلطات إليه وتم القبض عليه واعتقاله.
تفاصيل مخفية
لا تقتصر التفاصيل المخفية بين ثنايا الصور الرقمية على “البيانات الوصفية” فقط، حيث يوجد عنصر آخر فريد من نوعه، والذي يربط كل صورة تم التقاطها بالكاميرا المستخدمة، وهو الأمر الذي قد يجهله حتى بعض المصورين المحترفين، ولذا قبل كل شيء يجدر بك أولا معرفة طبيعة هذا العنصر والكيفية التي تلتقط بها الصور.
يعتبر “مستشعر التصوير” المكون الرئيسي للكاميرات الرقمية وكاميرات الهواتف الذكية، وهو عبارة عن شبكة إلكترونية مقعدة جدا، تتكون من ملايين دوائر السليكون الضوئية، وهي موصلات قادرة على امتصاص الضوء، والتي تقوم بطرد الإلكترونيات إثر ظاهرة تعرف بـ”التأثير الكهروضوئي“، ثم يتم بعد ذلك قياس الشحنة الكهربائية للإلكترونيات المنبثقة من دوائر “مستشعر التصوير” وتحويلها إلى قيمة رقمية، والتي ينتج عنها قيمة واحدة تختص بكل موقع ضوء تم رصده، وتصف مقداره أيضا، مما يؤدي إلى تكوين الصورة، الذي يعرف أيضا بعملية “الرسم بالضوء“.
ورغم ذلك فحتى إن قمت باستخدام آلتي تصوير من نفس الشكل والطراز، بغرض التقاط صورة لسطح يتوحد فيه الضوء ودرجة السطوع، فستفاجأ بأن لديك اختلافات بين الصورتين وفقا لمستشعر التصوير الذي يختلف بين كل كاميرا وأخرى، وهو ما أدى -بشكل غير مقصود- إلى وجود علامات مائية دقيقة، ألا وهي البصمة الخفية التي من شأنها أن تعمل كبصمة الإصبع، حيث تكون فريدة من نوعها لمستشعر الكاميرا ويتم طباعتها على كل صورة ملتقطة، ونظرا لعدم تماثل أي من مستشعرات التصوير هذه فلا توجد أيضا بصمات متشابهة على الإطلاق.
نعمة أم نقمة؟
وقد ذكرت الباحثة “جيسيكا فريدريش” من جامعة بينغامتون في ولاية نيويورك، والحاصلة على براءة اختراع لتقنية بصات الصور، أنه من الصعب جدا إزالة البصمة الخفية للصور، إذ إنها متأصلة في مستشعر التصوير بعكس البيانات الوصفية، والتي يتم تنفيذها عن قصد، كما ذكرت أيضا أن هذه البصمة الخفية كغيرها من التقنيات، التي يمكن أن تشكل خطورة على بعض الأشخاص إذا وقعت في الأيدي الخطأ، ولذا تحذر فريدريش من نشر الأشخاص صورهم الشخصية بشكل دائم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلهم عرضة للكثير من المخاطر من قبل المجرمين المخضرمين في التكنولوجيا الحديثة.
ولكنها أضافت موضحة الجانب الإيجابي لهذه التقنية، والذي يتمثل في كونها أحد أهم العوامل التي تساعد الباحثين في التعرف على الصور المزيفة، كما يمكن استخدامها في الكشف عن الصور الاصطناعية المعروفة باسم “التزييف العميق“، والتي تتم من خلال الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي لفبركة الصور ومقاطع الفيديو أيضا، الأمر الذي يمثل تهديدا لجميع أفراد المجتمع، بالإضافة إلى أهميتها البالغة إذ تُقدَّم البصمة الخفية كأدلة وبراهين في العديد من القضايا الجنائية.
ما تلتقطه كاميرا هواتفنا الذكية، يفوق بكثير ما يظهر لنا أمام العدسة..