يعد ضعف التركيز وصعوبة التفكير باتزان وكذلك المعاناة من الهلوسة والتوهم، من أشهر أعراض مرض الفصام أو الشيزوفرينيا، إلا أن أنواع الفصام تبدو شديدة التنوع وتشمل أعراضا إضافية أخرى، نكشف عنها في السطور التالية.
مرض الفصام
يعتبر هذا المرض الذهني من أكثر الأمراض قسوة على ضحاياه، فبالرغم من تعدد واختلاف أنواع الفصام عن بعضها البعض في تفاصيل عدة، فإن المؤكد أن مريض الشيزوفرينيا يتأثر سلبًا فيما يخص قدرته على التعبير عن نفسه أو مشاعره، وفهم الأمور والحكم عليها بصورة صائبة، وكذلك التعامل بانسيابية مع البشر المحيطين به.
يصيب مرض الفصام الرجال والنساء على حد سواء، إلا أن المعتاد أن معاناة الرجال منه تبدأ في نهاية مرحلة البلوغ وبداية سن العشرينات، فيما يتأخر الأمر قليلًا لدى النساء، حيث يصبن به في أغلب الأحوال في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من العمر.
أنواع الفصام
يتفق أهل العلم على أنواع الفصام الـ5 الأساسية، والتي تساعد الأطباء على التفرقة بين الأعراض المتشابكة للمرض قبل تحديد العلاج الأمثل لكل حالة، حيث تتمثل تلك الأنواع في:
الفصام الزوراني
هو أكثر أنواع الفصام شهرة، باعتبار أعراضه الأكثر ظهورًا من بين أعراض الأنواع الأخرى، فيما يطلق عليه كذلك اسم الفصام البرانويدي، ليكشف ذلك عن وقوع المصاب به كفريسة للكثير من أعراض البارانويا أو جنون الارتياب كما يعرف في الأوساط العلمية.
يعاني ضحية الفصام الزوراني من الأوهام التي تسيطر على عقله، مثل الاعتقاد بأنه ضحية خطة شيطانية تحاك من وراء ظهره، أو أنه مهدد بالقتل من جانب أناس لا يعرفهم أو حتى إنه يملك قدرات تجعله خارقا بين البشر، كما يبدو متأثرًا بهلاوس سواء كانت بصرية تجعله يرى أشياء لا يراها غيره، أو سمعية تجبره على سماع أصوات غير حقيقية، أو حتى متعلقة بشم أو تذوق أشياء غير حقيقية.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد لدى مريض أشهر أنواع مرض الفصام المعروف بالزوراني، بل كذلك يصاب بضعف شديد في التركيز، وعدم القدرة على التحدث بطلاقة مثل الآخرين، حيث تبدو عباراته غير منطقية، بل ويمكن لكلماته أن تصبح غير مفهومة للمستمعين من حوله، ليصبح إجراء نقاش ودي معه من المستحيلات حينها.
الفصام غير المنتظم
لا يعد ضحية هذا النوع من أنواع الفصام، ضحية لبعض من أعراض الفصام الزوراني السابق ذكره، حيث لا يعاني من الهلاوس بأنواعها المختلفة، كما يبدو في منأى عن الأوهام المرتبطة بالارتياب والشك، لكنه يصاب بمشكلات التحدث وأزمات أخرى تتعلق بالسلوك العام.
يؤدي الفصام غير المنتظم إلى سوء تنظيم المريض لأفكاره، وبالتالي يصبح التحدث من الأمور المعقدة بالنسبة إليه، كذلك يكشف مريض هذا الفصام تحديدًا عن سلوكيات غير ملائمة وانطباعات مرفوضة بوجهه، ليبدو مزعجًا للبشر المحيطين به.
يصل الأمر بمريض الفصام غير المنتظم إلى عدم القدرة على إتمام النشاطات اليومية والأعمال الروتينية، فيما يثير استغراب من حوله دائمًا ببرودة ردود فعله، والتي تخفي مشاعره الداخلية، ومن بينها الكثير والكثير من الأمور السلبية.
الفصام الجامودي
يعتبر التخشب وهو أكثر ما يميز الفصام الجامودي، حالة صحية في حد ذاتها قد تظهر على ضحايا الكثير من الأمراض الذهنية وليس الفصام فقط، إلا أن الفصام الجامودي صنف باعتباره من أنواع مرض الفصام لخصوصية أعراضه.
تتمثل حالة التخشب التي تصيب ضحايا الفصام الجامودي في عدم الحركة والتسمر في المكان الواحد لفترات قد تصبح طويلة في كثير من الأحيان، إلا أنها لا تتوقف عند هذا الحد في ظل وجود أعراض أخرى جانبية.
من الوارد أن يعاني ضحية هذا النوع من أنواع الفصام بحالة تشبه الخرس المؤقت، حيث لا يتحدث مع أي من البشر من حوله، فيما يكتفي أحيانًا بمحاكاة سلوكيات أو كلمات الآخرين، وكأنه غير قادر على التعبير عن نفسه بالحركات أو العبارات التي تتناسب مع أفكاره.
الفصام المتبقي
هو النوع الأكثر غموضًا ربما للأطباء، من بين أنواع الفصام المختلفة، والسر في أن أعراضه قد تظهر على المريض بعد اختفاء أو تراجع حدة الأعراض الملحوظة من قبل بفترة ما، وكأنه شفي من المرض قبل أن تظهر أعراض متبقية من جديد.
تتلخص أعراض الفصام المتبقي في بعض الأمور السلبية التي تحرم المريض من الكثير من قدراته في أمور الحياة كافة، كأن يعاني من صعوبات واضحة في الحركة، ومن بطء ملحوظ عند التحدث، علاوة على ضعف في الاهتمام بالنظافة والصحة وبرودة شديدة في إظهار ردود فعل طبيعية.
يرى الخبراء والباحثون أن مرور مريض الفصام بشكل عام بفترات من الانتكاس تشهد زيادة حدة الأعراض لفترة ما، قبل تراجع تلك الحدة لفترة أخرى، ومن ظهورها من جديد بشدة وهكذا، يكشف عن صعوبة تمييز الفصام المتبقي، لذا صار الاعتماد على هذا المصطلح غير شائع في الفترات الأخيرة.
الفصام غير المتمايز
إن كان الفصام المتبقي يبدو غامضًا للبعض، فإن الفصام غير المتمايز ليس أقل غموضًا منه، والسر في أن ضحية هذا النوع من أنواع الفصام، يصبح ضحية لتشكيلة من الأعراض المختلفة، والتي تأتي من أكثر من نوع مختلف من الشيزوفرينيا.
يعاني مريض الفصام غير المتمايز من حالة التخشب والصمت أحيانًا، فيما يبدو عليه التأثر بهلاوس وأوهام عدة في أحيان أخرى، فيما يبدو وأنه يفتقد تمامًا للتركيز وغير قادر على تنظيم أفكاره أو حتى عباراته التي ينطق بها في العلن في أغلب الوقت.
يكشف ذلك عن تجمع أعراض كل من الفصام الجامودي والفصام الزوراني أو البارانويدي وكذلك الفصام غير المنتظم، لدى مريض الفصام غير المتمايز، والذي يراه الأطباء الأكثر تخمة من ناحية أعراض المرض الذهني المذكور.
الفصام لدى الأطفال
بالطبع لا يمكن تصنيف الفصام لدى الأطفال باعتباره من بين أنواع مرض الفصام، لكنه يكشف في واقع الأمر عن خصوصية حالة الشيزوفرينيا حينما تصيب من تتراوح أعمارهم بين الـ13 والـ18، علمًا بأن إصابة الأطفال من دون الـ13 بهذا المرض العقلي تبدو شديدة الندرة.
تعد أعراض الفصام لدى الأطفال الأصغر سنًا قريبة الشبه من أعراض اضطرابات أخرى شهيرة، مثل التوحد المعروف أيضًا باسم الذاتوية، وكذلك مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، حيث تشهد تأخر الطفل على صعيد القدرات اللغوية وكذلك تأخره أو صعوبة قيامه بالمشي أو حتى الحبو، علاوة على قيامه بحركات غير معتادة أو طبيعية.
تختلف أعراض الفصام لدى الأطفال الأكبر سنًا أو لدى المراهقين الصغار، حيث تتمثل في الانعزال وعدم القدرة أو الرغبة في الاختلاط بالمجتمع المحيط، تراجع المستوى الدراسي بشكل ملحوظ، إلى جانب المعاناة من صعوبات شديدة في النوم، وربما الانغماس في عادات شديدة السوء مثل إدمان المواد المخدرة، علمًا بأن الأعراض الخاصة بالهلوسة أو التوهم تظهر متأخرة مع الوصول لمرحلة النضوج.
هل يشفى مريض الفصام؟
لم يتوصل الخبراء والباحثون حتى الآن إلى علاجات قادرة على شفاء مرضى الفصام بشكل كامل، إلا أن مزيجا مستخدما من قبل الأطباء للعلاج، يبقى قادرًا على الحد من أعراض المرض المذكور بدرجة أو بأخرى، ووفقًا للحالة ومدى تجاوبها مع العلاجات.
يعتمد الطبيب المعالج وبعد فحص مريض الشيزوفرينيا على علاجات عدة لتحسين وضعية المريض، وسواء كان يعاني من الفصام الجامودي أو المتبقي أو غير المنتظم أو أي من أنواع الفصام، حيث يخضع المريض لجلسات علاج نفسي، كما توصف له الأدوية، بل ومن الوارد أن يلجأ لجلسات الكهرباء القادرة على تهدئة أفكاره مع إجرائها تحت إشراف المختصين.
في الختام، وبينما تتعدد أنواع الفصام التي سبق وأن قمنا بذكرها، فإن المرض يبقى واحدًا، حيث يتسم بالقسوة على المريض وكذلك على الأشخاص المقربين منه، ما يتطلب دعمه على الصعيد النفسي، كي يصبح قادرًا على مقاومة مرضه المزمن بكامل قوته.