قد يعاني البعض من قلة الحيلة في مواجهة أزمات يومية تقليدية، فيما يعجز آخرون عن التأقلم مع متغيرات الحياة العادية، إلا أن المعاناة من الأمرين معًا ومن أزمات أخرى تبدو أبسط، تكشف لنا عن سمات الشخصية العاجزة، التي تعد فرص نجاحها منعدمة ومرهونة فقط بالعلاج طويل الأمد.
الشخصية العاجزة
تعد الشخصية العاجزة في علم النفس واحدة من أضعف الشخصيات وأكثرها سلبية في التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، حيث تؤثر بالسلب على كل من يحيط بها من بشر، وخاصة الأشخاص المقربين منها، هذا بالإضافة إلى تأثرها الذي يعتبر أكثر وضوحًا.
لم يتردد مصطلح الشخصية العاجزة كثيرًا على ألسنة خبراء علم النفس في العقود الأخيرة، إذ يعد الظهور الأبرز لهذه النوعية من الشخصيات السلبية هو ذلك الذي كشف عنه خبراء الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين في عام 1968، من خلال النسخة الثانية للدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات النفسية.
وصف الدليل الطبي الشخصية العاجزة بأنها شخصية ضعيفة في المجمل، حيث تبدو غير فعالة بأي شكل من الأشكال في إبداء أي رد فعل تجاه المحفزات الخارجية، وسواءً كانت نفسية أو اجتماعية أو جسدية، وبالرغم من عدم معاناة صاحبها من مشكلة عقلية تعوقه عن التعامل الطبيعي مع ظروف الحياة، إلا في حالات نادرة.
صفات الشخصية العاجزة
تعبر صفات الشخصية العاجزة إذن عن الضعف الشديد وقلة الحيلة في مواجهة ظروف الحياة الصعبة أو التقليدية حتى والمعتادة لأغلب البشر، حيث تتمثل تلك السمات في:
ضعف أو غياب رد الفعل
إن كان تأثر الشخص السوي بأي محفز خارجي يدفعه في أغلب الأحيان إلى التفاعل معه، بالقول أو بالفعل، فإن المعاناة من الشخصية العاجزة تعني إما عدم القدرة على القيام برد الفعل المطلوب في الوقت الطبيعي، أو ربما القيام برد فعل ضعيف وغير مناسب للموقف.
صعوبة التأقلم
تعتبر الشخصية العاجزة بما تعاني منه من ضعف، واحدة من أكثر الشخصيات التي تواجه الفشل عند اختبار مواقف جديدة عليها، حيث تجد مشقة في التأقلم مع المتغيرات مهما بدت بسيطة، لتجد الحل أحيانًا في الهروب منها أو في تركها تحت مسؤولية آخرين.
عدم القدرة على التحمل
بينما يتسم الشخص صاحب القوة الذهنية، بقدرة كبيرة على تحمل الصدمات بأنواعها، وسواء كانت نفسية أو جسدية، فإن الشخصية العاجزة لا يمكنها القيام بالأمر ذاته وعلى صعيد المستويين المذكورين، والسر في عدم تحلي تلك الشخصية بمبادئ القدرة على التحمل لتحقيق الهدف المطلوب.
ضعف المهارات
لا يوجد شك في أن تعدد سلبيات الشخصية العاجزة، يؤدي إلى صعوبة أو ربما استحالة تمتع تلك الشخصية بمستوى مقبول في أي مهارة، نظرًا لأنها لا تملك أساسيات التطور فيها من الأساس.
المعاناة الاجتماعية
تزداد أزمات الشخصية العاجزة حدة، في ظل عدم تمتعها بالمهارات الاجتماعية الطبيعية، حيث تبدو علاقاتها سطحية إلى حد بعيد، فيما يؤدي عجزها السلوكي أحيانًا إلى الميل للعزلة، علمًا بأن تلك الشخصية لا تنجح عادة في الحكم على الأمور بالشكل الصحيح.
ضعف الثقة بالنفس
من المؤكد أن كل نقاط الضعف الواضحة لدى الشخصية العاجزة، والتي تظهر على جميع الأصعدة، لها أكبر الأثر في معاناتها من ضعف الثقة بالنفس وقلة تقدير الذات، الأمر الذي يزيد من صعوبة تأقلمها مع ظروف الحياة ويتطلب إذن التدخل السريع من الأشخاص المقربين.
الشخصية العاجزة في العمل
تتعدد مظاهر معاناة الشخصية العاجزة على صعيد الحياة العملية، إذ تظهر في الصور السلبية في ترك المهام الصعبة والمسؤوليات الكبيرة إلى الآخرين، دون التفكير ولو للحظة واحدة، إما خوفًا من ارتكاب الأخطاء أو لشعورها بأنها سوف تعجز عن تولي المهمة بالشكل المطلوب، بالإضافة للسلبيات التالية:
صعوبة التطور
بينما يبدو التطور وربما الترقي في العمل، من طموحات الأشخاص الأسوياء، فإن البقاء على الوضع الحالي يعتبر كافيًا بالنسبة إلى الشخصية العاجزة قليلة المهارات وغير الطموحة، والتي لن تقوى على مواجهة تحديات تولي مسؤوليات أكبر من الأساس.
إمكانية التغيير
لا تجد الشخصية العاجزة أي أزمة في ترك العمل والالتحاق بوظيفة أخرى، وربما التنقل من جديد بين وظيفة وأخرى طوال الوقت، في ظل معاناتها من صعوبة الاستمرار على أداء مهام محددة بنفس الكفاءة لفترات طويلة.
احتمالية الفصل
من الوارد أن تكون النهاية المتوقعة دومًا للشخصية العاجزة في مقر العمل هي الفصل، فما بين ضعف المهارات ونقص الطموح، وكذلك الهرب من المسؤوليات وصعوبة التطور، يبدو القرار بالاستغناء عن أصحاب تلك الشخصية شديد المنطقية.
الشخصية العاجزة والزواج
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للشخصية العاجزة في الزواج، عما كان عليه في العمل أو في العلاقات الاجتماعية كافة، حيث يؤدي الضعف العام لديها، والمقترن بصعوبة التأقلم مع متغيرات الحياة وعدم القدرة على الاستمرارية في نشاط ما، إلى تهديد حياتها العاطفية والزوجية.
تميل الشخصية العاجزة عند الحب أو الزواج، إلى ترك المسؤولية كاملة إلى طرف العلاقة الثاني، حيث تصبح شديدة الاعتمادية في تلك الحالة، وهو أمر من المتوقع ألا يستمر طويلًا، في ظل تراكم المهام على طرف العلاقة الآخر والذي لم ولن يجد الدعم المطلوب يومًا.
يؤدي كل ما سبق إلى ارتفاع فرص فشل علاقة زواج الشخصية العاجزة، التي لا تكتفي بإلقاء المسؤولية على الطرف الآخر، بل تبدو ملحة بصورة مزعجة عندما ترغب في تنفيذ متطلباتها، لتصيب شريك الحياة بالإحباط وتدفعه إلى الابتعاد.
عوامل تكوين الشخصية العاجزة
يبدو من الصعب على خبراء علم النفس، أن يحددوا سببًا بعينه وراء ظهور الشخصية العاجزة، إلا أن الأمر ينحصر في أغلب الأحوال في العوامل التالية:
- الخضوع لطرق تربوية خاطئة، بحيث يفشل الأبوان خلالها في تعويد الطفل على تعلم المهارات يومًا بعد الآخر.
- تدليل الطفل الزائد، والرغبة في إسعاده عبر تنفيذ مهامه كافة دون ترك أي مسؤولية له.
- النشأة في أسرة شديدة التخوف والحماية لأطفالها، ليحرم الطفل من فرص التجربة وارتكاب الأخطاء ثم التعلم منها.
- غياب استراتيجيات التحفيز في تربية الطفل، والتي تدفعه للتطور بمرور الوقت.
- التعرض لصدمات نفسية في مرحلة مبكرة، وعدم التعامل معها وعلاجها بالشكل المناسب.
- المعاناة من أزمات الفص الجبهي بالدماغ، والتي تؤدي لمشكلات سلوكية وسمات تدل على العجز في إتمام مهام الحياة اليومية.
علاج الشخصية العاجزة
يبقى علاج الشخصية العاجزة من التحديات الصعبة، لتعدد نقاط الضعف لديها، إلا أن التطور والتحسن يبدو ممكنًا عند اتباع تلك الخطوات.
زيارة الطبيب النفسي
تعد أعراض المعاناة من الشخصية العاجزة وكذلك آثارها السلبية على صعيد الحياة العملية والاجتماعية لديها، كافية تمامًا من أجل زيارة الطبيب النفسي، والذي يعتبر الأجدر على تحديد سبب تكوين تلك الشخصية وكيفية تقويمها بالصورة السليمة، علمًا بأن عجز الشخصية من الوارد أن يتسبب في أزمات نفسية واضطرابات كالاكتئاب، ليبدو الخضوع للعلاج النفسي هنا خيارًا موفقًا.
الخضوع لاستراتيجيات التأقلم
يبقى الطبيب النفسي كذلك قادرًا على تحديد بعض الخطوات التي يمكن لتلك الشخصية السير عليها، من أجل تعلم كيفية التأقلم مع متغيرات الحياة، فبينما يبدو ذلك معقدًا على الشخصية العاجزة في الأساس، فإن التدريب على يد شخص متخصص يضمن التطور بدرجة أو بأخرى مع الاستمرار على العلاج.
تعزيز الثقة بالنفس
تحتاج الشخصية العاجزة لاتباع بعض الخطوات الأخرى جنبًا إلى جنب مع زيارة الطبيب النفسي، حيث تتمثل في القيام بكل ما يمكنه تعزيز ثقتها بنفسها، إذ يبدو ضعف الثقة بالذات وحده من عوامل شعور الشخص بالضعف وقلة الحيلة، ليجبره على الانسحاب من المواجهات مهما كانت فرص النجاح فيها، لذا يستحق الأمر تعزيز الثقة عبر القراءة وممارسة الرياضة والتواجد وسط أصدقاء أكثر إيجابية.
إلزام النفس بالاستمرار
إن كانت الشخصية العاجزة لا تعاني من أزمة ما نفسية، هي السر وراء سماتها الواهنة، فإن صاحب تلك الشخصية يحتاج إلى اعتياد الاستمرار في المهام الموكلة إليه، عبر إلزام النفس بإنهاء المطلوب منه للنهاية، حيث يؤدي النجاح في إنهاء أبسط المهام إلى تحسين الحالة النفسية وزيادة فرص الرغبة في إعادة الأمر في مهام أكثر تعقيدًا، لتصبح فرص النجاح في العمل حينها متوفرة.
كيفية التعامل مع الشخصية العاجزة
لا تمثل المعاناة من الشخصية العاجزة تحديًا صعبًا على صاحبها فقط، بل كذلك على الشخص الذي يتعامل معه بصفة دائمة، في العمل أو المنزل أو في أي مكان آخر، لذا ينصح بالآتي:
عدم التجاوب الدائم
إن كانت معاناة صاحب الشخصية العاجزة من قلة الحيلة وضعف المهارات، من عوامل تحفيز الأشخاص المحيطين به على مساعدته وتنفيذ متطلباته، فإن الانصياع لرغباته طوال الوقت قد يزيد الأمور سوءا، بحيث يصبح الشخص المقرب منه ضحية له، لذا ينصح بالاتزان بين مساعدته أحيانًا وإلزامه بتحمل المسؤولية في أحيان أخرى.
التشجيع
يتطلب دفع الشخصية التي تعاني من العجز إلى القيام ببعض المهام التقليدية، إلى تحفيزها بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة، ما يتحقق عبر التركيز على نقاط القوة لدى تلك الشخصية وحتى إن كانت غير واضحة المعالم، مع مدح سلوكها عند إنجازها لأي مهمة مهما كانت بسيطة.
عدم المبالغة
بينما ينصح بتعويد الشخصية العاجزة على القيام ببعض المهام، وربما تحمل بعض المسؤوليات، فإن الأمر لا يعني إلزام تلك الشخصية بمهام معقدة أو مسؤوليات تتعلق بمصير شخص آخر، حيث يؤدي الفشل المتوقع سلفًا هنا إلى التأثير بالسلب على الشخص العاجز وعلى آخرين ليس لهم ذنب في تحمل هفوته.
النصح بالعلاج
ربما يعتبر تحفيز الشخصية التي تتسم بالعجز العام على زيارة الطبيب المختص هو أفضل ما يمكن تقديمه أحيانًا لتلك الشخصية، وخاصة إن كانت تعاني على الصعيد النفسي من القلق الزائد، حيث يصبح تقويم طبيعتها المعقدة أكثر سهولة عند اتباع خطوات علمية يعتبر الطبيب هو الشخص الأكثر قدرة على تحديدها.
في كل الأحوال، يبدو علاج الشخصية العاجزة أكثر تعقيدًا كلما تأجلت بداية رحلة التقويم، حيث يحتاج الأمر لفتراتٍ طويلة من التدريب للتخلص من عادات تلك الشخصية، أملًا في دق أبواب النجاح يومًا.