تكتظ معظم ثقافات العالم ببعض الأمثال الشعبية التي انتشرت بآونة ما، تعليقًا على حدث بعينه قد اجتمع حوله فئة من البشر، ثم تناقلته الأجيال تباعا للاستشهاد به خلال المواقف المشابهة من حيث المضمون، وهذا ما يمكننا تعريفه بالمثل.
فالمثل هو أشبه بحكمة دنيوية خرجت عن أحد البشر في موقف ما ربما لا يستدعي الحكمة من الأساس، أما عن تعريف المثل اصطلاحا فهو قسم من الحكم، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها، ثمّ يتداولها الناس في غير واحدة من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.
ربما تمتلك الثقافة العربية والمصرية تحديدًا مخزونًا هائلًا من الأمثال التي لربما لعبت دورًا رئيسيا في تشكيل وعي أجيال كاملة نشأت بهذه المنطقة من العالم، حيث تتم معاملة الأمثال في الوطن العربي كدستور غير مكتوب، يوضح بعض أنماط الحياة التي يجب أن يتبعها البشر عند تعرضهم لمواقف حياتية مختلفة.
مصانع الحداد.. أمثال شعبية
بداية، النطق الصحيح لذلك المثل هو “بينهم ما صنع الحداد” لكن المثل قد تم اجتزاء بعض أحرفه كي يتناسب مع سرعة إلقائه على آذان المستمعين.
تعود القصة إلى رجل عربي متزوج، كان يسكن رفقة ابنه وزوجته بخيمة في الصحراء، في حين كان يعاني هذا الرجل من ثرثرة زوجته المستمرة ولسانها السليط، وفي يوم من الأيام، كان قد قرر أن يلجأ للحل الأخير، فوقف أمام الخيمة صارخًا “بيني وبينك ما صنع الحداد” ثم رحل. بالتأكيد لم تفهم الزوجة ما كان يقصده الرجل الغاضب، وعقب مرور الساعات كان قد عاد إلى الخيمة حاملا لفة بها قرص من الحديد، كما كان ممسكا بعصا طويلة.
أمر الرجل نجله بأن يستمر في الطرق على القرص الحديدي باستخدام العصا ليحدث ضجيجًا، في حين ظل يبتعد الزوج عن الخيمة وصوت الطرق إلى أن وصل إلى نقطة ما حيث لا يمكنه سماع صوت الطرق العالي، عندئذ قرر أن ينصب له خيمة في تلك النقطة، لأنه بذلك قد ابتعد عن لسان زوجته السليط، بل ابتعد كفاية عن الضجيج الذي يصدره ما صنع الحدّاد.
“اللي ميعرفش يقول عدس”
يستخدم هذا المثل عادةً، عندما يشعر شخص ما بأنه محاط بعدد من البشر الذين يتحدثون عن أي موضوع بجهل تام يمنعه حتى عن بذل أي جهد لتوضيح الصواب من الخطأ لهم، لأنه يعتبر ذلك مضيعة للوقت.
يعود الأصل في ذلك المثل إلى تاجر كان يمتلك دكانا يبيع به الحبوب مثل الفول، الذرة والعدس. ذات يوم وجد الرجل بأنه يجب عليه أن يذهب ليشتري المزيد من البضاعة للدكان قبل أن تنفد، فلم يكن منه سوى أن يترك الدكان تحت مراقبة زوجته إلى أن يعود سالمًا. عند عودته، تفاجأ الرجل بوجود شاب غريب داخل الدكان، فاندفع نحوه كي يمسك به، فركض الشاب مسرعًا يحاول الهروب، قبل أن يتعثر بأحد “أشولة” العدس، ليمسك به صاحب الدكان أخيرًا.
اجتمع العامة أمام الدكان يطالبون الرجل بأن يترك الشاب لأنه لم يقترف ذنبًا كبيرًا، لأنهم ظنوا أنه كان يحاول أن يسرق شوال العدس وحسب، ليقول الرجل المصدوم الجملة التي ظلت صامدة عبر السنوات.. “اللي ميعرفش يقول عدس”.
“هي كوسة”
يخرج هذا التعبير دومًا حينما يشعر أحد الأشخاص بأن هنالك من يحظى بمعاملة خاصة على حسابه، سواء في المؤسسات الحكومية أو في أي مكان آخر للتعبير عن التذمر.، في حين يرجع الأصل في ذلك المثل إلى عصر المماليك، حيث كان من المعتاد أن تغلق أبواب المدينة بأكملها عند حلول الليل، فكان ذلك يجعل التجار الراغبين في البيع والشراء ينتظرون حتى طلوع النهار مع بضائعهم حتى تفتح الأبواب مجددًا، إلا أن تجار الـ”كوسة” كانوا قد حصلوا على استثناء خاص لعبور بوابات المدينة ليلا لأن الكوسة سريعة التلف. وعندما طبقت فكرة السماح لتجار الكوسة بالعبور لأول مرّة، صرخ أحد تجار البضائع الأخرى معربًا عن غضبه قائلا.. “آه ما هي كوسة بقى”.
حسبة برما
يعود المثل إلى قرية تحمل اسم برما وتبعد حوالي 12 كيلومترا عن طنطا التابعة جغرافيا لمحافظة الغربية في مصر. في يوم ما، وبالقرب من محطة القطار، اصطدم شاب بسيدة تحمل قفصا من البيض على رأسها، الأمر الذي انتهى بسقوط القفص على الأرض وتكسير البيض تماما، حقيقةً، أراد الشاب أن يعوض السيدة عن البيض الذي تسبب لها في كسره، فسألها عن عدد البيض الذي كان بداخل القفص.
فأجابت: “لو أحصيتم البيض بالثلاثة لتبقى بيضة، وبالأربعة تبقى بيضة، وبالخمسة تبقى بيضة، وبالستة تبقى بيضة، ولو أحصيتموه بالسبعة فلا يتبقى شيء”.
بعد مشاورة عديد من المارّة، وبعد حسابات معقدة، توصل الشاب أخيرًا إلى أن القفص كان به 301 بيضة، ومن هنا تم استخدام المثل بالمواقف المشابهة، عندما يجد الإنسان نفسه في موقف يتطلب منه إجراء عديد العمليات الحسابية الصعبة.