تتعدد الاختراعات التي يمكنها تغيير حياة البشر للأفضل، إلا أن أعظمها هو ما ينجح في إنقاذ الحياة من الأساس، مثلما فعل نيلز بولين، العالم الملهم صاحب ابتكار حزام الأمان ثلاثي النقاط، فكيف كانت رحلة نجاح هذا المبتكر السويدي؟
نشأة نيلز بولين
ولد نيلز بولين في مدينة هارنوساند السويدية، في السابع عشر من شهر يوليو من سنة 1920، حيث بدا مهتمًا منذ الصغر بدراسة المجالات العلمية، حتى التحق بكلية الهندسة، وحاز على درجة البكالريوس في مجال الهندسة التقنية تحديدًا، وهو لم يكمل عامه التاسع عشر.
لم يكن بداية نيلز بولين كما هو متوقع في عالم السيارات، بل من خلال إحدى شركات تصميم الطائرات، إلا أن تألقه الوظيفي بدا ملحوظًا مع تطويره المميز لفكرة مقعد القذف، والذي يساهم في إنقاذ حياة قائد الطائرة الحربية إن تعرضت للأذى، عبر دفعه للخروج منها.
انضم نيلز بولين بعد عدد من السنوات لشركة فولفو الشهيرة للسيارات، حيث عمل فيها كمهندس للسلامة في البداية، قبل أن يتقلد منصب مدير السلامة، ويبدأ في البحث بشغف عن أكثر الطرق والوسائل المبتكرة من أجل حماية المستخدمين من مخاطر حوادث الطرق.
“اقرأ أيضًا: وفاة أدولف هتلر.. وهل هرب الزعيم النازي حقا؟”
تطوير حزام الأمان
صار خفض أعداد الإصابات والوفيات الناجمة عن حوادث السيارات، هو الشغل الشاغل للعالم والمدير في شركة فولفو، نيلز بولين، حيث بحث عما يمكن إضافته للعربات أملًا في حماية مستخدميها قدر الإمكان، حتى توصل إلى حل ربما لم يخطر على بال الكثيرين.
بدا الحل من وجهة نظر نيلز بولين، هو تطوير حزام الأمان الذي كان موجودًا بالفعل ولكن ليس بالشكل أو الكفاءة المطلوبة، إذ كان ثنائي النقاط، ويمكن لفه حول الحجر فقط، الأمر الذي يعني عدم قدرة هذا الحزام قديم الطراز على حماية الرأس أو الصدر أو العمود الفقري عند وقوع حوادث الاصطدام العنيفة.
كذلك لم يتمتع حزام الأمان التقليدي بدرجة المرونة التي تشعر ركاب السيارات بالراحة وتمنحهم الحماية في الوقت نفسه، لذلك كان المعتاد أن يتجاهل المستخدمون ارتداء الحزام قبل انطلاق السيارات ليصبح وجوده بلا أي قيمة.
جاء نيلز بولين بأفكاره الجديدة من أجل تطوير حزام الأمان، ليلفت انتباه المسؤولين في شركة فولفو، وفي مقدمتهم المدير التنفيذي غونار إنجيلاو، والذي سبق وأن لقي أحد أقاربه حتفه في حادث سيارة، ما حفزه على دعم أفكار نيلز، في ابتكار حزام أمان أكثر قدرة على الحماية والراحة لمستخدميه.
اختراع نيلز بولين المثالي
مرت الأشهر سريعًا حتى كشف نيلز بولين عن ابتكاره للنور، والذي اكتشف الجميع أنه صار أكثر سيطرة على أجسام مستخدمي السيارات، كي يحميهم من خطر الاصطدام العنيف عند وقوع الحوادث، ليبقى حزام الأمان المطور هو الحل الأمثل والأبسط القادر على إنقاذ حياة البشر في الوقت المناسب، إلا أن الأمور لم تسر بالسهولة المتوقعة رغم ذلك.
تطلب الأمر ما يزيد على 6 سنوات كاملة من الدعاية والترويج، من أجل إقناع ركاب السيارات بالاستعانة بحزام نيل بولين المطور للأمان، ما يكشف هنا عن أن النجاح الذي أتي لاحقًا لم يحدث بين ليلة وضحاها، خاصة وأن شركة فولفو أنفقت الملايين من أجل إجراء الأبحاث وإقامة الاختبارات للتأكد من جودة حزام الأمان.
بدا ابتكار نيلز بولين لحزام الأمان المطور مثمرًا، مع ملاحظة الأرقام المتصاعدة والخاصة بنسب استخدام أحزمة الأمان في السويد، حيث أشارت الإحصاءات الرسمية إلى أن 25% من ركاب السيارات هم فقط من كانوا يعتمدون على الأحزمة في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تتخطى النسبة المذكورة حاجز الـ90% بعد مرور سنوات قليلة، وتحديدًا في منتصف السبعينيات.
تحول نيلز بولين في أعين البشر من مبتكر ومطور ذكي إلى عالم ملهم، مع قراره الاستثنائي بإتاحة الفرصة لشركات السيارات الأخرى، من أجل الحصول على تصميم حزام أمان فولفو الخاص به مجانًا ودون دفع أي تكاليف.
اقرأ أيضًا: «تأثير مانديلا».. وكيف يشترك الملايين في ذكريات كاذبة؟
انتشار ملفت لابتكار ملهم
انتشر حزام الأمان المريح والمثالي بشكل غير مسبوق في السنوات التالية، ليحصل نيلز بولين على التقدير المعنوي الذي يستحقه، في ظل نجاحه في حماية مستخدمي السيارات من أشرس الإصابات، ما أكده تقرير شركة فولفو الذي لفت الانتباه إلى انخفاض حاد في أعداد الإصابات والوفيات بعد تطوير حزام أمانها، وبنسبة وصلت إلى 75%.
أدرك أصحاب القرار والمسؤولون في شتى دول العالم، أهمية الاستعانة بابتكار نيلز بولين المطور، لذا بات من المفترض على مستخدمي السيارات أن يستعينوا بحزام أمان فولفو المطور، وهو الأمر الذي كشف عن نتائج مثمرة وملهمة بحق، إذ أشارت الإحصاءات إلى أن ابتكار بولين نجح في إنقاذ حياة أكثر من مليون شخص على مدار 4 عقود كاملة.
كذلك ألمحت إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن حزام الأمان المطور بات هو سر نجاة الآلاف من ركاب السيارات من الموت بصفة سنوية، في إشارة إلى أن حوالي 11 ألف شخص نجوا من الموت المحقق بعد التعرض لحوادث السيارات، والفضل يعود -بعد الله- لحزام الأمان.
من التزام قانوني إلى عادة صحية
يرى الخبراء والباحثون أن الملهم حقًا في ابتكار نيلز بولين، هو أنه تحول بفكرة ارتداء حزام الأمان من جانب المواطنين العاديين، من مجرد التزام بالقواعد والقوانين بغرض تجنب الغرامات المالية والعقوبات بأنواعها المختلفة، إلى عادة سلوكية صحية تمامًا.
بات الشخص العادي حريصًا في أغلب دول العالم على ارتداء حزام الأمان عند ركوب السيارة، حرصًا على حياته وليس تخوفًا من القانون كما كان يحدث من قبل، مع الوضع في الاعتبار أن نسبة ليست قليلة من البشر لا تزال غير مؤمنة بأهمية حزام الأمان، رغم أنه قد ساهم بالأرقام في إنقاذ حياة الملايين من البشر.
في كل الأحوال، بدا الخبراء والمسؤولون مهتمين بتقدير جهود نيلز بولين، والذي ما أن تقاعد عن العمل، حتى قامت إدارة سلامة المرور الوطنية في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن بتكريمه، قبل أن يحصل على عدد من الميداليات الشرفية عالية القيمة، والتي ربما تعد أبرزها تلك التي حصل عليها من الأكاديمية الملكية للعلوم، نظرًا لأنها من دولته السويد.
رحل نيلز بولين عن عالمنا في الأيام الأخيرة من عام 2002 في بلاده، عن عمر يقارب الـ82، وبعد رحلة طويلة من الاختراعات والابتكارات، التي ظلت تحمل أكثر الأهداف نبلًا، حتى بقيت في ذاكرة الجميع باعتبارها كانت وما زالت تنقذ حياة الملايين من البشر دون توقف.