تتمحور صفات الشخصية المتزنة حول السعي لامتلاك السلوكيات التي تدفع الفرد لعيش حياة متوازنة، هادئة، مستقرة وأخيرًا ناجحة، حيث إن الشخصية ما هي إلا بناء جيد، لا يتم بناؤه، إلا بعد توفير أجود العناصر والمواد الخام.
ما هي الشخصية المتزنة؟
لأن خير الأمور الوسط، فالشخصية المتزنة تعتبر أفضل أنواع الشخصيات في علم النفس، ويمكن تعريفها بشكل مُبسط على أنها الأنماط السلوكية التي ينتهجها الفرد، والتي تمتاز بالاستقرار، سواء كانت سلوكيات عاطفية، عملية أو اجتماعية.
تُعد عملية تكوين الشخصية إحدى أكثر العمليات تعقيدًا، حيث يتداخل عاملا المزاج والسلوكيات المُكتسبة، فالمزاج هو الموروث الجيني للإنسان، بينما المُكتسبات هي الأنماط التي يتعلمها كل فرد وفقًا للمواقف التي يمر بها خلال حياته.
بالتالي؛ تنجح قلة في الحفاظ على التوازن بين العاملين، وتنتُج عن هذه العملية بزوغ صفات الشخصية المُتزنة لدى الفرد الذي يحافظ على سمات ذات مستوى متوسط، وفي الغالب تستمر هذه العملية طوال العمر.
صفات الشخصية المتزنة
بشكل عام؛ وضع علماء النفس قائمة تُبرز صفات الشخصية المتزنة الأكثر شيوعًا، مع التشديد على أن الشخص المُتزن لا يجب أن يمتلك كل الصفات التي تتضمنها القائمة، لكن البعض منها فقط قد يكون كافيًا لكي يوصف الشخص بالمُتزن.
الصدق
لعل أبرز صفات الشخصية المُتزنة هي الصدق، حيث إن الشخص الصادق عادةً ما يجتذب المجتمع من حوله لصفه، كما أن كُل الشرائع والأديان تحُث البشر على التحلّي بفضيلة الصدق، التي تعود على الفرد نفسه وعلى مجتمعه بنتائج إيجابية، لذلك في الأغلب يكون المجتمع الصادق مجتمعًا ناجحًا.
الاحترام
يعتبر الاحترام صفة شمولية، حيث إن مبدأ الاحترام لدى الشخص المتزن ينطوي على احترامه للأفراد والبيئة من حوله من نباتات وحيوانات، ويكتسب الإنسان الاحترام من بيئته المحيطة، حيث تلعب التنشئة الصحيحة دورًا محوريًا في تحلي الشخص بالاحترام.
تحمل المسؤولية
من صفات الشخصية المتزنة عدم ضجرها من تحمُّل المسؤولية، وتشمل هذه الصفة مسؤولية الفرد تجاه نفسه، وتجاه عمله التي يجب أن ينجزه بإخلاص، وتجاه مجتمعه الذي ينقسم لأسرته، أصدقائه، وأبناء جلدته.
الولاء
يحرص الشخص المُتزن على امتلاك فضيلة الولاء، التي تعد من أبرز صفات الشخصية المُتزنة حيث إنها صفة تجعله أكثر قُدرة على الحفاظ على دائرة علاقاته الاجتماعية، لذلك يُظهر المتزن ولاءً للعائلة، ويبذل كل جهد لديه لتلبية احتياجاتها، كما يكون وفيًا لشريك حياته.
الطموح
يمتلك الشخص المتزن طموحًا لا ينتهي بوصوله لمحطة معينة، فهو دائم السعي لتحسين جوانب النقص التي لديه، وتطوير مواطن قوته، سعيًا للوصول إلى أكبر قدر متاح من النجاح.
التفهُّم
إحدى أفضل صفات الشخصية المتزنة هي قدرة صاحبها على النظر للأمور من منظور الآخر، وهذا ما يمكنه من تفهُّم دوافع الآخرين، وتحليل تصرفاتهم وتوجهاتهم بشكل أعمق، بالتالي يتمكن من قبول أعذار الآخر في حال أخطأ في حقه.
المغفرة
لا يعرف الشخص المتزن الحقد والكراهية، فهو قادر على التسامح مع من أخطأ في حقه، لأنه يستطيع تفهُّم الدوافع بشكل أعمق كما ذكرنا، فهو يدرك أن كل إنسان على هذه الأرض عرضة لسوء التقدير، وبالتالي يغفر دون أي نية لرد الأذى.
المرونة
على عكس المعتقد، الجمود ليس من صفات الشخصية المتزنة، فحتى وإن كان يبدو المتزن هادئًا ما يعطي انطباعًا بأنه يتمسّك برأيه فقط، إلا أنه على النقيض تمامًا يتقبل أي مطالبة بالتغيير، طالما تتوافق نتائجها مع بوصلته الأخلاقية المتزنة.
سمات الشخص المتزن عند كوفمان
بنفس الصدد؛ وضع عالم النفس والكاتب الأمريكي سكوت باري كوفمان قائمته الخاصة لأبرز صفات الشخصية المتزنة، والتي توافقت بشكل كبير مع الصفات التي تكشف عن الشخص المُتزن عمومًا. وجاءت قائمته كالتالي:
- انفتاح المشاعر.
- الاستقامة والصراحة والصدق.
- الود والإخلاص.
- التحلي بمستويات منخفضة من الكراهية والحقد.
- عدم الشعور بالقلق والخوف بلا داعٍ.
- السيطرة شبه المطلقة على الانفعالات.
كيف تتكون الشخصية المتزنة؟
ربما السؤال الأهم الآن، وبما أن أحد شروط تكوين الشخصية المتزنة هو توافر البيئة المحيطة المُهيئة لتكوّنها، إذن، كيف يمكن أن تتكون هذه الشخصية؟
عبر 4 نصائح متصلة، يوضّح علم النفس آلية بناء الشخصية المتزنة كما يلي:
إدراك مفهوم الشخصية
يجب على الإنسان النظر لشخصيته كتجربة كاملة منقسمة لماض، حاضر، ومستقبل يجب أن يكون أفضل، عبر دراسة ماضيه بما فيه من إيجابيات وسلبيات بلا خجل، والأهم هو استنباط الدروس المستفادة من هذه التجربة الحياتية من أجل الوقوف على مسببات النجاح وتطويرها، وأسباب الفشل لتفاديها.
البوصلة الأخلاقية
لكل إنسان مهما بدا شريرًا بوصلة أخلاقية خاصة به، ومن أجل الوصول إلى التوازن النفسي المنشود، لا بُد وأن يضع الإنسان يده على كوده الأخلاقي الخاص، الذي يجعل شخصيته قادرة على التفريق ما بين الصواب والخطأ.
تقبُّل الألم
النقطة المفصلية القادرة على تغيير سلوك الإنسان من أقصى اليمين لأقصى اليسار هي تعاطيه مع الألم، لذلك أثناء البحث عن تكوين الشخصية المتزنة، لا بُد وأن يتصالح الإنسان مع التجارب التي سببت له الألم في الماضي، وذلك قد يجعله يتعامل بشكل وسطي مع التجارب المؤلمة مستقبلًا.
إطلاق السراح
على الإنسان أن يتأكد أن لكل شيء سلبي إيجابيات، حتى وإن لم تكن جلية واضحة، لذلك على الباحث عن امتلاك صفات الشخصية المتزنة أن يبحث داخل كل سلبية عن طريق يسلكه، بغض النظر عن مدى فظاعته، ففي النهاية هنالك بابًا للنجاح، لكنه فقط لم يُكتشف.
ما هي عوامل التوازن النفسي؟
بالتأكيد هنالك خطوات، أو نصائح يمكن أن تُقدّم لأي إنسان يبحث عن التوازن النفسي الذي يعتبر الأساس الذي تستند عليه كُل صفات الشخصية النفسية، وبالفعل وضع علماء النفس قائمة من العوامل التي قد تساعد أي إنسان للوصول إلى هذه الحالة المستقرة كما يلي.
- الحفاظ على الصحة البدنية التي قد تمكن الإنسان من استمرار السعي نحو أهدافه دون معوقات جسدية.
- الاستقرار المهني مُهم لأي شخصٍ، لأن كثرة التغيير في بيئة العمل قد يخل بالتوازن النفسي للإنسان.
- تكوين أسرة مستقرة قائمة على مفهوم المودة والحب والإخلاص.
- تجنب الضغوطات قدر المستطاع حيث إنها قد تكون عاملًا مشتتًا لقرارات الإنسان وتعبث بالاستقرار الذي يقوم على عدم الدخول في صراعات سواء كانت اجتماعية أو وظيفية.
- تطوير مهارات حل المشكلات، لأن الإنسان لا يمكنه تجنبها، لكن يمكنه عوضًا عن ذلك البحث عن كل خيط متاح من أجل تكبُّد أقل الأضرار.
- البعد عن الطاقة السلبية وناشريها، لأنهم مسؤولون عن نقل مشاعر الحقد والكراهية لمن يحيطون بهم، وهو ما يتعارض مع بوصلة الشخص المتزن الأخلاقية.
نهايةً؛ طريق اكتساب صفات الشخصية المتزنة ليس ممهدًا على الدوام، يتطلب من الإنسان عدم الانجراف نحو الرائج، وحماية نفسه من السلوكيات التي تستهلك طاقةً أقل، والأهم هو التفاؤل بأن كل شيء ممكن، وهذا لن يتأتى سوى بإمعان النظر لنصف كوب الماء الممتلئ، وتجاهُل النصف الفارغ.