يعد التطرق لنقاط ضعف الشخصية النرجسية أحد أكثر الملفات الشائكة بالنسبة لمن يعانون من ذلك الاضطراب، نظرًا لأن الشخص النرجسي يود دائمًا إخفاء أي نواقص بشخصيته، كي يتسنى له إظهار نفسه كشخص متفرد، لكن قبل أن نبرز هذه النقاط، علينا أولًا معرفة ماهية اضطراب الشخصية النرجسية.
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟
اضطراب الشخصية النرجسية هو أحد أنواع الاضطرابات التي تندرج تحت عنوان الحالات النفسية، ويشعر خلالها المصاب برغبة في تقدير من حوله له بشكل مبالغ به، حتى وإن حدث ذلك على حساب مصلحة ومشاعر الآخرين كما يظهر من يعانون هذا الاضطراب دائمًا في ثوب الواثقين من أنفسهم، لكنهم يخفون خلف هذا الرداء، ثقة هشة بالنفس، تجعلهم أقل تقبلًا للانتقادات.
عادة يعاني كل المحيطين بأصحاب الشخصية النرجسية من حياة مضطربة، نظرًا لأن الشخص النرجسي يفضل الدخول في الأزمات، التي قد تصل أحيانًا إلى إلحاق الضرر بالآخرين، أضف إلى ذلك عدم قدرته على التعاطف، أو الشعور بالندم إذا ما ألحق الضرر بالغير، لذلك يجب على الجميع إدراك أبرز نقاط ضعف الشخصية النرجسية من أجل تمييزه، والابتعاد عنه أو مواجهته بنرجسيته إن لزم الأمر.
أبرز نقاط ضعف الشخصية النرجسية
عادة تكون نقاط ضعف الشخصية النرجسية محاطة بغطاء زائف من القوة، تجعل الشخص النرجسي يظهر كشخص واثق من نفسه، على عكس حقيقته، لكن على أي حال، وكأي إنسان، يمتلك الشخص النرجسي نقاط ضعف كغيره من البشر، ويمكن أن نلخصها في التالي:
الخوف من الفشل في العلاقات الاجتماعية
يخشى الشخص النرجسي ابتعاد البشر من حوله، لأنه يتغذى على مدحهم له، ولكن لأنه غالبًا ما يكون متعجرفًا، يجعله ذلك عرضة للفشل في علاقاته الاجتماعية، وبالتالي خسارة الدافع الأساسي له بالحياة.
رفض المركز الثاني
لا يستطيع الشخص النرجسي تفهم إمكانية كونه صاحب المركز الثاني في أي شيء، بل يصدم حين يدرك أن هنالك من هو أفضل منه بأي مجال، وعند هذه اللحظة يصاب بالارتباك، لأنه يعتقد في قرارة نفسه أن عدم وصفه بالأفضل يعني أنه قليل الشأن بهذا العالم.
عدم استيعاب النقد
يعتقد النرجسي أن انتقاده هو رغبة من الغير في الطعن فيه، حتى وإن كان النقد بناءً، لذلك فعدم القدرة على تقبل النقد يعد نقطة ضعف الشخصية النرجسية الأكثر شيوعا بين كل المصابين بذلك الاضطراب، لأن وقعه عليه يكون ثقيلًا، بل يصيبه بالقلق والغضب لوقت طويل.
الانعزال عن الواقع
لا يستطيع النرجسي أن يرى نفسه من منظور الآخرين، لذلك فهو يعيش في حالة إنكار دائمة ومستمرة، حيث لا يمكنه تفهم أن لكل إنسان نقاط قوة وضعف، على العكس تمامًا، فهو يعتقد أن كل صفاته هي المثلى، وأن الآخرين دائمًا أقل شأنًا.
عدم القدرة على إظهار الامتنان
يعتقد المصاب باضطراب الشخصية النرجسية أنه محور الكون، لذلك يجب على الجميع تفضيله، وتقديره ومساعدته دون أن يكون مطالبًا بإظهار الامتنان وتقديم الشكر والعرفان لهذه الجهود التي يبذلها المحيطون به من أجل إرضائه.
الخوف من الموت
دون شك يخاف البشر جميعا من الموت، لكن هذا الشعور يتعالى في صدر النرجسي بشكل أكبر، ولربما يكون أيضًا أكبر نقاط ضعف الشخصية النرجسية أنه يعلم تمامًا بأن تلك الهالة التي صنعها حول نفسه ستختفي تمامًا بلحظة وفاته، بالتالي سيصبح بلا أي سلطة أو نفوذ، بل مجرد جثمان مدفون تحت التراب.
الخوف من الندم
يرى الشخص النرجسي نفسه محقًا على طول الخط، حتى وإن ألحقت تصرفاته الضرر بالآخرين، وعلى الرغم من ذلك، يخاف النرجسيون من الشعور بارتكابهم أخطاء في حق الآخرين، لأن ذلك يعني شعورهم بالندم، والندم بالنسبة للنرجسي يعد ضعفًا، لأنه يعتقد أنه أكبر من أن يقدم اعتذارًا عن ما بدر منه تجاه أي شخص.
الخوف من العار الاجتماعي
أحد أكثر الأشياء التي تؤرق المصاب باضطراب الشخصية النرجسية هي التعرض للفضح علانيةً جرّاء أي خطأ ارتكبه، لأن هذه الوصمة ستجعل المجتمع ينظر إليه بدونية واحتقار، وهذا ما يتعارض مع منطقة راحة الشخصية النرجسية المفضلة تمامًا.
سلبيات الشخص النرجسي
بعدما ذكرنا أبرز نقاط ضعف الشخصية النرجسية، بالتالي يمكننا محاولة تفسير السمات التي تظهر على أصحاب هذه الشخصية على هيئة سلبيات يمكن تلخيصها في التالي:
لا يحبذ المنافسة الشريفة
بما أن النرجسي هو شخص يسعى دائمًا ليكون في الصدارة بأي شكل، بالتالي تنعدم لديه القدرة على منافسة الآخرين بشرف، بل يسعى للتفوق عليهم حتى وإن كان ذلك بسبل غير مشروعة ودنيئة، خاصة وأنه كما ذكرنا لا يتمتع بأدنى درجات الإحساس بالندم، لذلك فهو يرى إيذاء الآخرين سبيلًا للتفوق وليس فعلًا حقيرًا.
لا يعمل ضمن مجموعة
يرى دائمًا النرجسي نفسه كخبير في كل المجالات، بالتالي لا يمكنه أن يتشارك الآراء والأفكار مع الآخرين، والتي تعتبر الأساس الذي يبنى عليه أي عمل جماعي ناجح.
فشل في العلاقات العاطفية
يعاني الشخص النرجسي من مشكلتين رئيسيتين في العلاقات العاطفية، حيث إنه يستغل الطرف الآخر عاطفيًا بإجباره على المبالغة في الاهتمام به وتقديره، ومن جهة أخرى يمتلك شعورا قويا بالرغبة في التحكم بالشريك بصورة مطلقة، لأنه يعتقد أن هذا الشخص هو ملك له وحده.
فشل في التعامل مع الأبناء
يستغل الشخص النرجسي أبناءه في تلميع صورته كوالد أو والدة، عبر إسقاط نجاحات أبنائه عليه باعتبارها إنجازات شخصية له، بالتالي يتعرض الأبناء لشعور حقيقي بالتهميش والفشل، وأحيانًا بعدم الثقة في الآخرين، الأمر الذي قد ينتهي بتحول الأبناء أيضًا لأشخاص نرجسيين في المستقبل.
كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية
في الغالب يتعرض كل إنسان للتعامل مع شخص نرجسي أثناء فترة تواجده على هذه الأرض، لذلك وبعد أن تعرفنا على أبرز نقاط ضعف الشخصية النرجسية، يمكن استخدامها كأسلحة للتعامل مع هذا الشخص، حتى لا نقع ضحايا له.
بذلك الصدد، وضع العلماء سلسلة من النصائح التي يمكن من خلالها التعامل مع الشخص النرجسي بالطريقة المثلى وهي:
- الابتعاد قدر المستطاع عن الأشخاص النرجسيين، حيث يمكنهم مع مرور الوقت إيهامك بأنك مصاب بالجنون.
- التزام الهدوء أثناء نوبات غضب الشخص النرجسي.
- عدم الدخول في نقاش حاد أو جدلي مع شخص نرجسي.
- لا تخف من القوة التي يظهرها الشخص النرجسي.
- الحذر من محاكاة تصرفات الشخص النرجسي.
النرجسية الصحية
على الرغم من أن نقاط ضعف الشخصية النرجسية كثيرة، نظرًا لامتلاك أصحاب هذه الشخصية صفات سيئة في العموم، إلا أن هنالك من يعرفون بمصابي النرجسية الصحية الذين يمكنهم تطويع نقاط الضعف تلك وتحويلها بصيغة ما لأمر صحي محمود عن طريق ما يلي:
- احترام الذات.
- التعاطف مع الآخرين والاعتراف باحتياجاتهم.
- الثقة في تحقيق الأهداف ومتابعتها.
- المرونة العاطفية.
- الفخر الصحي بالنفس والإنجازات.
مضاعفات الإصابة بالنرجسية
في حالة لم يستطع المحيطون بالمصاب بالنرجسية احتواءه، فربما يستمر في تبني نفس التصرفات التي قد تنتج عنها مضاعفات تضره وتضر من حوله مثل:
- تعقيدات حقيقية في العلاقات العاطفية والأسرية قد تصل إلى انتهائها.
- مشكلات ضخمة في العمل وأماكن الدراسة.
- التعرض لمشاكل صحية بدنية.
- الإصابة بنوبات حادة من الاكتئاب والقلق.
- إدمان المواد المخدرة والكحوليات.
- اللجوء للتفكير في سلوكيات انتحارية من أجل إنهاء الحياة.
متى يجب زيارة الطبيب؟
دعنا نتفق مبدئيًا أن المصاب باضطراب الشخصية النرجسية لا يرى فيما يقوم به أي مشكلة، لذلك فمن المستبعد أن يذهب من تلقاء نفسه إلى الطبيب بغية تلقي العلاج، حيث يعتقد أن وصفه بالمريض شيئًا يحط من شأنه، لهذا فنصحه بزيارة الطبيب هو مهمة للمقربين منه، وتأتي هذه الخطوة عندما يتأكد المحيطون به -النرجسي- بأنه يعاني من هذا الاضطراب الذي تم شرحه أعلاه، وتترك باقي المسألة للطبيب النفسي المختص.
كيف يمكن معالجة اضطراب الشخصية النرجسية؟
لا توجد عقاقير طبية تتمكن من علاج هذا الاضطراب إلى الآن، لذلك تتمحور سبل العلاج حول العلاج النفسي للمصاب، بالإضافة إلى إمكانية السماح له بتعاطي بعض العقاقير المضادة للاكتئاب، من أجل تحسين حالته المزاجية، لكن طبعًا بعد استشارة الطبيب النفسي، وتبدأ رحلة العلاج النفسي عبر سلسلة متصلة من 4 محاور تكمل بعضها البعض، وهي:
العلاج المعرفي السلوكي
ويكتشف المصاب من خلاله سلوكياته الخاطئة ويتأكد من عدم أهميتها بالنسبة له، كي يستبدلها بأخرى صحية.
العلاج الأسري
حيث تشترك أسرة المريض كاملة في جلسات معه كي يتعرفوا أيضًا على المشاكل التي يعاني منها وكيفية مساعدته على تخطي هذه الأزمة.
العلاج الجماعي
في هذه المرحلة يجلس المصاب ويتشارك جلسات مع آخرين يعانون نفس الاضطراب الذي يعاني منه، الأمر بهدف مشاركة وتبادل الخبرات فيما بينهم.
تغيير نمط الحياة
ويكون ذلك عبر مواجهة ضغوطات الحياة المختلفة، أو اكتساب عادات جديدة مثل لعب الرياضة، أو ممارسة أي هواية يختارها بنفسه.
نهايةً يعد تحجيم نقاط ضعف الشخصية النرجسية هو التحدي الأهم للمصاب بذلك الاضطراب والمقربين منه، عن طريق مواجهته بتصرفاته وإقناعه بالتخلي عنها، الأمر الذي سيعود على الفرد والمجتمع بالإفادة دون شك.