طبقًا للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، فهنالك حوالي 800 نوع بري من النحل، 7 منها مصنفة على أنها مهددة بالانقراض، و24 معرضة للخطر، و101 نوع على وشك التهديد، وبغض النظر عن أن الأرقام شكليا لا تشير إلى خطر حقيقي على النحل كنوع، إلا أنها دون شك قد تخل بالنظام البيئي الذي يعتمد على النحل كأداة أساسية في عملية التلقيح.
عملية التلقيح هي عملية يقوم خلالها النحل بنقل حبوب اللقاح من نبات إلى آخر، لتخصيب النباتات حتى تتمكن من إنتاج الفاكهة والخضروات والبذور، ويشترك في هذه العملية مختلف أنواع النحل مثل نحل العسل والنحل الطنان والنحل المنفرد.
وحتى تدرك أهمية النحل في حد ذاته كقيمة ثابتة، يحب أن نحيطك علما، بأن ثلث عمليات تلقيح المحاصيل بالعالم هي حكر على نحل العسل فقط، بينما تسند مهمة تلقيح الثلثين الباقيين لعدة أنواع أخرى من النحل والحشرات مثل الفراشات والذباب الصغير.
مشكلة حقيقية
بذكر الحشرات، ودورها المؤثر في تلقيح المحاصيل، فليس فقط النحل هو ما يعاني خطر الانقراض، بل إن هنالك دراسة حديثة أثبتت أن 40% من أنواع الحشرات في طريقها أيضًا للانقراض، فهي -الحشرات- تواجه معدلات انقراض أعلى بـ8 أضعاف من الفقاريات، ففي ألمانيا فقط، سجلت خسائر تصل إلى 75% من الكتلة الحشرية بالمناطق المحمية هناك.
لذلك وبعد دراسات موسعة توقع العلماء أن ثلث الحشرات بالعالم قد تكون مهددة حاليا بالانقراض، وبتحويل هذه النسبة إلى رقم، يتضح أنها قد تصل إلى 2 مليون حشرة، بينما أشارت أيضًا التوقعات إلى أن هذا المعدل يرتفع بمقدار 100 ألف حشرة كل عام، حسب التقديرات المبدئية.
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حاول البعض إيجاد أسباب وأنماط منطقية لمعرفة أسباب التناقص المتسارع في أعداد الحشرات وخاصة النحل من العالم، وتم اختصار الأسباب في 3 أسباب رئيسية.
1- المفترسات
يرجح أن المتهم الأول في تهديد نوع نحل العسل هو بعض البكتيريا المسببة للأمراض والتي تعرف علميًا بـ”pathogens”، كما يضاف إليها ملام آخر وهو الدبور الآسيوي الذي انتشر مؤخرًا بأوروبا، والذي يعتبر النحل فريسته الأفضل حيث يمكن للدبور الواحد أن يقضي على خلية كاملة من النحل.
دون شك، كانت هذه الأنواع من المفترسات ومسببات الأمراض للنحل موجودة منذ قديم الأزل، لكن يعتقد أن السبب في فشل النحل مؤخرًا في التعايش معها هو تعرض النحل لمبيدات الآفات بشكل أكثر تكرارا عن فترات سابقة، الأمر الذي أضعف الجهاز المناعي للنحل بشكل واضح.
2- المبيدات
الآن يمكننا الإشارة إلى المتهم الثاني وهو المبيدات بأنواعها، فهنالك 3 أنواع رئيسية من المبيدات التي يستخدمها المزارعون لتحصين محاصيلهم وهي، المبيدات الحشرية (تستهدف الآفات الحشرية)، مبيدات الفطريات (تستهدف مسببات الفطريات الضارة)، ومبيدات الأعشاب (تستهدف الأعشاب الضارة).
كل هذه الأنواع من المبيدات تضر النحل بشكل مختلف عن الأخرى، فحتى وإن كانت المبيدات الحشرية أقل ضررًا بالنسبة للنحل، فمبيدات الأعشاب والتي تستخدم بشكل أكبر، تلحق الضرر ببعض النباتات التي يستخدمها النحل في الأساس كمصدر للتغذية.
لذلك توصي الجهات المتخصصة في الزراعة الصديقة للبيئة بزراعة شرائط من الزهور البرية على أطراف المحاصيل، من أجل توفير ملاذ آمن ومصدر غذاء للملقحات -النحل- إلا أن ذلك يبدو غير كافٍ، لأن السحب الناتجة عن رش المبيدات، تفسد الزهور البرية، وبدراسة الأضرار التي تنتج عن أحد تلك المبيدات واسعة الانتشار “glyphosate” اتضح أنها توثر على أمعاء النحل سلبا، ما قد يؤدي إلى آثار مدمرة على صحته، لذلك فإن آخر المقترحات هي أن تستخدم جميع أنواع المبيدات في أضيق الحدود الممكنة.
3- المناخ
يفضل النحل البري العيش في مناطق منخفضة الحرارة، لذلك مع مشكلة الاحتباس الحراري التي يعاني منها كوكب الأرض، يتكدس النحل داخل الخلايا في مناطق ذات حرارة مرتفعة، مقارنة بالتي من المفترض أن يعيش بها، بالتالي، تصبح المساحات المتاحة للعيش أقل، فيلجأ النحل للنزوح إلى مناطق أكثر ارتفاعا حيث يكون الجو أكثر اعتدالا.
ما علاقة ذلك بالإنسان؟
النظام الغذائي معقد ومترابط للغاية، وأي إخلال به يعني بدوره خللا جسيما بالنظام في العموم، وبما أن النحل خاصة، والحشرات الملقحة عامةً، تخطو خطوات سريعة نحو الانقراض، فذلك يعني بالتبعية تشوها في استقرار المحاصيل وأعدادها.
فطبقًا لنظرية “تأثير الفراشة” فأي متغير -ولو كان طفيفا- على معادلة، قد يؤول بنهاية المطاف إلى حدوث تغيير ضخم على المنتج النهائي، وبتطبيق هذه النظرية على الحالة الخاصة باحتمالية انقراض النحل، فذلك يعني أن المحاصيل لن تلقح، بالتالي لن تجد الحيوانات ما تتغذى عليه ما يعرضها أيضًا لخطر الانقراض، ثم يجد الإنسان نفسه معرضًا لعدم وجود المحاصيل الزراعية التي يقتات عليها، إضافة إلى احتمالية فقدانه لمصدر من مصادر الغذاء الخاص به وهي الحيوانات التي تضررت لنفس السبب.