قد لا يدرك البعض أن النرجسية قناع، يرتديه الكثيرون لإخفاء هشاشتهم النفسية، وخبث أنفسهم وضعفها، لذا من الضروري جدًا معرفة أنواع الشخصية النرجسية، مما يؤهلنا للتعامل مع كل نوع وفهم مكنونات نفسه.
أنواع الشخصية النرجسية
تختلف أعراض اضطراب النرجسية من شخص لشخص، وبحسب النوع الذي يندرج تحته السلوك الصادر منه، حيث تتعدد أنواع النرجسية وصفاتها، على الرغم من أنها تتشابه تقريبا في جميع السمات الأساسية للنرجسية، وقد توصل علماء النفس إلى 8 أنواع تتباين من حيث السلوكيات، وشدة خطر الشخص على المحيطين به:
النرجسية الصحية
تعرف أيضًا بالنرجسية الإيجابية، إذ تندرج تحت الشعور بالاستحقاق، ومعرفة الفرد لقيمته الذاتية، وأنه يستحق الحصول على أفضل مما هو عليه، وهو الأمر المنطقي بالنسبة للجميع، ولذا لا يعتبرها الأطباء من أنواع النرجسية الضارة، التي تنم عن أن الشخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية، إذ لا بد أن يظهر على الشخص النرجسي نحو 55% من الأعراض، ليتم تشخيصه بهذا المرض.
على هذا النحو، فإننًا جميعا قد نمتلك صفة من أنواع النرجسية، وبالأخص الصحية، وقد ذكرت المعالجة النفسية أليسا مانكاو بهذا الصدد، أن كل شخص يمتلك نسبة من النرجسية الصحية في داخله، والتي تكون مسؤولة عن شعوره بالفخر تجاه جميع إنجازاته، بل وتجعل لديه رغبة عارمة في مشاركتها مع من حوله من الأقارب والأصدقاء، مما يشعره بالارتياح ويزيد من رغبته ودوافعه نحو الإنجاز وتحقيق الأهداف.
النرجسية الخبيثة
يعد هذا النوع من أشد وأسوأ أنواع الشخصية النرجسية، إذ يكون الشر والخبث سمة أساسية من سمات صاحبها، وهو ما يجعله أكثر خطورة على المحيطين به، حيث يكمن لديه شعور عدائي تجاه الآخرين، بل ويشعر بالمتعة عند رؤيتهم يعانون ويتألمون، مفتقرا إلى أي إحساس بالتعاطف أو الرغبة في مساعدتهم.
النرجسية العقلية
يستمد الشخص المصاب بالنرجسية العقلية قيمته الشخصية، وشعوره بالأهمية، من خلال قدراته العقلية والذهنية، إذ يكون لديه شعور مفرط بأنه عبقري، وأذكى من أي شخص آخر بين أقرانه، في مجال دراسته أو عمله، وهو ما يجعله يحاول باستمرار التقليل من الآخرين، ومن قدراتهم وذكائهم ليرسخ لديهم فكرة أنهم أغبياء، وهو ما يساعد في تغذية وتعزيز شعور الإيجو لديه.
الشعور بالعظمة
تعد نرجسية العظمة من أبرز أنواع النرجسية، فهي تشمل المفهوم الأوسع والأعمق للنرجسية، إذ تعرف في علم النفس بأنها الشعور الزائف بالتفوق، حيث يشعر الفرد المصاب بهذا النوع بالتفوق غير الواقعي، الذي يزيد من تقديره لنفسه ومبالغته في تضخيم قدراته، وسيطرته على الآخرين باعتبار أنه أكفأ منهم.
بمعنى آخر، عندما يجتمع الشعور المبالغ فيه بالاستحقاق، والهوس بتقدير الذات، فإن الفرد يصل إلى نرجسية العظمة، التي تجعله يتحدى الآخرين ويقلل من شأنهم بشكل صريح، دون التعاطف مع أي شخص، ودون أدنى مراعاة لمشاعر الغير.
النرجسية الضعيفة
تعرف أيضًا بالنرجسية الخَفية، إذ يكون فيها الشخص النرجسي خجولا جدا ومنطويا على نفسه، على عكس نرجسية العظمة، وهو ما ذكرته المجلة الأمريكية للطب النفسي، والتي أوضحت أن هذا النوع الخفي من النرجسية يصيب الفرد بالحزن الشديد، والشعور المفرط بالحساسية تجاه أي انتقاد يصدر من أي شخص، وهو ما يجعله بالتبعية يرفض آراء وتقييمات الآخرين، وتتلخص ردود أفعاله في الهجوم المستمر وحجر هذه الآراء، بالإضافة إلى شعوره الدائم بالغيرة من الشخصيات الأعلى والأفضل منه.
النرجسية الجسدية
من صفات الشخصية النرجسية وسماتها أنها يستمد قيمته الشخصية من جسده، وهو ما يظهر من خلال شعور الفرد المفرط بجماله، واستعراض قوته ولياقته البدنية أما الجميع، ويتعدى الأمر هنا كونه مجرد شعور بالجمال، بل يصل الأمر إلى حد الهوس والجنون بجسده ومظهره الخارجي بشكل عام، وهو ما يجعل الغيرة تتملك منه إذا رأى شخصًا أجمل أو أكثر جاذبية.
مما يدفعه إلى تشويه صورة هذا الشخص أمام الغير في محاولة لإرضاء غروره، ويعتمد هذا النوع في حكمه على الأشخاص على المظهر الخارجي فقط، دون مراعاة للجوهر أو أية اعتبارات أخرى، بالإضافة إلى أنه يكون أنانيًا جدًا، يجعل الأولوية لاحتياجاته فقط متجاهلًا احتياجات الآخرين.
النرجسية الروحية
في هذا النوع يعتمد الشخص النرجسي على الأسلوب الروحاني، محاولا تبرير أفعاله المؤذية، إذ يلجأ لاستخدام مصطلحات روحانية في محاولة لإرباك وتخويف الآخرين، فهم بحاجة دوما إلى إظهار صورة مثالية عن أنفسهم هربا من ذاتهم الداخلية المحطمة، والتي تدفعهم لا إراديًا للتقليل من شأن الآخرين من الناحية الروحانية.
النرجسي المتلاعب
هنا يعتمد الشخص النرجسي على طريقة التلاعب في جميع أموره الحياتية، حيث لا يصل إلى أهدافه أبدًا بالطريقة الشرعية أو القانونية، بل يلجأ باستمرار إلى التلاعب والسلوك المنحرف، فكل ما يهمه الوصول لغرضه ومبتغاه مهما كلفه الأمر، ضاربًا بجميع القوانين عرض الحائط.
كيفية التعامل مع أنواع الشخصية النرجسية
بعد التعرف على أنواع النرجسية بالطبع يتطرق إلى أذهاننا بعض الأسئلة، حول كيفية التعامل مع هذه الشخصيات، بل كيفية تفادي شرورها وصفاتها الخبيثة، وهو ما استطاع علماء النفس تلخيصها في عدة نقاط:
تقبل حقيقتهم
عليك أن تتقبل حقيقة شخصيتهم كما هي، والتأكد من أن تلاعبهم بالآخرين والتقليل من احترامهم، هو ذات الشيء الذي يحدث معك، حتى وإن لم يكن أمامك، لذا عليك تجنبه والتقليل من الاحتكاك به داخل مجال العمل أو الدراسة، حتى لا تتلقى ردًا عدوانيًا فظًا إذا قررت مواجهته.
لا تنقد إلى حيلهم
في أي مجال أو مكان يتواجد فيه شخص نرجسي، ستجد أن الجميع ينجذب نحوه ويهتم به، فهو دائما يسعى لأن يكون تحت الأضواء، الأمر الذي يجعلك تنقاد إليهم تلقائيا لتجد نفسك قد نسيت احتياجاتك الخاصة وانجذبت مع الآخرين تجاههم، لذا حاول التركيز جيدا حتى لا تقع فريسة لهذه الحيل.
لا تقلل من قيمتك
من أخطر صفات الشخصية النرجسية أنه لا يعترف بخطئه مطلقا، بل سيعكس سلوكه السلبي عليك، ويحاول إقناعك بأنك أنت المخطئ، لذا يتوجب عليك فهم طريقته والإصرار على موقفك، ولا تحاول أبدًا الرضا بإلقاء اللوم عليك، أو التقليل من شأن نفسك في سبيل إرضائه وإرضاء غروره.
دافع عن نفسك
يستمتع الكثير من الأشخاص النرجسيين بجعل الآخرين يشعرون بالتوتر والحزن، لذا من الضروري جدا ألّا تظهر أي مشاعر حزن، أو إحساسا بالخوف والارتباك أمامهم، مما يساعدهم ويشجعهم على استمرار هذا السلوك المؤذي للآخرين، بل يجب عليك الدفاع عن نفسك ومهاجمتهم إن لزم الأمر، ولكن بأسلوب هادئ منطقي، مع الوضع في الاعتبار أنه لن يفهمك أو يهتم لمشاعرك ودفاعك عن نفسك.
ضع حدودًا واضحة
لأن الشخص النرجسي لا يفكر إلا في نفسه، ولا ينفك عن التفخيم من ذاته، فهو يرى دائما أنه يحق له فعل ما يشاء والتصرف بحرية كاملة في مقتنياتك وأشيائك الخاصة، بل يعطي نفسه الحق في أن يكون وصيا عليك، هكذا تجده ينهال عليك بالنصائح ويسدي إليك الكثير من الخدمات بدافع مساعدتك، ثم يمّن عليك فيما بعد أمام الجميع، وينسب الفضل إليه فيما حققته من إنجاز أو تفوق.
بمعنى أدق، الشخص النرجسي لا يحترم حدود الآخرين ولا خصوصياتهم، وعلى استعداد تام بأن يتحدث في خصوصياتك، ويحرجك أمام الجميع دون مراعاة لمشاعرك، لذا من الضروري جدًا أن تضع حدودًا وخطوطًا حمراء بينك وبينه، مما يحافظ على خصوصيتك واحترامك، ويمنعه من التمادي في أفعاله مع أي من أنواع الشخصية النرجسية.
يعتقد علماء النفس أن النرجسية سمة، أو نزعة بشرية، منتشرة بين جميع أفراد المجتمع، قد نمتلك بعضا من صفاتها دون علمنا، لذا ينصح الأطباء بأن يبادر الفرد بعلاج نفسه، بمجرد شعوره بصفة من صفات أنواع الشخصية النرجسية، قبل أن تتفاقم هذه النزعة بمرور الوقت، مما يؤخر القدرة على التعافي.