مميزات الشخص الانطوائي ودوره الإيجابي في المجتمع

تختلط الكثير من المفاهيم حول الشخصية الانطوائية، وقد يصفها البعض بالعديد من السمات التي ليس لها أساس من الصحة، متغافلين عن مميزات الشخص الانطوائي، ودوره الإيجابي مع المحيطين به.

تعريف الشخصية الانطوائية

يعرف الشخص الانطوائي بأنه شخص خجول، هادئ، يميل إلى العزلة، ويجد راحته ويستطيع التركيز على أفكاره عندما يكون وحيدًا، والعكس صحيح، فهو لا يجد راحته ولا متعته بين المجموعات وحشود الناس الكبيرة، وقد استخدم عالم النفس “كارل يونغ” مصطلح “انطوائي” للمقارنة بينه وبين الشخص المنفتح الاجتماعي، موضحا أن الشخص الانطوائي غالبا ما يلجأ إلى عقله فقط لاستعادة طاقته وشحنها، وهو ما يتم عن طريق الانفراد بنفسه.

نجده دوما يبحث عن الهدوء والتركيز، لا يفضل العمل الجماعي، ولا يمتلك سوى عدد قليل جدا من الأصدقاء، وهو ما يعد ضمن مميزات وعيوب الشخصية الانطوائية في آن واحد، وعلى العكس تمامًا فإن الأشخاص المنفتحين يفضلون البحث عن أشخاص آخرين، يستمدون منهم طاقتهم الداخلية، عن طريق التواجد بين حشود ومجموعات كبيرة من الأصدقاء أو زملاء العمل والدراسة.

مميزات الشخص الانطوائي

تتمثل عيوب الشخصيات الانطوائية في صعوبة تحدثهم أمام مجموعات كبيرة من الناس، وصعوبة تكوين صداقات جديدة أيضًا، إذ يعانون من القدرة على التعرف على شخصيات جديدة والاندماج معها، بالإضافة إلى انعدام قدرتهم على التفاعل مع الأنشطة الجماعية، حيث تكون بمثابة تحديات صعبة لهم لا يستطيعون خوضها، فنجدهم دائمًا يميلون إلى العمل الفردي، وتقديم الأنشطة المطلوبة دون مشاركة الغير فيها.

وهو ما دفع الكثير من الناس للاعتقاد بأن الشخص الانطوائي شخص يتسم بالكآبة والملل، لا يجيد الضحك أو المزاح، أو الاحتكاك بالآخرين واتخاذ القرارات السليمة في حياته، ولكن ما يغفل عنه البعض أن هناك الكثير من مميزات الشخصية الانطوائية، والتي ينفرد بها دون غيره:

ذكاء وحنكة

يقضي الشخص الانطوائي الكثير من وقته وحيدا، رغبةً منه في التفكير العميق أثناء اتخاذ قراراته الحاسمة المصيرية، وهو ما يجعله في المستقبل أقل عرضة للندم الناتج عن اتخاذ قرارات غير سليمة، بالإضافة إلى ذكائه الحاد في حل المشكلات لأنه يدرسها ببراعة من جميع الجوانب، مما يجعله يقوم بتحليل المواقف بحنكة وفهم صادر عن تفكير بنّاء سليم، الأمر الذي يجعل من عزلته ميزة في كثير من الأحيان.

احترام خصوصية الآخرين

في معظم الأحيان يتم نعت الانطوائي بأنه منعزل أو مغرور، لأنه لا يتشارك مع الغير في مختلف النشاطات الاجتماعية، ولا يعبأ بالآخرين من حوله مهما بلغت شدة احتياجه لهم، والعديد من الصفات التي تدور في ذات الحلقة.

ولكن من أهم مميزات الشخص الانطوائي والشيء المتفق عليه من الجميع، أنهم يقدرون الآخرين جدا ويحترمون مساحتهم الشخصية، وهو الأمر النابع من احترامهم لذاتهم وإدراكهم لأهمية مساحتها الشخصية، مما يجعلهم يتمتعون بقدر كافٍ من الاستقلالية.

مستمع جيد

يعد الهدوء من أبرز مميزات الشخصية الانطوائية، وهو ما يعتبره الباحثون سببا رئيسيا في جعلهم شخصيات مستمعة للغير، أكثر من الآخرين، حيث يميل الشخص الانطوائي عادة إلى تفهم مشاعر الآخرين، والاستماع إلى مشكلاتهم ومحاولة التفكير في حلول جذرية لها، لذا؛ كن على يقين أنك إذا أردت التحدث في أمر هام، أو حل مشكلة ما، فإن صديقك الانطوائي هو أول شخص يمكنك اللجوء إليه، إذ يبذل جهدا كبيرا جدا للتركيز معك، ومحاولة فهم مشاعرك ومكنوناتك، بدلا من انتهاز أي فرصة ليبادر هو بالكلام كما يفعل الآخرين عادة.

استقلالية الفكر

ينساق غالبية الأفراد إلى كل ما هو مشهور ومعروف في المجتمع، لذا قد يتشابهون في كثير من الأفكار والمعتقدات، ولكن الشخصية الانطوائية تتميز عن غيرها، إذ تتفرد بآرائها الخاصة، ولا تتأثر عادة بالأشياء الشهيرة المنتشرة في المجتمع، بل تميل إلى الغموض والأمور غير الاعتيادية بالنسبة للكثيرين.

بالإضافة إلى أن قضاءهم الكثير من الوقت بمفردهم، يجعلهم قادرين على تكوين وجهات نظر مختلفة، وأفكار متجددة وفريدة من نوعها، وهو ما أكده الفيزيائي ألبرت آينشتاين، الذي يرجح أن حياة الأشخاص الانطوائيين الهادئة تحفز تفكيرهم الإبداعي بشكل كبير.

بناء علاقات عميقة

من مميزات الشخص الانطوائي الاكتفاء بعدد قليل من الأصدقاء، أو الزملاء داخل مجال عمله أو دراسته، إذ إن تركيزه دوما على الجوهر والجودة وليس الكَم كما يفعل الكثيرون، وهو ما ينطبق على علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين، بعكس العديد من الأشخاص الذي يفضلون أن يكونوا اجتماعيين منفتحين، ولديهم كم هائل من العلاقات، غير آبهين بجوهر هؤلاء الأشخاص أو مدى سطحيتهم.

وهو ما ينبذه الانطوائيون في علاقاتهم فهم لا يحبون العلاقات السطحية ولا يسمحون لأي شخص بالدخول إلى عالمهم، ويفضلون بناء علاقات وطيدة عميقة مع دائرتهم الصغيرة من الأصدقاء، التي يبذلون جهدا كبيرا لانتقائها بعناية فائقة، وللحفاظ عليها، وبالتبعية فإن هؤلاء الأصدقاء يكونون مخلصين أيضا وأوفياء إلى أبعد حد، وهو ما يبحث عنه الشخص الانطوائي.

قدرة فائقة على التركيز

من مميزات الشخص الانطوائي أنه لا يفضل التواصل الاجتماعي بكثرة، لذلك غالبا ما يملك الوقت الكافي لصب تركيزه على أمور أخرى ذات أهمية بالنسبة له، فنجده دائما لديه القدرة على عزل نفسه لفترات طويلة بهدف التركيز لإتمام مهمة محددة، أو بعض الأنشطة الفردية كالكتابة إذ إن العوامل الخارجية تؤثر عليه سلبا، لذا نجد الكثير من الخبراء المتخصصين في مجالات معينة من الشخصيات الانطوائية، حيث يمتلكون قدرة هائلة على التركيز والابتعاد عن الحشود لحين إتمام مهامهم.

بالإضافة إلى ذلك فإن الأشخاص الانطوائيين غالبا ما يتفوقون على أقرانهم، ويتميزون عنهم في العديد من المجالات، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الكاتب المخرج، والمنتج “ستيفن سبيلبرغ”، كذلك أسطورة الرابطة الوطنية لكرة السلة “مايكل جوردان”، واللذان يعرفان بالانطوائية الزائدة، ورغم ذلك استطاعا تحقيق نجاح باهر في المجالات العملية.

الاستقلالية في العمل

بينما يفضل الأشخاص الاجتماعيون المنفتحون مفهوم العمل الجماعي، بل ويسعون لأن يصبحوا جزءًا من فريق العمل، فإن الانطوائيين على العكس تماما، حيث يميلون إلى العزلة، وبناء نظام حياتهم استنادًا إلى مبدأ الاستقلالية والاكتفاء الذاتي، فنجدهم دوما يفضلون العمل بشكل مستقل دون الحاجة إلى الإشراف.

هذا ما يدركه أصحاب العمل الذين يثقون بهذه الشخصيات ثقةً عمياء، إذ يكون لديهم يقين تام بأنهم إذا أسندوا إلى شخص انطوائي بعض المهام، فإنه يؤديها على أكمل وجه، وسيحرص على إتمامها دون مساعدة الغير، ودون السماح لأي عوامل خارجية  أن تؤثر عليه أو تشتت انتباهه.

تتراوح نسبة الانطوائيين في العالم ما بين 25 إلى 40%، وعلى الرغم من أن غالبيتهم يعانون من الخجل المفرط، إلا أنها ليس سمة رئيسية فيهم، وليس من الضروري أن يكون الشخص الانطوائي خجولا، أو يعاني من القلق الاجتماعي، فالانطواء مجرد سمة يقصد بها أن الشخص يقوم بالتركيز على أفكاره ومشاعره، بطريقة أكثر عمق وفاعلية من الآخرين، مع تجنب التركيز والاهتمام بالعوامل الخارجية المحيطة به، وهو ما يعد أيضًا من مميزات الشخص الانطوائي.