مبطلات الصيام في نهار رمضان أو مفسدات الصوم، والفاسد والباطل في العبادات بمعنى واحد ضد الصحيح، والذي يبطل به الصوم بمعنى: ما يكون به الصوم غير صحيح، وإذا بطل الصوم في يوم من صيام شهر رمضان خاصة لمن لا رخصة في الإفطار وجب عليه ولزمه بعد بطلان صومه الإمساك بقية اليوم لحرمة الوقت، ثم القضاء بعد ذلك، وأما المعذور الذي يباح له الفطر كالمريض فلا يلزمه الإمساك ويحرم تعمد الاستمرار في الإمساك بنية الصيام على من يحرم عليه الصيام كما في صوم الحائض.
مبطلات الصيام في رمضان المتفق عليها
اتفق العلماء على عدة أعمال يبطل الصيام بإتيانها وفيما يلي بيانها وتفصيلها:
- الجماع: اتفق العلماء على أن الجماع في نهار رمضان يبطل الصيام؛ لقول الله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ)، وما روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه- بما أخرجه الإمام البخاري، إذ قال: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ).
- الاستقاءة: وتعرف الاستقاءة بأنها: التكلف في القيء بتعمد إخراج ما في الجوف، وقد ذهب جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعية، والحنابلة إلى أن الاستقاءة مبطلة للصيام في رمضان، ويتوجب القضاء بسببها، واستدلوا على قولهم بما روي عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ ذرعَهُ القيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومنِ استقاء عمدًا فلْيقضِ)، أما الحنفية ففصلوا في بطلان الصيام بالاستقاءة ووجوب القضاء بسببها إذ اشترطوا أن يكون الصائم عامدا للقيء ومتذكرا الصيام، وأن يكون القيء ملء الفم، أو أكثر.
- الأكل أو الشرب عمدا: اتفق أهل العلم على أن تعمد الأكل أو الشرب في نهار رمضان من مبطلات الصوم ويأثم فاعله ويجب عليه إمساك بقية يومه والقضاء، دون وجوب الكفارة عليه، أما الأكل أو الشرب في نهار رمضان سهوا من غير قصد فلا يبطل الصيام ولا يوجب القضاء ولا الكفارة، وذلك لما روي عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن نَسِيَ وَهو صَائِمٌ، فأكَلَ، أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)، وعلى الرغم من أن الأكل أو الشرب سهوا لا يعد من مبطلات الصيام، إلا أنه يجب على من رأى شخصا يأكل أو يشرب ناسيا في نهار رمضان أن يذكره وينبهه أنه صائم، ومن الجدير بالذكر أن تعمد ابتلاع ما لا يؤكل عادة كالمعادن والعملات والخيوط يعد من المفطرات بإجماع المذاهب الأربعة.
- دخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح: عرف أهل اللغة الجوف لغة بالعديد من التعريفات ومنها الأجوفان، وهما: البطن، والفرج، أما اصطلاحاً، فقد عرف العلماء الجوف بأنه: كل فارغ يقبل الشغل والامتلاء، ويستفاد مما سبق أن الفقهاء واللغويين لم يختلفوا في مفهوم الجوف، وقد عد أئمّة المذاهب الأربعة المعدة من الجوف، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن الدماغ من الجوف، وخالفهم المالكية، ومن الجدير بالذكر أن دخول أي شيء إلى الجوف يعد سببا لفساد الصيام باتفاق المذاهب الأربعة، ويدخل في ذلك الحقن الشرجية.
- الحيض والنفاس والولادة: وهي من مبطلات الصيام الخاصة بالنساء، فدم الحيض أو النفاس يبطل الصيام وإن كان نزوله قبل غروب الشمس بلحظات، ويجب عليها الإفطار والقضاء بعد الطهر ولا حرج عليها في ذلك ولا إثم، لا سيما أن الأمر خارج عن إرادتها، وقد استدل أهل العلم على فساد صيام الحائض والنفساء بما روي عن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-:(ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ).
- الرِدّة: تعرف الردّة لغة بأنها: الرجوع عن الشيء، أما شرعا فتعرف بأنها: رجوع المسلم عن دِينه، وقد أجمع أهل العلم على أن الردة عن الإسلام تبطل الصيام.
مبطلات الصيام في رمضان المختلف فيها
اختلف العلماء في بعض مبطلات الصيام باعتبارها من المبطلات أم لا، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
- الإغماء: أجمع العلماء على أن الإغماء يبطل الصيام، ويوجب القضاء، وخالفهم الإمام الحسن البصري إذ ذهب إلى عدم وجوب القضاء على المكلف في حال الإغماء، لأن زوال العقل بسبب الإغماء يمنع وجوب الأداء، ووجوب القضاء يبنى على وجوب الأداء.
- الجنون: أجمع أهل العلم على عدم وجوب الصيام على المجنون، وبطلان صيامه، وهذا في حال كان الجنون ملازما مطبقا، أما إن كان الجنون مؤقتا وأفاق المكلف في جميع نهار رمضان وجب عليه الصيام، وتجدر الإشارة إلى اختلاف أهل العلم في صحة صيام المكلف الذي شرع في الصيام ثم طرأ عليه الجنون؛ فقد ذهب المالكية والشافعية إلى بطلان الصيام بالجنون الطارئ قياسا على بطلان صيام المرأة بسبب الحيض، وكلاهما عارض يفسد الصيام، كما قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: “إذا وُجد الجنون في جزء من النهار أفسد الصوم؛ لأنه معنى يمنع الوجوب، فأفسده وجوده في بعضه كالحيض”، وخالفهم الحنابلة إذ قالوا بعدم فساد صيام المكلف بسبب الجنون الطارئ الذي لا يبقى طوال النهار، ولم يأخذوا بقياس الجنون بالحيض، واعتبروه قياساً فاسداً لوجود اختلاف عظيم بين الجنون والحيض، لا سيما أن الحيض لا يمنع وجوب الصيام؛ إذ يجب على الحائض قضاء ما أفطرته، أما المجنون فلا يجب عليه قضاء ما فاته من الصيام بسبب الجنون، وبينوا أن أقرب ما يمكن قياس الجنون الطارئ به هو الإغماء، والمغمى عليه لا يبطل صيامه في حال كان الإغماء في جزء من النهار؛ ولذلك قالوا بصحة صيام من طرأ عليه الجنون جزءاً من النهار، ووافقهم الحنفية بعدم فساد الصيام بسبب الجنون الطارئ.
- الحجامة: اختلف العلماء في فساد الصيام بسبب الحجامة؛ فقد قال كل من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة بعدم بطلان الصيام بسبب الحجامة، مع اختلافهم في حكم الحجامة للصائم؛ إذ ذهب الحنفية إلى جوازها إن كانت لا تضعف الصائم وكراهتها في حال كانت تضعفه، أما المالكية فذهبوا إلى حرمة الحجامة للصائم إن غلب على ظنه أنها ستضعفه ولن يتمكن من مواصلة الصيام بسببها، وخالفهم الحنابلة الذين قالوا ببطلان الصيام بسبب الحجامة، كما قال ابن قدامة-رحمه الله-: “الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم”.