بمنتصف السبعينيات من القرن الماضي، اعتقد مسؤولو دولة الكويت أنّ ذلك الوقت مناسبًا لأن تتصدّر كرة القدم الكويتية المشهد العربي والأسيوي؛ نظرًا لامتلاكها مجموعة من أفضل اللاعبين وأكثرهم موهبةً في ذلك الوقت، عرفوا وقتئذ باسم الجيل الذهبي.
فكيف كانت رحلة هذا الفريق الذي أثار الجدل بكأس العالم المقام في إسبانيا عام 1982؟ لنَر.
إعداد مثالي
تحت قيادة برازيلية، احتكر منتخب الكويت لكرة القدم الزخم الجماهيري في الفترة ما بين 1975 و1982، ويرجع الفضل في ذلك لقرار اتخذه رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم آنذاك الأمير فهد الأحمد الجابر الصباح، بالاستثمار في المواهب الكويتية ومحاولة تطويرها لأقصى حدٍ عبر التعاقد مع مدير فني بحجم البرازيلي ماريو زاجالو، ثم مواطنه كارلوس ألبرتو بيريرا.
طبقا لمعظم لاعبي الكويت في هذه الفترة، عاشت كرة القدم الكويتية حالة من اليوتوبيا؛ فريق متكامل يجمع ما بين اللاعبين المميزين مهاريًا وتقنيًا، مشجعون يطمحون في الوصول لأبعد نقطة ممكنة، ووسائل إعلام تساند هذه المجموعة بكل قوة.
بعدما وضع ماريو زاجالو اللبنة الأساسية لمشروع منتخب الكويت، جاء كارلوس ألبرتو بيريرا عام 1978، بمشروع واضح، يهدُف إلى الوصول لكأس العالم 1982 في إسبانيا.
يقول سعد الحوطي، نجم منتخب الكويت، عن هذه الفترة:
كان لدينا إدارة ممتازة ولاعبين على أعلى مستوى في كل مركز. كما امتلكنا مدربين طموحين من الطراز العالمي ووسائل إعلام منفتحة. لقد حققنا انتصارا تلو الآخر مع ظهور لاعبين جدد طوال الوقت.
قبل المشاركة في أولمبياد موسكو 1980، والتي كانت بمثابة قياس جيد لمدى تطوُّر المنتخب الكويتي وقدرته على مقارعة كبار العالم بكرة القدم، كان المنتخب الكويتي قد استطاع بالفعل إحكام قبضته كرويًا على منطقة الخليج وأسيا، عقب التتويج بلقبي كأس أمم أسيا وكأس الخليج.
في الواقع، انتهت مشاركة منتخب الكويت سريعًا في موسكو، عقب الخسارة بدور الـ16 أمام صاحب الأرض. ومع ذلك، يعتقد الحوطي أنّ هذه الخسارة لم تكن سوى دافعًا لتكثيف المحاولات من أجل المحاربة للوصول إلى كأس العالم بعد عامين.
فهد الأحمد الجابر الصباح
أدرك الأمير فهد الأحمد الجابر الصباح أن الخطة الكويتية تسير بشكل صحيح، لكن الخسارة أمام الاتحاد السوفييتي في الأولمبياد كانت إشارةً لحاجة المجموعة إلى مزيد من الانضباط، خاصةً وأن الفريق يضم بين صفوفه مجموعة من أكثر اللاعبين موهبةً في تاريخ البلاد، يرأسهُم مدير فني برازيلي عبقري.
بالفعل نجح منتخب الكويت في تصدُّر مجموعته بتصفيات أسيا المؤهلة لكأس العالم 1982، والتي كانت تضم كل من منتخبات الصين، السعودية ونيوزلاندا. ليضرب الأزرق موعدًا جديدًا مع الظهور في محفلٍ عالمي مثل كأس العالم.
في الواقع، لم تكن القرعة رحيمةً بالمنتخب الذي وصل لأول مرة للنهائيات كممثل أول لدول الخليج وعرب آسيا، حيث أسفرت القرعة الخاصة بمجموعات كأس العالم عن وقوعه في مجموعة تضم كل من منتخبات فرنسا، إنجلترا وتشيكوسلوفاكيا.
كانت خطة الشيخ فهد واضحة، حيث تم تنظيم العديد من المعسكرات التدريبية للفريق في البرتغال والمغرب تتضمّن العديد من المواجهات استعدادًا لخوض غمار كأس العالم.
حسب عبدالله المعيوف، أسطورة منتخب الكويت وأحد عناصر الفريق المشارك في كأس العالم، لقي المنتخب دعمًا قويًا من كبار المسؤولين التنفيذيين الحكوميين الذين قدموا للفريق كل ما يحتاجونه للتركيز على كأس العالم لكرة القدم.
يمكن تذكر العصر الذهبي لكرة القدم الكويتية بذكر اسم رجل واحد هو المغفور له الشيخ فهد الأحمد الصباح.
يوسف الشملان، مدير المنتخب الكويتي لكرة القدم في إسبانيا.
لقطة تاريخية
بعد بداية جيدة انتهت بالتعادل إيجابيًا أمام منتخب تشيكوسلوفاكيا بهدف لمثله، كان على المنتخب الأزرق إيجاد طريقة ما لتحييد مهارات منتخب بحجم فرنسا، الذي يضم بين صفوفه أحد أباطرة اللعبة في ذاك التوقيت؛ ميشيل بلاتيني، المثقل بهزيمة بثلاثية أمام إنجلترا بالجولة الأولى.
إذا ما قررت البحث عن هذه المباراة باستخدام أي محرك بحث، ستجد أن القاسم المشترك الأعظم بين الأخبار المتاحة هو نزول رجل يرتدي زيًا عربيًا لأرض ملعب “خوسيه زوريلا” معقل نادي بلد الوليد الإسباني.
بعد أن أظهرت مقاومة جيدة في نصف الساعة الافتتاحية، وجدت فرنسا طريقها إلى الشباك الكويتية عن طريق برنارد جنجيني. ومنح الهدف فرنسا الزخم لخلق المزيد من التقدم، حيث ضاعف ميشيل بلاتيني من تقدم الديوك في الدقيقة 43، قبل أن تضيف فرنسا هدفًا ثالثًا بمجرد انطلاق شوط المباراة الثاني.
في الدقيقة الـ75 نجح عبدالله البلوشي في تقليص الفارق، لكن بعد دقائق، استطاع آلان جيريس في تسجيل هدف رابع، لتبدأ الإثارة.
آنذاك، احتج لاعبو منتخب الكويت على مشروعية الهدف، حيث زعموا أنهم توقفوا عن اللعب بعد سماعهم لصفّارة الحكم السوفييتي ميروسلاف ستوبار، ما يعني توقُّف اللعب، وعدم وجود ضرورة لمنع جيريس من الوصول لشباك الفريق.
في تلك الأثناء، هرع الأمير فهد الجابر إلى أرضية الملعب في مشهد سيريالي، مطالبًا الحكم بالتراجع عن قراره باحتساب الهدف الظالم ضد فريقه، مهددًا بالانسحاب من المباراة.
بعد أخذ ورد، استجاب الحكم السوفييتي لمطالب الأمير فهد، واستؤنفت المباراة بعد دقائق وسط سخط من لاعبي وإداريي المنتخب الفرنسي. قبل أن تنتهي المباراة بأربعة أهداف مقابل هدفٍ واحد.
حقيقةً، لم تنجح الكتيبة الكويتية من حفظ ماء الوجه بالمباراة المتبقية أمام إنجلترا، حيث خسرت مجددًا بهدف نظيف، لتخرج من المنافسات خالية الوفاض.
ربما لم يقدر لمشاركة منتخب الكويت الوحيدة في كأس العالم أن تسير بشكلٍ جيد، وهو ما يمكن تفهمه بسبب فارق الإرث الكروي بين البلد الخليجي ومنافسيه الأوروبيين. ومع ذلك، اختزال قصة الجيل الذهبي في مشهد اعتراض من أحد مسؤوليه يعد إلا محاولة مقصودة لتقزيم مجهودات رجُل حاول بشتى الطرق أن يبني جيلًا قادرًا على مقارعة الكبار.
المصادر:
١- اقتحام الأمير فهد أرض الملعب أثناء مباراة فرنسا ضد الكويت.
٢-قصة سقوط منتخب الكويت أمام فرنسا.
٣-كيف كانت مشاركة منتخب الكويت الوحيد في كأس العالم؟