رياضة

“صاحب بالين”.. مدربون أشرفوا على فريقين بآن واحد

في كتابه: كرة القدم بين الشمس والظل، يصف الأديب الأوروجوياني إدواردو غاليانو مدى تعقيد مهنة المُدرب؛ حيث يلعب دور المُخلِّص رغمًا عنه، تطالبه الجماهير بامتلاك عبقرية أينشتاين وبُعد نظر فرويد، وهذا ما حوَّله تدريجيًا من ساعٍ للفوز إلى خائف من الخسارة. 

على الرغم من صعوبة هذه المهنة، لدينا قائمة من الرجال الذين قرروا أنّ يشرفوا على تدريب فريقين بآن واحد -فريق ومنتخب- وكأن الضغط الناتج عن قيادة فريق واحد لا يكفي. 

يُرجح البعض أن سعي مدرب كرة القدم للجمع بين وظيفتي المدير الفني لفريق ومنتخب في آن واحد يرجع بالأساس لثلاث أسباب. الأول هو المجد، والثاني هو حب العمل والثالث هو الرغبة الدائمة في الخروج من منطقة الراحة. 

يقول أحد الأمثال المصرية الشعبية أنّ “صاحب بالين كدّاب”؛ لأن الإنسان مهما كان مخلصًا لعمله لن يتمكّن سوى نادرًا في التوفيق بين مهمتين، خاصةً وإن كانت كل مهمة تتطلب مقومات فنية وسمات شخصية مختلفة عن الأخرى. 

السؤال الآن: هل نجح هؤلاء في تحقيق المعادلة الصعبة؟ 

بلجيكا التي لا تعرفها 

كرة القدم

في سبتمبر 2010 كان المنتخب البلجيكي منتخبًا أوروبيًا غير مُصنّف، فشل لتوه في حجز مقعد مؤهل لكأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا. وقتئذٍ، ارتأت الإدارة الفنية أن الحَل يكمُن في التعاقد مع مدير فني من مدرسة تدريبية مُختلفة، بعد عدة عقود من التمسُّك بالمُدرّب الوطني. 

كانت المدرسة الهولندية الحل الأمثَل، وتحديدًا “ديك أدفوكات” الذي يمتلك خبرات بعدد من الأندية الهولندية العريقة، بل سبق وأن أشرف على تدريب منتخب الإمارات من قبل. 

بعد شهرين من بداية التعاقد، وفي مكانٍ ليس ببعيد -نظرًا لتقارب الحدود بين بلجيكا وهولندا- كان فريق “ألكامار” الهولندي يُقيل مديره الفنّي رونالدو كومان بحلول ديسمبر 2010 بعد بداية موسم سيئة. 

وفي حادثة ليست غريبة على كرة القدم الهولندية، التي عاصرت تدريب “جوس هيدنيك” لفريق “بي اس في أيندهوفين” ومنتخب كوريا الجنوبية، بل النجاح مع كليهما، طلبت إدارة نادي ألكمار التعاقد مع أدفوكات، الذي كان يسعى لتحضير المنتخب البلجيكي من أجل الصعود لبطولة أمم أوروبا. 

المثير هو موافقة كل الأطراف، ربما لأن طلب النادي الهولندي كان إشراف المدرب على تدريب الفريق لحين انتهاء الموسم فقط. لكن الأمور لم تجرِ كما خُطط لها، ليقدِّم أدفوكات استقالته من تدريب منتخب بلجيكا بعد ٤ مباريات فقط. 

الدهشة من هذا القرار لم تدُم طويلا، لأنّ المدرب كان قد حصل على عرض سخي لتدريب منتخب روسيا، بالتالي كان مُبررًا أن يضع المجد جانبًا من أجل فرصة أفضل. 

تحمُّل المسؤولية؟ 

كرة القدم

في أغسطس 2013، داخل مقر الاتحاد التركي لكرة القدم، صرَّح “فاتح تريم”، أحد أهم وجوه الكرة التركية التدريبية أنّه لا يمكن التهرُّب من حمل مسؤولية تدريب المنتخب الوطني. 

هذه العبارات، جاءت بعد وصلة مدحٍ لرئيس نادي جالاتاسراي التركي الذي سمَح له الجمع بين وظيفتي المدير الفني للمنتخب والنادي الأكبر في البلاد. 

طبقا لبعض التقارير، موافقة إدارة جالاتاسراي على حصول مديرها الفني على وظيفة أخرى ترجع بالأساس للعلاقات القوية بين النادي والاتحاد، حيث يشجع معظم أعضاء مجلس الإدارة النادي الأحمر والأصفر. 

على كلٍ، بدأ موسم تريم بأسوأ شكل ممكن مع الفريق التركي، ليحصد 6 نقاط من أول 4 مباريات، قبل أن يُذل الفريق بسداسية أمام ريال مدريد الإسباني بدوري أبطال أوروبا. على الرَغم من ذلك، قدمت إدارة النادي عرضًا لتريم لتجديد تعاقده لموسمين إضافيين، رغبةً في مَنح الاستقرار للفريق. 

المُفاجأة كانت رفض الرجُل للعرض، بالتالي قامت الإدارة بطرده من وظيفته، وإنهاء التعاقد فورًا؛ لأن الإدارة ظنَّت أن المُدرِّب يُخل بتقاليد النادي، التي تقوم على أساس تحمُّل المسؤولية خاصةً في الأوقات الحرجة. 

لكن ربما يبدو أن فاتح تريم كان قد وجد منطقة راحته في تدريب المنتخب الذي استمر في الإشراف عليه حتى 2017.   

“سير أليكس” الذي لا يعرفه أحد

كرة القدم

أيًا ما كانت درجة متابعتك لكرة القدم، فبالتأكيد تعرِف من هو السير أليكس فيرجسون، الرجل صاحب الوجه المُحمر الذي صال وجال في ملاعب إنجلترا رفقة مانشستر يونايتد، لكننا هنا لنحكي قصة مختلفة؛ القصة التي صنعت هذه الأسطورة. 

في عام 1983، كان نادي أبردين الاسكتلندي يحقق معجزة حين نجح في الانتصار على ريال مدريد الإسباني في نهائي بطولة أبطال الكؤوس الأوروبية. لكن خلف هذه المعجزة رجلًا آخرًا لا يقل أهمية عن السير. 

جوك شتاين، الرجل الذي كان يشرف على تدريب المنتخب الاسكتلندي في ذلك الوقت، كان أحد أشد المعجبين بالواعد فيرجسون، وقبل النهائي أمام ريال مدريد، منحه بعضًا من خبراته، حين أخبره أن يمنح دي ستيفانو، مدرب ريال مدريد وقتئذٍ، زجاجة من الكحول الثمين كهدية. الأمر الذي اعتقد أنّه حيلة نفسية قد تنجح في إرخاء عزيمة المدرب الإسباني. 

حقيقة لا نعلم ما إذا كانت خطة شتاين كانت سببًا في معجزة أبردين أم لا، لكن الفريق نجح في النهاية. 

قبل انطلاق مونديال 1986، وفي إحدى الوديّات، أصيب شتاين بأزمة قلبية حادة وفارق الحياة، ليعلن الاتحاد الاسكتلندي تولّي أليكس مهمة تدريب المنتخب جنبًا إلى جنب مع فريقه المحلي. 

كان يعتقد أن الجيل الذي لعب للمنتخب في كأس العالم بالمكسيك هو أفضل أجيال سكوتلندا على الإطلاق، لكن فيرجسون، الذي ارتدى حلة المنقذ لم يستطع عبور دور المجموعات، بسبب وجود بعض الغيابات، إضافة لوقوع المنتخب في مجموعة صعبة للغاية ضمت الدنمارك، ألمانيا الغربية وأوروجواي. 

في النهاية يبدو أن كرة القدم لا تعترف بـ”صاحب البالين” إلا في استثناءات نادرة. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى