قد تصابين بمرور الوقت ببعض الغرور، الشعور بالعظمة، كثرة الحديث عن إنجازاتك الشخصية، وغيرها من صفات المرأة النرجسية، التي ربما تقعين فريسة لها دون علمك، لذا يجدر بك أولا التعرف إلى ماهية النرجسية، مما يساعدك في تجنب الوقوع تحت طائلة الغرور، والثقة الزائفة.
ما هي النرجسية؟
تعد النرجسية أحد أبرز الاضطرابات التي تصيب الفرد، إذ يعتبرها علماء النفس مرضًا نفسيًا، يصيبه بشعور مبالغ فيه من الأهمية، والحاجة المُلِحَة لزيادة الإعجاب والاهتمام من جميع المحيطين به، بالإضافة إلى إصابته باضطراب في معظم علاقاته الاجتماعية، مما يصيبه تقريبا بانعدام التعاطف مع الآخرين ممن حوله، ويجعله فيما بعد عرضة لمشاكل متعددة في الكثير من المجالات الحياتية، سواء العلاقات العاطفية أو في مجال العمل أو الدراسة.
هكذا نستطيع اختصار تعريف النرجسية بأنها الاهتمام الاستثنائي بالذات، والإعجاب المفرط بها، خاصة المظهر الجسدي والخارجي، بالإضافة إلى تضخيم أهمية الذات وقدراتها والتي غالبا ما تكون محدودة، مما يصيب الفرد باضطراب يجعله يبالغ في ثقته بنفسه، في محاولة يائسة لترميم هشاشة نفسه وانعدام الثقة بها.
هل النرجسية تصيب الرجال فقط دون النساء؟
ولم يختص الأطباء والخبراء فئة محددة تكون عرضة للإصابة بالنرجسية، إذ يصاب الكثير بها من الذكور والإناث ومن مختلف الأعمار، ولكن العلامات تختلف بين الرجل والمرأة إذ إن صفات المرأة النرجسية تفوق صفات الرجل، وهي الفطرة النابعة من غريزة المرأة بشكل عام حيث تسعى منذ صغرها إلى تعزيز ثقتها بمظهرها، وشعورها الدائم بالجمال والتقدير والاهتمام.
صفات المرأة النرجسية
تدخل المرأة النرجسية في العديد من المشاكل الاجتماعية، والعلاقات الفاشلة، حيث إنها تمتاز بعدة صفات مرهقة نفسيًا لها ولمن حولها على حد سواء، ومن أبرز هذه الصفات:
العقاب بالإهمال
عندما تغضب المرأة النرجسية في أي علاقة من علاقاتها، سواء مع أصدقائها في مجال عملها أو مع زوجها وأبنائها، فإنها تقوم لا إراديا بالحد من اهتمامها وتقليص عواطفها، حيث ترى أن التجاهل هو أفضل عقاب لضحاياها من وجهة نظرها، وقد أوضحت الخبيرة النفسية كريستينا هاليت نقطة بهذا الصدد، وهي أن النساء النرجسيات بشكل عام يستخدمن دومًا وسيلة الإهمال، كشكل من أشكال العقاب الذي يمنحهن لذة الشعور بالسيطرة والانتصار في جميع علاقاتهم.
شعور الضحية
كما أضافت أيضًا أن المرأة النرجسية لديها شعور دائم بأنها الضحية، أو الشهيدة كما يذكر البعض، وهو ما أكدته الطبيبة المعالجة ويندي والتي ذكرت أن النساء النرجسيات يعانين من اضطرابات نفسية، تجعل ردود أفعالهن ومعاناتهن وآلامهن مبالغا فيها أكثر من المعتاد، وهو ما يطلق عليه النرجسية الخفية التي لا تظهر بشكل واضح في الصفات الظاهرية، ولكنها تجعلهن يشعرن دومًا بأنهن الضحايا الفاضلات اللاتي يبذلن أقصى جهد للحفاظ على العلاقات، وهو الاعتقاد الخاطئ تماما.
المرأة النرجسية والعاطفة
من أصعب الأمور التي قد تواجه الرجل أن تكون شريكة حياته نرجسية، سيكون عليه الخضوع دوما لرغباتها، وتنفيذ جميع متطلباتها، إذ أنها لا تتقبل رأي شريكها، وتسعى دوما لأن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في العلاقة، نتيجة لرغبتها الكامنة في الهيمنة على الآخرين.
السطحية
تميل النساء النرجسيات أيضا إلى الإفراط في اهتمامهن بمظهرهن الخارجي، وصورهن على صفحات التواصل الاجتماعي، وإخفاء عيوبهن المتعلقة بجمالهن، وهو ما يعرف بالنرجسية الجسدية حيث يعتمد تركيز النساء المصابات بهذا الاضطراب بشكل كلي، على المظهر الخارجي فقط غير عابئين بقيمة الجوهر الداخلي.
الغيرة والمنافسة
تكون المرأة المصابة باضطراب النرجسية منافسة شرسة جدا للنساء الأخريات، حيث تتكون لديها رغبة عارمة في أن تصبح دوما في الصدارة، وأن تشعر بأنها الأذكى والأجمل والأنجح بين جميع أقرانها، وهو ما يدفعها دائما أثناء التجمعات إلى محاولة استقطاب الحديث القائم نحوها، وإرجاعه إلى تجاربها الشخصية الخاصة، فمجرد شعورها بأن هناك امرأة أخرى جذبت الانتباه وأثارت الاهتمام، يعد ناقوس خطر يدق فوق رأسها، وهو ما يشعل رغبتها لا إراديا في جذب انتباه ولفت جميع الأنظار إليها مرة أخرى.
التعنيف والقهر
لا يخلو منزل فيه امرأة نرجسية من القهر والتعنيف والتسلط الدائم، وهو ما يظهر في طريقة تربية أطفالها على سبيل المثال، حيث تقوم بقمعهم باستمرار إذ ترى أنها دائما تملك الطريقة الأفضل والأنسب للقيام بالأشياء.
بمعنى آخر تعتبر نفسها خبيرة في جميع المواقف، وهو ما يدفعها إلى التهميش من كل عمل يقوم به أطفالها، فهي ترى من وجهة نظرها أنهم لا يؤدون مهامهم كما ينبغي مثلما تؤديها هي على أكمل وجه، كذلك من أهم صفات الأم النرجسية أنها تشعر بالغيرة حتى من ابنتها، وتريد أن تظهر دوما في مظهر أجمل وأصغر منها، وهو ما ينتقل بالتبعية إلى شعورها تجاه زوجة ابنها في المستقبل.
الغرور الزائف
من أبرز صفات المرأة النرجسية غرورها الزائف، وثقتها الزائدة بنفسها، الأمر الذي يدفعها إلى الوهم الخاطئ بأن جميع من حولها يغارون منها، ويحاولون الوصول إلى مستواها الرفيع كما تظن، بالإضافة إلى أنها تميل دائما إلى استعراض إنجازاتها ومواهبها حتى وإن كانت ضئيلة، رغبة في سماع المديح والجمل التشجيعية، مما يزيدها غطرسة وشعور بالثقة التي تفتقر إليها.
افتقار التعاطف مع الآخرين
من المتعارف عليه أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولعل فقدان النساء النرجسيات إلى ثقتهن في أنفسهن، وحاجتهن المُلِحَة إلى الشعور بالحب والاهتمام، جعلهن يفتقرن إلى الكثير من مشاعر التعاطف مع الآخرين، فمن أبرز سماتهن أيضا أنهن يضربن بمشاعر الغير عرض الحائط، فهن يرون أنهن محور الكون ولا يجدر بهن الاكتراث أو الاهتمام لما يتعرض إليه الغير من أزمات ومشاكل.
السلوك غير السوي
يعد السلوك غير السوي والتلاعب بمشاعر الآخرين، سمة شائعة أيضًا للمرأة النرجسية، حيث تسعى دوما لإبهارك وإرضائك في البدايات، ولكن بمرور الوقت وبمجرد أن تضعها في اختبار صغير، ستجد أن احتياجاتها الخاصة دائما ما تكون في المقام الأول، كما أنها لن تتوانى لحظة عن استغلال أي شخص، لتحقيق مكاسبها الشخصية التي تهدف إلى تحقيقها.
أنواع النرجسية وأسبابها
هناك نوعان مختلفان من النرجسية، يمكن أن نحدد من خلالهما صفات المرأة النرجسية، وعلى الرغم من أنهما يأتيان من تجارب الطفولة المختلفة، بحسب البيئة والتربية، إلا أنهما يتشابهان في كثير من السمات التي تميزهما، ومعرفة هذان النوعان تسهم بشكل أكبر في توقع التصرفات وردود الأفعال الناتجة عن المرأة المصابة باضطراب النرجسية:
النرجسية الضعيفة
في هذا النوع عادة ما يكون السلوك النرجسي نتيجة لإهمال تعرضت له المرأة وهي صغيرة، أو سوء معاملة من الوالدين في فترة طفولتها، كذلك يمكن أن تكون قد تعرضت إلى صدمة مثل الاعتداء اللفظي أو الجسدي.
وتكون المرأة المصابة بالنرجسية الضعيفة هشة جدا وأكثر حساسية من غيرها، ينتابها إحساس زائف بأنها الأجمل والأفضل، نتيجة لشعورها الدائم بالدونية وأنها غير متكافئة مع أقرانها، بالإضافة إلى الشعور العارم بالقلق والتوتر، بل الإهانة، لمجرد أن من حولها لا يتعاملون معها على أنها متميزة وفريدة من نوعها.
النرجسية الكبرى أو “الفخمة”
تصل المرأة إلى مرحلة النرجسية الكبرى نتيجة للمدح الزائد، المتمثل في معاملة الآخرين لها في طفولتها، بالأخص والديها، إذ من المرجح أن الجميع كان يتعامل معها في طفولتها على أنها ملكة، أجمل من جميع الفتيات، ومتفوقة على جميع أقرانها في كل شيء، وهو الشعور الذي يظل يلاحقها لا إراديا لتصبح فيما بعد امرأة متباهية بجمالها، مبالغة في أهميتها وثقتها الزائفة، بالإضافة إلى حبها للسيطرة والعدوانية تجاه من هم أفضل منها.
علاج النرجسية
نستطيع أن نقول إن الإهمال الزائد، أو التدليل المفرط من الأبوين لبناتهم، يؤدي إلى عواقب وخيمة في المستقبل، وأضرار نفسية جسيمة، قد توصلهم إلى هذا الاضطراب.
وقد استطاع المعالجون النفسيون تحديد صفات المرأة النرجسية، والتوصل إلى الكثير من سماتها في محيط أسرتها ومجال عملها، أو علاقاتها الحياتية بشكل عام، وقاموا بوضع بعض النقاط، التي قد تساعد من حولها في الإسهام في علاجها بشكل إيجابي وفعال، وتتمثل هذه النقاط أولا في:
العلاج النفسي
وهو قائم على علاقاتها الاجتماعية والمحيطين بها، إذ يجب على زملائها في العمل محاولة تحسين علاقاتهم بها، بالإضافة إلى تعاونهم معها وعرض مساعداتهم في العمل، كما يجب على شريك حياتها أن يسعى جاهدا للحفاظ على استمرار علاقتهما، محاولا فهم وإدارة مشاعرها، واكتشاف نقاط قوتها وضعفها، مما يؤثر عليها بالإيجاب، ويسهم في علاجها ومساعدتها على تقبل الفشل والإخفاقات، و تقبل آراء الآخرين السلبية وانتقاداتهم.
العلاج الدوائي
لا يفضل الأطباء النفسيين اللجوء إلى الدواء، وأنواع العلاجات المختلفة، باستثناء بعض الحالات التي قد تصل إلى الاكتئاب، ولذا ينصحون المرأة النرجسية أن تحاول ممارسة الرياضة باستمرار، 3 مرات على الأقل خلال الأسبوع الواحد، بالإضافة إلى ممارسة بعض تمارين الاسترخاء مثل اليوجا، مما يسهم بشكل فعال في الحد من شعورها بالتوتر والقلق، وتعزيز حالتها النفسية، مما ينتج عنه بالتبعية تحسين علاقاتها الاجتماعية.
على الرغم من أن كثيرا من الإناث لا يفضلن الاعتراف بمرضهن، ولا يسعين إلى العلاج، إلا أنه من الضروري جدًا أن يساهم من حولهن من الأقارب والأصدقاء، في مساعدتهن نفسيًا، وإقناعهن بالمبادرة والبدء في العلاج، بعد التعرف على صفات المرأة النرجسية حتى يستطعن مع مرور الوقت تخطي هذا الاضطراب بنجاح.