قبل أن تسأل نفسك إذا كنت ممن يعانون من مرض العصاب النفسي أم لا؟ عليك أن تجيب على السؤال التالي: هل انتابك شعور القلق، والتوتر تجاه ضغوط الحياة اليومية، أو عند التعرض لأزمة مالية من قبل؟ إذا كانت إجابتك: نعم، فعليك أن تدرك أنه أمر طبيعي، فالقلق فطرة الإنسان الطبيعي، أما في حالة تمكن المشاعر السلبية، التوتر، والقلق منك في كافة مواقفك اليومية، فإن هذا ما يُسمى بالاضطراب العصابي؛ لذا دعنا نضع هذا المرض تحت الميكروسكوب لنكشف لك المزيد عنه.
تاريخ العصاب النفسي
كانت السنة الميلادية 1769 هي تاريخ ظهور مصطلح العصاب النفسي من قبل ويليام كولين (طبيب نفسي اسكتلندي الجنسية)، ثم تبعه الطبيب: سيجموند فرويد في استعمال نفس المصطلح؛ للتعبير عن الاضطرابات العصبية غير الذهان، حيث وُجدت صلة ما بين العصاب، وردود الفعل غير المنطقية والحادة سواء كانت عاطفية، جسمانية، أم عقلية.
بالدخول إلى العام الميلادي 1980 أُزيل مرض العصاب النفسي من قائمة الاضطرابات النفسية، وفي الوقت الحالي لا يعد مشكلة نفسية قائمة بذاتها، فقد وضعه الأطباء ضمن اضطرابات القلق، فكل ما كان يندرج تحت مرض العصاب النفسي أصبح يندرج تحت التوتر، والقلق.
ما هو مرض العصاب؟
مرض العصاب النفسي هو حالة نفسية يتعرض لها الفرد تجعله شخصًا مهووسًا بالأفكار، والمشاعر السلبية التي يندرج أسفلها إخفاقه في واقعه، أو حياته الخيالية، بحيث يرى المواقف اليومية البسيطة بصورة سلبية مبالغة، ثم يبدأ في كره نفسه، ولومها على مشاعره السلبية وتشاؤمه.
ليس لأن الشخص العصابي إنسان لا يفكر إلا في الأمور السيئة والأحداث السلبية، إنه لا يقوى على استيعاب مشكلاته، بل بالعكس، فهو ما زال متصلًا بالواقع، لكن دائمًا ما يعاني من أعراض غريبة عن المجتمع.
سمات الشخص العصابي
في الحقيقة لكل منا جانب عصابي لا يمكن إنكاره، ولكن بنسب مختلفة عن بعضنا البعض، حيث توجد بعض السمات التي يمكنك من خلالها إدراك أنك شخص مصاب بـ”العصاب النفسي” فتلك المشكلة تجعلك دائم الشعور بما يلي:
- القلق.
- الانزعاج.
- الضعف.
- الحزن.
- الخجل.
- الغضب.
- الذنب.
- العدوانية.
أعراض العصاب النفسي
التشابه ما بين أعراض العصاب، وسمات الشخص العصابي لا وجود له؛ حيث يظهر على المصابين به مجموعة من التصرفات الغريبة دون حتى ملاحظتها، على عكس المحيطين بهم الذين يتمكنون بسهولة من رؤيتها، وتتمثل علامات الإصابة بـ”العصاب النفسي” في النقاط التالية:
- الشكوى الدائمة من أعراض جسدية لا وجود لها.
- التأمل المفرط، واستحواذ الأفكار السلبية عليه.
- السعي إلى الكمال.
- التركيز الشديد تجاه أدق التفاصيل.
- الشخصية الاتكالية.
- انعدام القدرة على التكفل باحتياجاته الأساسية.
- التمتع بأسلوب درامي من الدرجة الأولى.
- الهوس بصحة، وأمان الأطفال سواء ذويه، أو ذوي غيره.
- عدم القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية.
- الشعور بالحسد، والحقد تجاه الآخرين.
- ردود الأفعال المبالغة التي تعكس عدم النضج.
- الاكتئاب.
- الحالة المزاجية غير المستقرة.
- فقدان الشهية.
- انعدام الرغبة في ممارسة أي نشاط.
- الإحساس بالإرهاق الدائم حتى وإن لم يقم بأي مجهود يُذكر.
- البكاء دون وجود سبب واضح.
أسباب العصاب النفسي
بالطبع لكل شيء في حياتنا سبب لحدوثه، وهذا ينطبق أيضًا على الاضطرابات النفسية أكثر الشيء، فالإنسان يولد على فطرته الطبيعية دون أن يصاب بأي اضطراب نفسي، ولكن إذا تعرض لبعض المواقف والضغوطات يبدأ في التأثر بها؛ بالتالي إصابته بالحالات النفسية، وتتمثل أسباب العصاب فيما يلي:
- معاناة الفرد من ضغوط ومشكلات يومية من مرحلة الطفولة وحتى سن المراهقة، لا سيما إذا تعرض للصدمات النفسية في طفولته، حيث يحتفظ بها العقل اللاوعي لديه.
- الكبت الناتج عن التقاليد الاجتماعية، والعادات القديمة ما يدفع الأفراد إلى عدم القدرة على تدبير احتياجاته، والتنفيس عن ذاته.
- الحساسية المفرطة المسببة لتأثر الفرد بشدة تجاه أي كلمة يسمعها، أو موقف يتعرض له.
عوامل الإصابة بـ”مرض العصاب”
قد لا يدرك الكثير من الأفراد أن عوامل الإصابة بـ”مرض العصاب” تختلف اختلافًا طفيفًا عن أسبابه؛ فالعامل هو الحدث المحفز للسبب المؤدي إلى التعرض لتلك الحالة النفسية، وهناك 3 عوامل مختلفة تفسر أسباب تعرض الأفراد للاضطرابات العصابية، وتتمثل في النقاط التالية:
عوامل بيولوجية
من المحتمل أن يصاب الأفراد بـ”مرض العصاب” بسبب الجينات الوراثية، بحيث تؤدي إلى ظهور ردود أفعال غريبة داخل أجزاء محددة من الدماغ؛ الأمر الذي يتسبب في ظهور الأعراض المرافقة لحالات القلق الشديدة.
عوامل نفسية
هنا تنص القاعدة الرئيسة على أن مرض العصاب ينشأ أولًا كرد فعل؛ نتيجة الاضطرابات النفسية الداخلية النابعة من انعدام القدرة على التكيف، مع إحساس القلق، أو ظروف الحياة سواء الخارجية أم الداخلية.
عوامل محيطة
قد يعاني الأفراد من العصاب النفسي؛ نتيجة الصراع الداخلي ما بين التجارب المؤلمة في الطفولة، والتجارب المعاصرة؛ مما يتسبب في الإحساس بالإجهاد النفسي، انعدام الثقة بالنفس، ومقوماتها سواء الاجتماعية، أو الشخصية، أو الاقتصادية.
الاضطرابات الناتجة عن مرض العصاب النفسي
بالطبع سينتج عن التوتر والقلق الزائدين عن الحد الطبيعي الكثير من الاضطرابات النفسية، تحديدًا عند استحواذ مرض العصاب على مشاعر، وسلوك الفرد؛ حيث قواعد الحياة تتمثل في أن كل شيء يزيد على حده، يسبب ظهور نتائج عكسية خطيرة؛ لذا أغلب من يعانون من العصاب النفسي ينتهي بهم الحال بالتعرض للاضطرابات التالية:
العصاب الهستيري
تتسبب تلك الحالة في ظهور بعض العلامات الجسدية التي لا يوجد تفسير علمي واضح لظهورها، بالإضافة إلى تصرف المصاب بطريقة غريبة؛ رغبةً منه في تهدئة خوفه، وقلقه.
اضطراب الهلع
في تلك الحالة يتعرض المصاب إلى نوباتٍ من القلق الحاد بصورة متكررة، بحيث يعاني من بعض الأعراض الخطيرة؛ كخفقان، القلق، الدوار، الإحساس بانعدام القدرة على التنفس، وآلام منطقة الصدر، أغلب مصابي اضطراب الهلع يبتعدون قدر الإمكان عن المواقف المثيرة للهلع، أو البقاء داخل أماكن مزدحمة.
عصاب التوتر والقلق
مريض تلك الحالة يتمكن منه إحساس القلق بصورة زائدة، بحيث يظهر في صورة نوبات حادة من القلق، وتكون قصيرة نوعًا ما، أو في حالة الإحساس المستمر بالخوف تجاه المجهول، فمرضى عصاب التوتر دائمًا ما يعانون من الأرق، التعرق المفرط، خفقان القلب، المشكلات الهضمية، آلام الرأس، انعدام التركيز، واضطرابات الشهية.
عصاب الشخصية المعادية للمجتمع
تُعرف تلك الحالة بالاعتلال الاجتماعي، والتي تؤثر على: أفكار، مشاعر، وإدراك المصاب بصورة سلبية، بحيث تتسبب في اتصافه بالطيش، السلوك الاندفاعي، التعدي على المحيطين به، وانتهاك خصوصياتهم، بجانب عدم اهتمامه بالصواب والخطأ، رغبات، ومشاعر من حوله.
عصاب الاكتئاب
أثناء تلك الحالة يعاني المصاب من مشاعر التشاؤم، الحزن، الإجهاد، انعدام الراحة، واليأس؛ الأمر الذي يؤدي إلى إظهاره لضعف أدائه في إنجاز مهامه اليومية، بجانب انعدام شهيته تجاه الطعام، وعدم القدرة على النوم بصورة طبيعية.
العصاب الاجتماعي
يسمى أيضًا مشكلة القلق الاجتماعي، وتتسبب في شعور المصاب بالانزعاج عند التعامل برفقة الآخرين، بجانب الإحساس بالخوف، الخجل، والقلق بصورة مبالغ بها، وذلك لخوفه من إصدار الآخرين الحكم عليه، والسعي إلى مراقبته، والتمعن في تصرفاته، كل تلك المشاعر من توهم المصاب، ففي العادة لا يكون لها وجود.
مرض العصاب القهري
هي حالة تتسبب في سماع المصاب بعض الأفكار الغريبة غير المنطقية، والخوف تجاه كل شيء؛ مما يدفعه لعمل تصرفات طبيعية بصورة مرضية متكررة، على سبيل المثال: تكرار قفل الأبواب، أو الاطمئنان على المحيطين به، أو غسل الأيدي، وفي حالة تجاهل المصاب لتلك الوساوس يتعرض للإحساس بالقلق، التوتر، والضيق.
عصاب ما بعد الصدمة
عبارة عن اضطراب نفسي يتعرض له الأفراد بعد مرورهم بحدث صادم، مثل: التعرض لحادث، أو وفاة أحد الأشخاص المقربين، وفي الغالب يتسبب في الإحساس بالصدمة، الضعف، الرهاب، والقلق، كما يعاني المصاب من الأرق، رؤية الكوابيس، ذكريات الصدمة المؤلمة، القلق المزمن، وعدم القدرة على التكيف مجددًا مع الآخرين.
كيف يُكشف عن مرض العصاب النفسي؟
كما ذكرنا في السابق أن مرض العصاب لا يعد مرضًا نفسيًا في الوقت الحالي، ويندرج ضمن فئة نوبات القلق، والاكتئاب؛ لذا فليس هناك أي طرق لتشخيصه إلا الخضوع لإجراء اختبارات الشخصية التي يمكن الحصول بها على علامات مرتفعة، متوسطة، أو منخفضة.
إن الأفراد الحاصلين على علامات منخفضة يتمتعون بحياة أكثر استقرارًا، ولديهم قدرة على التأقلم مع مشاعر التوتر، والقلق بفعالية مقارنة بأولئك الحاصلين على علامات مرتفعة.
أهم نصائح علاج مرض العصاب
لا يمكن القول إن علاج العصاب النفسي ينهي المشكلة تمامًا، ولكن أشبه بمفاتيح السيطرة على مشاعر: التوتر، الخوف، والقلق، وبالتالي التقليل من سلوك الشخص العصابي تدريجيًّا؛ لذا يوصي معظم الأطباء النفسيين بعمل ما يلي:
- ممارسة التمارين الرياضية بصفة يومية لمدة 30 دقيقة من أفضل الطرق فعالية في السيطرة على التوتر، الأمر لا يحتاج منك لممارسة رياضات عنيفة، فقط يكفيك السير حتى تشعر بالتحسن.
- وجود شخص يشاطرك ما تشعر به، ويجول في خاطرك؛ لذا تحدث مع أفراد عائلتك، أو أصدقائك، وأخبرهم بما تشعر به، وكيف يساعدونك.
- قد لا تدرك أهمية النوم في البقاء هادئًا، لكن الحصول على قسط كافٍ من الراحة يوميًّا لمدة 8 ساعات سبب في الإحساس بالتحسن، حيث يتزايد الإحساس بالقلق عند قلة النوم.
- اشرب الماء، وابتعد تمامًا عن المنبهات، مثل: مشروبات الكافيين المسببة لارتفاع التوتر، والقلق.
- الوجبات الصحية المتوازنة سبب في مد جسمك بالطاقة، والصحة؛ بالتالي القدرة على التحكم بالمشاعر السلبية، لا تنسى تناول 3 وجبات يومية على مدار اليوم.
- إن كل ما تفكر به ينجذب إليك دون أن تدري؛ لذا استبدل مشاعرك السلبية، وأفكارك التشاؤمية بأخرى إيجابية.
- حاول دائمًا أن توضح لنفسك أن الأمر لا يستحق كل هذا التوتر، ولا يبدو مثل ما تراه حقًا، بل هو أبسط بكثير.
القلق، والتوتر لن يكونا سببًا في وفاتك مبكرًا، ولكن أشبه بالبقاء على قيد الحياة متوفيًّا، من الطبيعي أن تمر بمواقف تشعر بها بالقلق، والتوتر، ولكن لا تطل الأمر، فقط اسعَ إلى معرفة الاحترازات التي يمكنك اتخاذها للتعامل الصحيح مع تلك المشاعر السلبية، قد يستغرق الأمر منك الكثير من الوقت، لكن لا تستسلم؛ فالحياة رائعة، وأنت من تختار طريقة العيش بها.