كتب – هاني كمال
استفاق من نومه على وكز خفيف.. أحسه ما بين النوم والوعى.. ثم استحال الوكز إلى دفع في الكتف.. انتفض على صوت:
– الآخر يا أستاذ لازم تنزل
– حاضر
قالها ونظر حوله في ذهول.. أين أنا.. ولماذا أنا هنا.. ومتى ركبت.. وكم ركبت.. أسئلة كثيرة دارت في رأسه وهو حائر.. سائر.. أناس كثيرون يسيرون بجانبه.. البعض أيضا يسبقه.. وآخرون تخلفوا.. أين أنا.. قالها لنفسه.. أخذ يتذكر ما مر به قبل أن يركب الحافلة.. لا شيء يتذكره.. إلى أين كنت ذاهبا.. لا يدري
أخذ في السير وإن حث الخطا قليلا لعله يدرك بغيته.. ولكن فجأة انتبه.. لماذا تسرع.. إلى أين أنت ذاهب.. أبطأ قليلا.. ثم أبطأ أكثر.. ثم توقف.. وجلس
– فلتعرف أولا إلى أين أنت ماض.. ومن أي ماض جئت..
لم يصل لشيء بعد جهد مضن.. فقرر أن يترك كل هذا جانبا وليبدأ من الأول.. ليضع خطة.. أخذ يستحضر الخطط التي فكر فيها استعرضها امامه.. جنّب ما رآه بغيضا.. حسّن ما رآه ضعيفا.. وأعجب بما رآه حسنا ,, أيهما أختار.. الخطة لابد لها من هدف.. ما هو هدفي في هذه اللحظة.. في هذه المرحلة.. لا أعرف.. فلأضع هدفا.. ثم أختار له خطة ومن ثم أنفذها.. الهدف يحتاج حاجة.. لا أدري حاجتي الآن.. فلأبحث عن حاجتي.. ماذا أحتاج.. ماذا أحتاج.. الحاجة تبدعها معضلة.. ما المعضلة التي هي أمامي الآن.. ما المعضلة.. ما المعضلة.. المعضلة توجدها الأحداث.. لابد من حدث.. لابد.. نظر حوله.. أين أنا.. وكيف أوجد حدثا يضع معضلة.. تتطلب حاجة.. توجد هدفا.. أنتقي له خطة.. ما هذا العبث.. أسرع الوقت يمر والليل يزحف.. والحافلات ستمضي بلا عودة لا محالة.. أسرع.. أسرع إلى أين..
استدار إلى امرأة تسير بجانبه..
– أين نحن؟
– نعم؟
– أين أنت وأنا
– احترم نفسك.. لماذا ربطّنا في سؤالك؟
– الشارع ربطنا
– الشارع لأهل الشارع.. لأرباب الشوارع.. أنا أمر منه فقط
– إلى اين
– (نظرت له باستهانة وتركته وانصرفت)
تلفت حوله فاذا فتاة تسير بجدية حاملة كتب
– اسمحي لي.. أين نحن؟
– في الشارع
– أي شارع؟
– هذا الشارع
– ما اسمه
– لا أعرف.. أمر به فقط
– إلى اين
– احترم نفسك يا أستاذ وشوف وراك ايه؟
– هذه هي المشكلة.. معرفش ورايا إيه
– أنت فاضي بقى.. عن إذنك
استدار إلى الاتجاه المعاكس.. وجد رجلا مسنا.. يتكئ على عكازين
– عمي.. أين نحن
– في أعمارنا نطوي
– وإلى اين؟
– إلى مصير محتوم
– وكيف ولماذا لنا الارادة
– لنثبت أننا اخترنا الاختيار الصحيح
– وما هو الاختيار الصحيح..
– نسبي.. قل لي.. أأنت تائه؟
– نعم
– لا تعلم من أين جئت وإلى أين أنت ماض؟
– نعم
– كم لبثت على هذا الحال؟
– لا أدري
– كم تريد أن تلبث؟
– لا يد لي في ذلك
– اعلم يا بني أنك ماض إلى زوال لا محالة.. وأنك عابر إلى نهايتك لا مفر.. ولكن إن أنت وضعت خاتمتك.. اتجهت اليها.. وإن أنت انسجمت مع حالك… ضللت.. ضع خاتمتك أولا ثم اتجه.. ولتعلم أن نهاية الطريق ليست بالضرورة نهايتك..
– لا أفهم كثيرا مما تقول.. ولكن على أي معايير أضع خاتمتي؟
– على قدر طاقتك
– وكيف أعرف طاقتي..
– قد علمتها.. بما أنك تسير.. ترى.. تتكلم.. تستمع.. تفهم.. فقد تحددت لك طاقتك.. ولتعلم أنك مفطور على الصواب.. فان أنت استشعرته في نفسك.. سرت إليه على قدر طاقتك.. وإن أنت أهملته.. وتناسيته.. سرت أيضا على قدر طاقتك ولكن في اتجاه خاطئ.. فاذهب بني.. وابحث أولا عن نفسك.. هل هي معك.. أم أنك تركتها دون أن تدري في خضم عبثك.
ذهب إلى الحافلة مرة أخرى.. رآه الرجل..
– أنت مرة أخرى؟ إلى أين؟
– إليّ
– هذه الحافلة لن تسير بك مرة أخرى.
– لا أبغي الحافلة.. وانما أنا هنا لالتقط أنفاسي.. أراك حيث لم نر.