“المكان الذي تشرق منه الشمس” و”أرض الأحياء” و”أقدم حضارات الخليج”، هكذا وصف العلماء حضارة “دلمون” بدولة البحرين، والتي تعد من أقدم حضارات العالم، وتقع في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية.
وعلى الرغم من دمجها مع العديد من الحضارات القديمة التي تركت إرثا وتاريخا وشواهد عليها، إلا أنها لم تنل نصيبا من الشهرة، ولم يُعلم عن تاريخها الطويل وأهميتها إلا أقل القليل، لكنها أقل شهرة بكثير من المهود الأربعة لحضارة العالم القديم، أي بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة وحضارة وادي السند وحضارة النهر الأصفر، لتمثل بذلك لغزا من أهم الألغاز التاريخية بالعالم.
ويقف “قل ودل” هنا ليلقي نظرة على تلك الحضارة وأهم أسرارها، ليجيب عن كل ما لا تعرفه عن “دلمون البحرينية”.. “أقدم حضارات الخليج” و”أرض الأحياء”.
دلمون البحرينية.. روايات حول النشأة
تنفرد دلمون البحرينية بالروايات حول بدء قصتها ونشأتها، كما تنفرد بحضاراتها، ولأصل تاريخها روايتان، وتبقى أكثرهما انتشارا الحكاية الأولى التي تدور حول أنها حضارة أسطورية بالكامل، وتنبع من الأساطير السومرية التي تعرف دلمون على أنها أرض الآلهة، فضلا عن كونها في تلك الأسطورة الأرض المشرقة والنقية، حسبما جاء في موقع “عطلة” بالنسخة الإنجليزية.
وترجح القصة أن أرض دلمون كانت نموذجا للجنة التي لم تشهد مرضا أو موتا ولم يعان بها شخص لحظات مؤلمة، فضلا عن أرضها الغنية بمصادر مياه حولتها إلى حديقة سحرية للآلهة، وقوبلت تلك القصة بالتشكيك، حول أصل تلك الأسطورة ونسبها لجنة عدن.
بين الكويت أو العراق
ظل تحديد موقع دلمون لغزا من ألغاز تلك الحضارة في مجملها، وبالنظر إلى تكهنات العلماء الأوائل، التي رجحت وقوع دلمون بالقرب من الكويت، أو بشمال شرق المملكة العربية السعودية، أو بمدينة “القرنة” بالقرب من البصرة في العراق، وبالاستناد إلى الأدلة الأثرية، حدد موقع تلك الحضارة بالقرب من البحرين.
موقع استراتيجي ومركز تجاري
اتخذت حضارة الدلمون القديمة من “مملكة البحرين” عاصمة لها، وساعدها موقعها الاستراتيجي لتصبح مركزا هاما للتجارة في قديم الزمان، منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وحتى عام 800 قبل الميلاد، الأمر الذي مكنها من السيطرة على طرق التجارة في الخليج العربي حينها، واحتفظت بتلك المكانة حتى أول 300 عام من القرن الثاني، لتتصل بذلك مع اثنين من مهود الحضارات الأربع، وهما بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي السند.
7 مراحل على الجزيرة
في الموقع الذي تواجدت فيه “قلعة البحرين” بشمال غرب الجزيرة العربية، كان مقر العاصمة دلمون والميناء الرئيسي بها، ويُظهر هذا الموقع 7 مراحل مختلفة للحياة والاستيطان على الجزيرة، والتي يعود أقدمها لعام 2300 قبل الميلاد.
ويُذكر أن الموقع يضم برجا بحريا فريدا من نوعه، استخدم كفنار في قديم الزمان، ليكون بذلك النموذج المعماري المميز والوحيد من نوعه في الخليج.
قراصنة الخليج العربي
وظلت دلمون البحرينية في أوج قوتها، إلى أن بدأت تفقد مركزها بسبب انتشار القراصنة في الخليج العربي في الفترة ما بين عام 1000 وعام 800 قبل الميلاد.
اللؤلؤ والنحاس أبرز البضائع
كانت دلمون منبعا لتبادل البضائع، حتى وصفتها عدة مصادر تاريخية بأنها شريك تجاري، وتعددت نوعية البضائع التي ازدهرت تجارتها حينها، مثل الأخشاب القيمة والعاج والذهب واللؤلؤ المستخرج من الخليج العربي، فضلا عن الفضة والأقمشة وزيت الزيتون والحبوب وتجارة النحاس المستخرج من مناجم عمان.
الموازين والمكاييل المستخدمة
تمكن المؤرخون من التعرف على البلاد التي تبادلت العلاقات التجارية مع الدلمون، من خلال مقارنة الموازين والمكاييل المستخدمة في التجارة، ليتوصلوا إلى جسور التبادل التجاري بين الدلمون وبلاد ما بين النهرين وحضارة وادي السند.
حضارة دلمون الزراعية
يُقصر الناس حضارة الدلمون، على كونها مركزا تجاريا هاما، إلا أنها ذات حضارة زراعية بسبب وفرة المياه الارتوازية بها، كما وصفها النص السومري القديم، فزرعوا وحصدوا، فضلا عن كونها بلادا مزدهرة ومثمرة.
حياة ما بعد الموت
اعتقد شعوب الدلمون، في وجود حياة أخرى بعد الموت، كما احترموا وبجلوا الموتى، ودفنوهم على الطريقة الفرعونية بصحبة ممتلكاتهم الدنيوية، وبشكل يصون حرمة الموتى، وتمثلت أبرز مقتنياتهم التي دفنت معهم، في بعض الأدوات والأسلحة والطعام والشراب والذهب.
مدافن دلمون
بنيت تلال مدافن دلمون، بين عامي 2200 و1750 قبل الميلاد، وتحوي أكثر من 21 موقعا أثريا في الجزء الغربي من الجزيرة، و6 من تلك المواقع عبارة عن حقول وتلال تتراوح ما بين بضع عشرات إلى عدة آلاف من المدافن، على شكل أبراج أسطوانية منخفضة.
في الوقت الذي تضم فيه المواقع الـ15 الأخرى 17 تلا ملكيا، تم تشييدها كأبراج من طابقيين تستخدم كقبور، حسبما ذكر الموقع الرسمي لمنظمة “اليونسكو”.
مستوطنة سار القديمة
وبالحديث عن القبور، تضم مستوطنة سار القديمة منطقتين رئيسيتين، منها مدينة سكنية ومقبرة متاخمة لتلك المدينة حيث كان السكان يدفنون موتاهم، وتظهر جميع معالم المدنية الحديثة في تلك المستوطنة، إذ تضم المدينة بيوتا ومطاعم ومحلات تجارية ودور عبادة، فضلا عن التصميم المعقد والمتشابك للمقابر المجاورة للمدينة، وفقا لموقع “إنشنت أورجانز”.