هل تعرف قصة المرأة التي رفضت شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نعم حدث بالفعل ورفضت امرأة شفاعة النبي، إنها قصة عجيبة وقعت أحداثها في المدينة المنورة بعد الهجرة، في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بطلتها امرأة تدعى بريرة.
عرفت بريرة الإسلام واستنشقت عبقه منذ صغرها في عبوديتها، عاشت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تأكل من طعامه ويأكل من طعامها، وعطرت مسامعها بحديثه صلى الله عليه وسلم.
تُرى من هي بريرة وما قصتها؟ ولماذا رفضت شفاعته صلى الله عليه وسلم، وفي أي شيء كان صلى الله عليه وسلم يشفع؟ إليكم الإجابات نستعرضها معا في هذا المقال.
من هي بريرة؟
هي كما ذكر في «الطبقات الكبرى ج 8» لابن سعد، و«سير أعلام النبلاء» للحافظ الذهبي، و«الاستيعاب ج4» لابن عبد البر، الصحابية بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم، ولدت في قيد الرق وهي صغيرة وكانت جارية لقوم من الأنصار، عانت من قسوة العبودية منذ نعومة أظافرها.
زواج مغيث ببريرة
ذات يوم خرجت بريرة كعادتها تملأ جرة الماء من البئر، فأبصرها مغيث بن جحش عبد من عبيد آل أبي أحمد بن جحش فأسرع إليها يسألها من أهلها وأوليائها، وكان اللقاء بينهما قصيرا وتكرر، فقد رآها عند البئر وعند السوق وشغف بها مغيث شغفا ملأ قلبه، أما بريرة فلم يكن يشغل بالها غير حلم الحرية، ولم يخف مغيث إعجابه ببريرة، فأسرع إلى مولاه يطلب منه أن يزوجه إياها، فوافق وطلب يديها من أوليائها فوافقوا وحددوا موعد الزفاف، وتزوجت بريرة بمغيث ولم تكن نخفي عن زوجها أنها غير سعيدة في حياتها، لأنها تحلم بنسيم الحرية فكان يهون عليها بأن كل شي بقدر الله.
ومرت الأيام ورزقت بريرة بطفلها الأول، وازدادت تعاستها لأن ولدها ولد في الرق، فكانت دائما تدعوا له اللهم حرر رقبته من العبودية وذل الرق، وفي يوم طلبت من أوليائها أن تعمل خارج البيت ثم تأتي إليهم بالطعام وبعض الدراهم فقبلوا.
بريرة تتلمس نور الحرية
وأخذت تنتقل في الخدمة من بيت إلى آخر حتى استقرت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خدمة السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما ارتاحت، وذات يوم ذهبت بريرة لسيدها وطلبت منه مكاتبة إذا وفت بها تنال حريتها فطلب سيدها 9 أواق كل أوقية 40 درهمًا، ففرحت وأخبرت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) وعرضت عليها أن تشتريها فقالت أم المؤمنين عائشة إنها ستدفع ما اتفقوا عليه.
وفي الحال أسرعت بريرة إلى سيدها فوافق بشرط أن يكون الولاء له (أي كل ما تتركه من مال وميراث يكون له وحده لا يشاركه فيه أحد)، فرجعت إلى أم المؤمنين وأخبرتها بشرط وليها فردت السيدة عائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بالقرب منهما وهما يتحدثان، فقال: ما بال بريرة فأخبرته.
فقال: اشتريها فأعتقيها، ودعيهم فيشترطون ما شاؤوا، فاشترتها وأعتقتها، فقال: الولاء لمن أعتق، ولو اشترطوا 100 مرة، وقال: ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط 100 مرة، فشرط الله أحق وأوثق.
ففرحت بريرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأن السيدة أم المؤمنين عائشة سوف تشتريها وتعتقها، وحصلت بريرة على حريتها.
بريرة تختار الفراق
سألها النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجها هل ستظل معه وهو على حاله عبد أم الفراق؟ وقال أنت أولى بأمرك أن تكوني معه أو أن تبرئي منه، ما لم يطأك، فإن قاربك فلا خيار لك، واختارت بريرة الفراق وبرئت من زوجها، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم وقال للسيدة عائشة اجعلي عدتها عدة المطلقة الحرة، وعلم مغيث زوجها بالأمر وانطلق إلى بريرة يلومها على فراقها له، وسألها: هل كرهتنني؟ فقالت كرهت العبودية واخترت نفسي دون مخالفة شرع الله.
ظل مغيث يبكي فراق زوجته أياما، يتوسل إليها أن ترجع له لكنها كانت ترفض طلبه لأنها أصبحت حرة وهو ما زال في قيود العبودية.
بريرة ترفض شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
يحكي عبدالله بن عباس أن زوج بريرة كانَ عبدا يقَال له مغيث، كأني أْنظر إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ودُمُوعُهُ تَسِيلُ علَى لِحْيَتِهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبَّاسٍ: يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، ومِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو رَاجَعْتِهِ قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قالَ: إنَّما أنَا أشْفَعُ قالَتْ: لا حَاجَةَ لي فِيهِ.(صحيح البخاري)
وهكذا رفضت بريرة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعودة إلى مغيث، وعاشت بريرة حتى زمن عبدالملك بن مروان، الذي كان يجاذبها أطراف الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة وآل البيت.