هل سمعت يوما عن الإمام سحنون؟ يقول المالكي في كتابه (رياض النفوس ج 1): هو أبو سعيد عبدالسلام بن سعيد بن حبيب بن حسان بن هلال بن بكار بن ربيعة التنوخي المعروف بسحنون وهو لقب، أطلق عليه أساتذته هذا اللقب من صغره (وهو اسم طائر معروف بشدة الذكاء وحدة النظر) وهو يعد أكبر شخصية فقهية وعلمية ظهرت في تاريخ المغرب بصفة عامة وإفريقيا الإسلامية بصفة خاصة خلال العصور الوسطى.
قدم أبوه إلى إفريقيا مع جند حمص، ويعد الإمام سحنون أحد كبار علماء المذهب المالكي في إفريقيا، كما يعد علما من أعلام القضاة في تاريخ القضاء في العالم الإسلامي كله.
ملامح شخصية الإمام سحنون
ولد أبو سعيد في رمضان عام 160 هـ في مدينة القيروان في أسرة ميسورة الحال وقد ورث عن والده مالا وأرضا يسرت له طلب العلم، ويرجع أصله إلى بلاد الشام من أهل حمص وكانت قبيلته تنوخ من عرب الشام، قدم أبوه إلى إفريقيا مع جند حمص من العرب، وكان من أهل العلم.
وشب أبو سعيد وتلقى تعليمه الأولي بالكتاتيب مثل غيره من الصبيان في ذلك الوقت، وعندما شب ارتحل طلبا للمذهب المالكي على يد الإمام مالك في المدينة لكن الإمام مالك توفي وسحنون على أعتاب المدينة، فاضطر إلى الرحيل لمصر والتقى بتلاميذ الإمام مالك في مصر ودرس على يديهم وعلى رأسهم عبدالرحمن بن القاسم العتقي، وعبدالله بن وهب، ثم عاد إلى بلاده شيخا.
وقد وجد في إفريقيا عددا عظيما من العلماء والفقهاء والقضاة على رأسهم أسد بن الفرات تلميذ الإمام مالك، وأحمد بن محرز ومحمد بن أبي الجواد، وبدأ نشاطه في أيام زيادة الله بن إبراهيم الأغلبي، وجلس في جامع القيروان ينشر المذهب المالكي.
أهم ما تميز به الإمام سحنون
كان لنشأة وتربية سحنون أثر كبير في تكوين شخصيته التي تميزت بالصرامة والحزم والورع والتقوى والزهد وقوة الرأي، تنبأ له كبار الفقهاء والعلماء في القيروان بمستقبل باهر وخاصة الفقيه البهلول بن راشد وعلي بن زياد التونسي، أما فقهاء مصر فقد أعجبوا بشخصيته وعرض عليه الفقيه المصري المالكي عبدالرحمن بن القاسم (معلم سحنون الأول في الفقه المالكي في مصر) البقاء بمصر للدراسة والتدريس في آن واحد، لكن سحنون رفض وفضل الرجوع إلى وطنه.
وقد تعددت الأخبار والروايات عن صفات شخصية أبي سعيد، فقال عنه أبو العرب التميمي : “كان سحنون حافظا للعلم وفقيها، اجتمعت فيه صفات قلما اجتمعت في غيره من العلماء، فهو فقيه بارع، ورع صادق، يتميز بالصرامة في الحق، والزهادة في الدنيا، والتخشن في الملبس، والمطعم، وكان لا يقبل من السلاطين شيئا”.
موقف أبي سعيد من الأمراء الأغالبة
عاصر أبو سعيد 5 من أمراء الأغالبة هم إبراهيم بن الأغلب مؤسس إمارة الأغالبة، وأبو العباس عبدالله بن إبراهيم، وزيادة الله بن إبراهيم، وأبو عقال بن إبراهيم، وأبو العباس محمد بن إبراهيم.
ويذكر لنا ابن خلكان في (وفيات الأعيان ج1) أنه بدأ نجم سحنون يسطع في القيروان بعد عودته من رحلته من الشرق فكان يعقد مجالس المناظرات والمناقشات في جامع القيروان وكان يحضر مجلسه كبار العلماء، فتبين لأهل القيروان أن بينهم فقيها جليلا، واشتهر اسمه وبدأ عامة الشعب يترددون على مجالسه طالبين النصح والمشورة وأخذ طلاب العلم يتزودون بعلمه.
وكانت أخباره تصل إلى قصر أمراء الأغالبة أولا بأول، فازدادت مخاوفهم من الإمام سحنون، لأنه لم يتقرب منهم ولم يبحث عن مجاورتهم والجلوس في المناقشات التي كانت تعقد في قصور الأمراء، وقد وضع الأمير زيادة الله بن إبراهيم المصاعب في طريق الإمام ورفض أن يتولى رئاسة مشيخة أهل الفقه والعلم في بلاد إفريقية (منصب يوازي منصب شيخ الأزهر الآن).
وعندما بدأت محنة القرآن في الدولة الإسلامية واشتد خطرها وخاصة في عهد المعتصم بن هارون الرشيد، وكان وقتذاك الحاكم على إفريقيا أحمد بن الأغلب والذي أراد أن ينشر محنة القرآن بهدف التخلص من الفقهاء والعلماء المعارضين لسياسة الدولة، فجمع العلماء ومن بينهم سحنون وسأله عن القرآن فرد الإمام: تعلمت من العلماء أن القرآن كلام الله غير مخلوق، فغضب الأمير وحكم عليه قاضيه الخاص بأن سحنون قد كفر وحكم عليه بالقتل وعندما أخذه الحراس لتنفيذ الحكم وإذا بمنادٍ ينادي في المدينة أن أميركم قد مات، فنجى الإمام وعاش بعدها وقتا طويلا، قيل إنه توفي وقد تخطى الـ80 عاما.