يربط الكثيرون بين أوقات الفراغ وبين الراحة السلبية التي لا يمارس فيها الإنسان أي نشاط، وهو اعتقاد صحيح ولكن ليس في كل الأوقات، وخاصةً حينما يخص الأمر وقت الفراغ عند الأطفال، والذي يؤدي استثماره بصورة جيدة إلى تطوير عقولهم الصغيرة بدرجة لا تصدق.
أهمية وقت الفراغ عند الأطفال
تتعدد المكاسب واضحة الملامح والتي تظهر عند استغلال وقت الفراغ عند الأطفال بدرجة متوازنة، يحرص خلالها الأبوان على إعطاء الطفل مساحة كافية من الراحة، مع توجيهه إلى بعض النشاطات المفيدة التي يمكن ممارستها في الأوقات الخالية من المسئوليات، ليبرز ذلك الفوائد التالية لوقت الفراغ عند الأطفال.
الاسترخاء
هي الفائدة الأولى والمباشرة والتي تخص أوقات الفراغ عند الأطفال، فبينما يؤدي طول فترات الراحة إلى الملل أو إلى زيادة فرص ممارسة بعض النشاطات الخاطئة، فإن ملء وقت الطفل بالمسؤوليات ليس هو الخيار الأصوب أيضًا، بل يتطلب الأمر التوازن والتأكد أن مجرد استرخاء الطفل يعتبر من المكاسب في بعض الأوقات.
التفكير
بينما يواجه الطفل ومهما كان عمره بعض التحديات القوية بالنسبة إليه، مثل ضرورة المذاكرة وتجاوز الاختبارات الدراسية والتعامل مع الأطفال من نفس السن وربما مواجهة أمور مزعجة مثل التنمر، فإنه يبدو بحاجة ماسة إلى أوقات الفراغ من أجل مجرد التفكير في كيفية إدارة أزماته الخاصة، إذ يؤدي منح الطفل الوقت لتأمل شؤونه الخاصة إلى تحفيزه على التكلم فيما بعد مع المقربين منه على مشكلاته.
إطلاق الخيال
لا يمكن التقليل من أهمية وقت الفراغ عند الأطفال، وحتى إن تم استثمار بعض منه في تنمية خيال الطفل، حيث يحدث ذلك مع تحفيزه على التفكير في أمور مستقبلية، كي يبدأ بنفسه لاحقًا في تحديد الخيارات الأنسب له، وهو الأمر الذي يمكنه الحدوث بأي حال من الأحوال إن كان الطفل مشغولًا طوال الوقت.
اللعب
على الرغم من أن شغل وقت الفراغ عند الأطفال بالنشاطات التعليمية أو حتى النقاشات العائلية يبدو ضروريًا، فإن ترك المساحة الكافية للطفل من أجل ممارسة الألعاب مع الأطفال الآخرين يعبر عن إحدى أبرز فوائد أوقات الفراغ، إذ لا يساهم ذلك فقط في الترفيه عن الصغار وتقليل مشاعر التوتر التي تسيطر عليهم أحيانًا كالبالغين، بل يؤدي أيضًا إلى زيادة فرصهم في تكوين علاقات صداقة مع غيرهم، لتتمثل النتيجة المؤكدة هنا في تطوير المهارات الاجتماعية لدى الأطفال في سن مبكر.
ممارسة الهوايات
وهل هناك ما هو أفضل من استغلال وقت الفراغ عند الأطفال في تعويدهم على ممارسة هواياتهم المفضلة، والتي يمكنهم اختيارها بأنفسهم دون تدخل من أي شخص؟ فبينما يمنح الوقت الخالي من المسؤوليات البالغين أنفسهم فرص الترفيه عن النفس والتطوير من مهاراتهم في هواية ما، فإن الأمر ينطبق بشدة على الطفل الصغير، والذي ربما ينجح بمرور الوقت إن وجد التشجيع والتوجيه دون إلزام، في تحويل هوايته المفضلة إلى وسيلة لكسب المال عند البلوغ.
تعلم اتخاذ القرار
يرى خبراء علم النفس أن الفائدة الأبرز من وراء ترك الفرصة للطفل من أجل تحديد كيفية ملء وقت فراغه، تتمثل في تعويده على التفكير في أموره الخاصة بشكل استقلالي، قبل أن يتخذ القرار الذي لن يتحمله غيره فيما بعد، من هنا يبدو تخطيط الأبوين لأوقات فراغ الأطفال بشكل كامل من القرارات غير المطلوبة، والتي تحرم الطفل من فرصة انتقاء ما يناسبه من ناحية، فيما تمنعه من استغلال فرصة تطوير قدرته على اتخاذ القرارات أيضًا.
طرق استغلال وقت الفراغ عند الأطفال
إن بدت النقاط السابقة كافية من أجل التأكيد على أهمية وقت الفراغ عند الأطفال، فإن النقاط التالية ربما تساعد كثيرًا في تحديد النشاطات الأنسب للطفل كي يستفيد حق الاستفادة من ساعات اليوم الخالية من المهام.
ممارسة الرياضة
هي الطريقة الأولى والمثالية والتي تكشف لنا ببساطة عن كيفية ملء وقت الفراغ عند الأطفال بأفضل شكل ممكن، حيث تمنح الرياضة بأنواعها المختلفة الفرصة للطفل من أجل تفريغ طاقته بصورة إيجابية، كما تساهم في تحسين جسمه بدرجة تؤثر أيضًا على عقله بالإيجاب.
علاوة على أن الرياضة لها دور بارز في تحسين الحالة النفسية للإنسان ووقايته من عادات كثيرة شديدة السوء، لذا يبقى إقناع الطفل بممارسة المجهودات البدنية ضروريًا مع منحه فرصة اختيار الرياضة الأنسب له، سواء كانت كرة القدم أو اليد أو أي من الألعاب الجماعية التي تطور من المهارات الاجتماعية لمن يمارسها، أو حتى الألعاب القتالية التي تزيد من قدراته الجسمانية وثقته في نفسه.
ممارسة الألعاب الذهنية
لا تقل الألعاب الذهنية أهمية عن الرياضة البدنية، حيث تزيد ألعاب مثل الشطرنج أو ألعاب الترتيب الأنسب للأطفال الأصغر سنًا أو حتى ألعاب ترفيهية تعتمد على البحث والتفكير كالغميضة أو الألغاز بأشكالها المختلفة، في تدريب العقل في مناخ ترفيهي بحت، ليصبح من الوارد أن ترتفع مستويات الذكاء لدى الأطفال عند اختيار اللعبة الذهنية المناسبة لكل مرحلة عمرية.
الرسم والقراءة
تتنوع الفوائد التي تتحقق بمرور الوقت، عند استغلال وقت الفراغ عند الأطفال في تعويدهم على القراءة أو الرسم أو أي من الهوايات القادرة على توسعة مداركهم وإمتاعهم في الوقت نفسه، إذ يبدو اعتياد الطفل من الصغر على مطالعة الكتب من أبسط وسائل تنمية الذكاء والعقل وزيادة ثقته بنفسه، تمامًا مثلما يمكن للرسم أن يزيد من قدراته الابتكارية ومن ثم الذهنية، مع الوضع في الاعتبار أن الأمر لا يتطلب إلزام الطفل بما لا يطيقه، بل يحتاج لدعمه نفسيًا من أجل تعويده على أي من الأمرين السابقين.
اختيار الهوايات
إلى جانب القراءة والرسم، تبدو الهوايات المفيدة والتي يمكنها ملء وقت الفراغ عند الأطفال بإيجابية لا حصر لها، فما بين تعلم الموسيقى التي ترفع من مستويات الذكاء أو ممارسة لعبة تحسن من ثقة الطفل بالنفس وغيرها من الهوايات، يصبح الطفل أفضل يومًا بعد الآخر حينما يجد هوايته المفضلة التي تصبح كالملاذ الآمن له حينما يظهر وقت الفراغ.
التحدث بحرية
إجراء نقاشات بين الأبوين والطفل يعتبر من أفضل ما يمكن القيام به، من أجل استغلال جزء من وقت الفراغ لديه، حينها يتعلم الطفل كيفية التعبير عن وجهات نظره بحرية شديدة، بل ويدرك الأبوان من خلال تلك الأوقات طريقة تفكير الطفل وما يشغل باله من أمور، إذ ربما تحتاج إلى التقييم أو التوجيه قبل فوات الأوان.
محظورات عند استغلال أوقات الفراغ عند الأطفال
تعد فوائد أوقات الفراغ عند الأطفال بلا حدود، لكنها قد تنقلب إلى مساوئ إن لم يتم الحرص على تجنب بعض المحظورات التالية.
الراحة بلا حدود
إن كان حصول الطفل على الراحة فحسب مطلوبًا أحيانًا، فإن ترك الحرية التامة للطفل دون توجيهه إلى بعض النشاطات التي قد يستغلها في أوقات فراغه، لن يمنحه فرصة الاستفادة من ساعات، وساعات تمر بلا هدف.
استخدام الأجهزة الإلكترونية
يدرك الكثيرون خطورة الأجهزة الإلكترونية كالهواتف على سبيل المثال لأوقات طويلة وعلى البالغين أنفسهم، لذا يبدو من المؤكد أن نظر الطفل لهاتفه الصغير أو حتى مشاهدته التلفاز في أغلب أوقات اليوم، لن يحقق له الفوائد المطلوبة بقدر ما قد يضره على الصعيد النفسي بمرور الوقت.
تحقيق الأهداف الشخصية بواسطة الطفل
يعد قيام الأب أو الأم بإلزام الطفل بممارسة هواية ما أو رياضة بعينها، نظرًا لأنها كانت المفضلة لدى أحدهما في مرحلة الطفولة، من أسوأ ما يقوم به البعض للأسف، إذ يأمل الأبوان أن يحقق هدفهما غير المحقق بطريقة خاطئة تمامًا، لأنها ببساطة قد لا تتناسب مع رغبات الطفل أو حتى إمكاناته العقلية، علاوة على أنها تحرمه من فرص الاختيار وبالتالي تمنعه من خوض تجربة اتخاذ القرارات في مناخ آمن.
إهمال الجانب الاجتماعي
بينما يعتبر استغلال وقت الفراغ عند الأطفال في تعويدهم على ممارسة هواية أو عادة مفيدة مثل القراءة والرسم مطلوبًا، فإنه ينصح بالحرص على عدم إهمال الجانب الاجتماعي الذي يحتاج الطفل لتعزيزه في المراحل المبكرة، عبر الانخراط في نشاطات جماعية مع الأطفال من نفس المرحلة العمرية، ليبقى التوازن بين أوقات الفراغ المستغلة في نشاطات فردية وأخرى جماعية هو الخيار الأصوب.
في كل الأحوال، يبدو وقت الفراغ عند الأطفال أشبه بسلاح ذي حدين، لذا ينصح بتعويد الطفل على استغلاله بصورة إيجابية عبر توجيهات الأبوين، مع التأكد من أن المبالغة سواء في ملء الوقت بالنشاطات أو تركه بلا تنظيم ليس هو أفضل ما يمكن تقديمه.