كتب – وسام سعيد
وضعت كاميرا “سمير سيف” فيلم “المشبوه” في أرفف وسجلات المكتبة السينمائية العربية كواحد من أروع أفلام الأكشن إن لم يكن أفضلها.
وإذا كانت نجومية “عادل إمام” اللامحدودة والمتصاعدة بقوة وقتها خارج إطار المنافسة، وتمثل وحدها عنصر نجاح لأي فيلم، فالمشبوه يمثل إضافة حقيقية له، وقفزة كبيرة في إطار صراعه غير المعلن مع النجم الراحل “أحمد زكى”.
فلا يستطيع إتقان وأداء “ماهر النمر” إلا عادل إمام وحده، ولكن ثمة طرح آخر، وتصنيف مختلف للنجومية يفرض نفسه حينما نتذكر فيلم بقوة وشعبية “المشبوه”.
هذا التصنيف يخصص مقعدين خلف عادل إمام بخطوة ليست ببعيدة، أحدهما للموسيقار هاني شنودة والآخر للمقدم طارق الروبي أو “فاروق الفيشاوي”.
هُنا هاني شنودة
جميعنا يعرف أن هاني شنودة ليس موسيقارا .. لكنه روح تسيطر وتسكن الآلات الموسيقية الواقعة في نطاقه، فتتحدث وتتكلم وتتحاور مع بعضها بلغتها الخاصة، فـ”أورج” هاني شنودة مثلاً يتكلم ويفصح عن رأسه وما يدور فيها… ولا يتداخل معه الـ”الدرامز” إلا ليقول شيئا وليس لمجرد توزيع الموسيقى.
وعلى هذا المنحى فكل مقطوعات الموسيقى التصويرية لـ”شنودة” في كفة، وموسيقى فيلم المشبوه في كفة، وقد أسهب هو نفسه في شرح مضمون وفحوى هذه المقطوعة وكيف عبرت عن القصة، وحكت مأساة اللص التائب وتقلبه بين الحلال والحرام، وبين الشقاء والسعادة.
قد تكون هناك كيمياء خاصة بين هاني شنودة وعادل إمام، لأنها ليست صدفة أن تكون موسيقى فيلم “الحريف” و”عصابة حمادة وتوتو” و”شمس الزناتي” جميعها تستقر في الذهن فور سماعها، وتعبر بنجاح عن الحالة الروائية للفيلم. لكن تظل لموسيقى المشبوه داخل الفيلم طعم خاص مختلف عن كل أعمالهما المشتركة.
دقق في مشهد المطاردة الشهير بين عادل إمام وبين الضابط طارق الروبي، واستمع لدويتو بين الطبلة والأورج فقط، يدخلك في حماس المشهد، وتكتشف مع الوقت بأنك تتنفس بسرعة مع “المزيكا” كأنك تجرى بجانب ماهر النمر!!
ودقق أيضاً في مشهد عادل إمام وهو يداعب طفله فوق رصيف ميناء بورسعيد، واستمع للموسيقى الرشيقة الخفيفة التي تعبر عن طرافة الموقف، وترسم حالة الأمان والدفء التي تعيشها الأسرة، وعبقرية اللقطة الموسيقية في نهايتها حيث انتهت بصافرة السفينة وكأنها جزء منها.
وتأمل مشهد عملية السطو للرباعي المجرم، ستجد “مزيكا” بطلها الأساسي هو الجيتار وبعض دقات الأورج الخفيفة في الخلفية، فتبعث داخل قلبك الخوف والترقب مما سيحدث.
هكذا كان هاني شنودة يفكر ويتكلم في فيلم المشبوه، فكان حضوره جزءا من الحالة الفنية للفيلم، وإذا أغمضت عينك لحظة وأنت تفكر في فيلم المشبوه وسألك أحدهم ماذا رأيت في خيالك فستجيب فوراً : “عادل إمام”، فيطلب منك ثانية أن تغمض عينيك وتدقق فيما ترى، فستجيب: عادل إمام أيضا ولكن في الخلف يبدو هاني شنودة.
طارق الروبي وضربة النهاية
لماذا اختار “سمير سيف” أن تكون ضربة النهاية، وطلقة الرصاصة الأخيرة من خلال فاروق الفيشاوي “الضابط طارق الروبي”، وليس بيد بطل الفيلم وصاحب “السوكسيه” عادل إمام؟!
هذا السؤال جال في أذهان عشاق فيلم “المشبوه” كثيراً، لكن المبرر المنطقي والبديهي هو أن “طبنجة” الضابط والتي بنيت عليها أحداث الفيلم، هي التي قتلت “علي الشريف” وبالتالي أعادت الطفل لأبيه، وجعلت للضابط جميلاً وفضلاً على ماهر النمر، بعد أن كان سبباً في عودته إلى حياة الجريمة مرة أخرى.
لعل هناك سببا آخر، جعل سمير سيف يضع فاروق الفيشاوي في تناطح مع عادل إمام على مشهد النهاية، فربما كانت هيئة الضابط القوي المتجبر التي بدأ بها “الفيشاوى” الفيلم، ثم أتبعها بضربه لعادل إمام وهو من هو في عالم النجومية وقتها عاملاً كبيراً في وجود عدد لا بأس به من المعجبين بالدور داخل قاعات العرض، ومن اعتبروا طارق الروبي وطبنجته”، وطريقة تصويبه على الهدف من خلال إمساكه بكلتا يديه كلها سمات جذابة في بطل أكشن يثير الإعجاب ويملأ العين.
ومن الأدلة الظاهرة على حضور الفيشاوي الطاغي في هذا الدور هو آخر لقطات الفيلم حينما وقف في المواجهة النجمان برفقة الكبيرة سعاد حسنى، ففي هذه اللقطة تنسى أنك أمام سعاد حسنى بتاريخها الكبير ونجوميتها الطاغية، ويتوجه تركيزك مع حوار ملامح الوجه بين ماهر النمر وطارق الروبي.
شكراً لعادل إمام وهاني شنودة وفاروق الفيشاوى …فهؤلاء من صناع ذكريات طفولتنا الدافئة، وألعابنا القديمة في البلكونة والشارع والحديقة، حينما يتقمص أحدنا دور “ماهر النمر“ بـ تي شيرته الضيق وبنطلونه الجينز وقبضته الحديدية، ويتقمص الآخر دور “طارق الروبي“ بطبنجته الشهيرة وحزامها الملفوف حول كتفه.