ربما يبدو منطقيًا أن نبحث عن حقيقة أسباب الشخصية الحساسة رغبة في التأقلم بشكل أكبر مع أصحابها، ومعرفة الأسباب الحقيقية التي تدفعها عادةً لإهدار مشاعرها في غير محلها، الأمر الذي يعود بالضرر النفسي عليها، وعلى المحيطين بها.
ما هي الشخصية الحساسة؟
تعرف الشخصية الحساسة في علم النفس على أنها الشخصية التي تمتلك ردات فعل قوية تجاه المتغيرات التي تطرأ على حياتها بسبب عوامل خارجية أو داخلية، بينما يتم وصف الشخص صاحب هذه الشخصية بالشخص الحساس، وهو شخص مرهف الشعور، جياش العواطف، سريع الاستثارة.
طبقًا لجمعية علم النفس الأمريكية، من الممكن أن تكون الشخصية الحساسة مرتبطة بشكل وثيق بإحدى سمات الشخصية الخمس الكبرى المعروفة بالـ(ضمير)، الذي يعد المسؤول الأول عن الاهتمام بأدق التفاصيل، وحتى يتحلى الشخص بهذا القدر من الدقة وتدفق المشاعر، لا بد وأن يتحلى بالحساسية المفرطة.
إذن، تجب الإجابة على أول سؤال قد يطرأ على أذهاننا في هذه اللحظة، وهو ما هي أسباب الشخصية الحساسة الحقيقية؟ من ثم يمكننا التعرّف على كيفية تأطير التعامل معها.
صفات الشخصية الحسّاسة
قبل التعرف على أسباب الشخصية الحساسة ينبغي أولًا أن نحيط علمًا بالسمات الأبرز لهذه الشخصية، خاصة وأن معظم البشر يشتركون في هذه السمات، لكن الشعرة الفاصلة بين كون الإنسان حساسًا من عدمه هي المبالغة، لذلك وضع علماء النفس قائمة من الصفات الإيجابية والسلبية التي يمتلكها أصحاب الشخصيات الحسّاسة، والتي يمكن التعرّف عليهم من خلالها، مع التشديد على أن تطبيقهم لهذه الصفات على هيئة تصرفات يكون بشكل متطرف.
- كراهية القسوة: لا يطيق صاحب الشخصية الحساسة مشاهد العنف والقسوة، سواء كان من يتعرض لها إنسانًا أو حيوانًا.
- استيعاب مشاعر الآخرين: أظهر أصحاب الشخصيات الحساسة تعاطفًا مع احتياجات ورغبات الآخرين.
- السلبية: يتجنب أصحاب الشخصية الحساسة المواقف التي يتعرضون خلالها للضغط، لأنه أمر مرهق بالنسبة لهم.
- التأثر بالجمال: تتأثر الشخصية الحساسة بكل ما قد تراه جميلًا بشكل مضاعف.
- إظهار الامتنان: يظهر أصحاب الشخصيات الحساسة امتنانهم لكل من ساعدهم على عبور أي أزمة.
- العصبية: تتسم الشخصيات الحساسة بتطرف المشاعر، بالتالي فقد يبدو الشخص الحساس أكثر عصبية تجاه بعض المواقف بشكل يبدو ساذجًا.
- حب الروتين: لا تحبذ الشخصية الحساسة التغيير، حيث إن الطقوس الروتينية هي أفضل ما يمكنهم تقبله بحياتهم اليومية.
- عدم تقبُّل النقد: يتعامل الشخص الحساس مع النقد من منطلق سلبي نظرًا لافتقاره للثقة بنفسه.
أسباب الشخصية الحساسة طبقًا لعلم الأعصاب
اختلف العلماء على إذا ما كان من الممكن أن نرجع أسباب الشخصية الحساسة لاختلالات جينية تولد مع الإنسان، أم أنها عبارة عن صفات يكتسبها الإنسان نتيجة تعرضه لبعض المواقف، لكن الأكيد، هو توصّل علم الأعصاب لما يربط الحساسية المفرطة بالدماغ البشري.
في تقرير بعنوان “لماذا يمتلك بعض الناس شخصيات حساسة للغاية؟“، استعرضت “إيما يونج”، الكاتبة بموقع “Quartz”، أسباب الشخصية الحساسة المتوقعة من وجهة نظر علم الأعصاب، ونستعرضها فيما يلي.
اضطراب المعالجة الحسية
في ستينيات القرن الماضي، قدمت “جين أيريس”، عالمة النفس التربوي بجامعة كالفورنيا، تعريفًا لما يعرف باضطراب المعالجة الحسية، موضحة أن من يعانون هذا المرض يشتركون في كيفية عدم تعامل أدمغتهم مع البيانات التي ترسلها بقية الأعضاء بشكل متوازن، بالتالي فالبعض منهم يعاني من ضعف الاستجابة، والبعض الآخر يستجيب بشكل مفرط للحواس.
بنفس الصدد، خرجت دراسة عام 2013، تؤكد على أن المصابين بهذا الاضطراب من الأساس، يمتلكون بنية دماغية مختلفة عن سائر البشر، تحديدًا بالجزء الخلفي من الدماغ المختص بربط المناطق المشاركة في معالجة البيانات المرئية والسمعية واللمسية.
اللاوعي
بالعودة لـ”يونج” مجددًا، فحواس الإنسان توفر معلومات عن عالمه، بما في ذلك الأشخاص الآخرون من حوله، وتقدم باستمرار أدلة بصرية وسمعية ليشاركها مع الآخرين على هيئة حالات عاطفية من خلال تعابير الوجوه ونبرة الصوت، في حين يلتقط الدماغ البشري هذه المعلومات بشكل فوري ولا شعوري ودون أي تدخل مقصود من الإنسان.
في إحدى التجارب، وجدت تانيا سنجر، مديرة معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك البشري والدماغ في لايبزيغ بألمانيا، أن حوالي ربع المتطوعين شهدوا ارتفاعًا في مستوياتهم في هرمون الكورتيزول فقط من خلال مشاهدة أشخاص آخرين يمرون بتجربة مرهقة وهذا ما يسمى “عدوى المشاعر” اللاواعية والذي يمكن أن يعتبر أحد أسباب الشخصية الحساسة أيضًا.
التوقف والتأمل
تشرح عالمة النفس إيلين آرون ما يعنيه لها كون الشخص حساسًا، وتقول: “أهم جانب هو أنه يعالج المعلومات بشكل أكثر عمقًا وشمولية، حيث إن الأشياء التي يلاحظها الناس في العموم هي السلوكيات السطحية، مثل الانزعاج من الضجيج الشديد أو البكاء بسهولة أو عدم الرغبة في التسرع في اتخاذ قرار، ولكن يوجد أسفل ذلك ما يعرف بعمق المعالجة“.
يتميز الأشخاص شديدي الحساسية بحذرهم من التفاعل بشكل سريع، بل يتبعون نمط التوقف والتأمل، حتى يتمكنوا من الوصول لملاحظات دقيقة تساعدهم على الاستمرار بشكل مثالي ومزدهر.
أسباب الشخصية الحساسة طبقًا لعلم النفس
يعتقد الباحثون في مجال علم النفس أن نحو 20% من سكّان الأرض هم من أصحاب الشخصيات الحسّاسة، واختصر علماء النفس أسباب الشخصية الحساسة من وجهة نظر نفسية في سببين رئيسيين، وهما:
التربية الخاطئة
عند التعامل مع الأطفال بأسلوب غير مشجع، يحمل بداخله تقليلًا من شأنهم، يجعلهم ذلك عرضة للتعرّض إلى أزمة ثقة بأنفسهم وبقدراتهم، خصوصًا وأن الإنسان في سن صغير لا يستطيع أن يحتوي كمًا كبيرًا من المشاعر السلبية الموجهة صوبه.
بالتالي، يتحول الطفل في هذه اللحظة إلى شخص يعتقد أنه لا يستطيع أن يستمد احترامه لنفسه سوى من احترام الآخرين له، ما يجعله أكثر حساسية تجاه التعرض لأي نقد، حتى وإن كان بناءً.
الفشل في التعامل مع الضغوطات
ربما الشيء الإيجابي الوحيد من التعرض للأزمات هو استخلاص العبر وتعلم الدروس من كل أزمة وتجنب الوقوع بها مستقبلا، لكن للأسف هنالك فئة من البشر لا تستطيع استيعاب الدروس من أي أزمة، نظرًا لعدم ثقتهم بقدراتهم العقلية التحليلية، وقتئذ ينتهي المطاف بالشخص الذي يعاني من الشخصية الحساسة باستسلامه للوقت كحل لعبور أي أزمة.
ولأن الشخص الحساس لا يثق بنفسه، فهو يظل بالتبعية قابعا بمرتبة أقل من البشر العاديين، مفضلًا لعب دور الضحية، أو ما يعرف في علم النفس بنمط الشخصية الحساسة.
كيفية التعامل مع الشخصية الحساسة
بما أننا توصلنا إلى أسباب الشخصية الحساسة الممكنة كلها، وبعد أن أدركنا أنه من الممكن أن يكون أصحاب هذه الشخصية يعانون من خلل دماغي ما لا يمكنهم تعديله، بالتالي، لا بد وأن نستعرض سبل التأقلم وكيفية التعامل مع ذوي الشخصيات الحساسة رغبة في الحفاظ عليهم من التعرض للمزيد من المشاكل النفسية.
وضع علماء النفس سلسلة من التعليمات التي يجب اتباعها أثناء التعامل مع أصحاب الشخصية الحساسة، وتشمل الآتي:
- ينبغي على من يتعامل مع الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة أن يتسم بالصراحة معهم، والإجابة على تساؤلاتهم بوضوح.
- يجب أن تتسم المناقشات معهم بالهدوء المطلق، حتى وإن أظهروا غضبًا، فمن الأفضل احتواؤه لا مجاراته.
- التأكيد المستمر على أن رأيهم مهم، بمشاركتهم وطلب آرائهم في مشاكلك الخاصة، فهذا يعزز ثقتهم بأنفسهم.
- منح الشخص الحساس انطباعًا جيدًا عن نفسه، عبر تعريفه بمزاياه، وإظهار الإعجاب بها وحثه على الاستمرار في تطويرها.
كيف يمكن علاج الشخصية الحساسة؟
بما أنه يمكن إرجاع بعض أسباب الشخصية الحساسة للتنشئة المضطربة أو تراكم المواقف السلبية، إذن، وعلى أقل تقدير، يستطيع من يعاني من هذه الحالة التخلص من أوهام الحساسية المفرطة وما ينتج عنها من إهدار لمشاعره وطاقته في غير محلها، عبر تطبيق الخطوات التالية:
- الحفاظ على السلام الداخلي الذي لا يتأتى إلا بحب النفس أولًا.
- عدم الاستسلام لمشاعر التوتر والقلق.
- عدم أخذ آراء الآخرين وتصرفاتهم على محمل شخصي.
في النهاية؛ لم يتوصل علماء النفس أو علماء الأعصاب لحقائق مؤكدة 100% حول أسباب الشخصية الحساسة، لأن كما سبق وذكرنا جميعنا نمتلك مثل تلك المشاعر، لكن توجيهنا لها يختلف من شخص لآخر، بالتالي، لا يمكننا تصنيف الشخصية الحساسة كاضطراب نفسي، بل مجرد سلوك إنساني لا يستدعي أي قلق.