يمر الجميع بتقلبات مزاجية بين الحين والآخر، حيث تبدو المشاعر السلبية مسيطرة لبعض الوقت قبل أن تعود الأمور لطبيعتها لاحقًا، إلا أن الأمر يختلف عند الشخصية الدورية، التي تصل تقلبات المزاج لديها لحد الهوس أو الاكتئاب، وربما المعاناة من أخطر الاضطرابات النفسية، فما طبيعة تلك الشخصية؟
الشخصية الدورية
تعرف الشخصية الدورية بأنها تلك الشخصية متقلبة المزاج، والتي إما تعاني من فترة من الاكتئاب غير حاد الأعراض، أو تبدو وكأنها تحت سيطرة درجة بسيطة من الهوس والابتهاج المبالغ في فترة أخرى.
تندرج الشخصية الدورية أسفل قائمة اضطرابات الشخصية النفسية حين تصل فترة التقلبات في المزاج إلى عامين أو أكثر لدى البالغين، حيث يصنف الشخص حينها بأنه يعاني من دوروية المزاج، وهو الاضطراب المزمن الذي يؤثر على حياة المريض الاجتماعية والعملية.
يتطور الوضع أحيانًا للأسوأ لدى الشخصية الدورية، حينما يتحول الاضطراب إلى شكل آخر وأكثر خطورة من الأزمات النفسية، يعرف باسم اضطراب ثنائي القطب، علمًا بأن دوروية المزاج لها دور في زيادة فرص إدمان المواد المخدرة، والإصابة بمشكلات النوم المزعجة.
علامات الشخصية الدورية
ترى الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين أن المعاناة من الشخصية الدورية تتحدد بصورة مؤكدة، حينما تظهر على الشخص الأعراض التالية:
نوبات الاكتئاب والهوس المتكررة
تعاني الشخصية الدورية في بعض الفترات من نوبات هوس بسيطة لا تصل إلى حد الهوس الكامل، لكنها تبدو واضحة المعالم، كما تعاني في فترات أخرى من نوبات اكتئاب ليست شديدة لكنها تؤثر على حياة الشخص، فيما تستمر لعامين أو أكثر لدى البالغين، ولعام واحد فقط لدى الأطفال والمراهقين.
فترات الاستقرار المتقطعة
يكشف استقرار المزاج لفترات ليست طويلة، ولا تستمر لأكثر من شهرين، في ظل وجود التقلبات التي تسيطر على حياة الشخص في أغلب الأوقات، عن المعاناة من الشخصية الدورية، ليبدو الوضع المعتاد هو ذلك الذي يشهد الحزن الشديد أو التفاؤل المريب.
التضرر على جميع المستويات
يمكن اكتشاف إصابة الشخص بدوروية المزاج، حينما تبدو التقلبات المزاجية لديه مؤثرة بصورة واضحة على نشاطات حياته المختلفة، حيث تتعارض مع إمكانية تكوين علاقات اجتماعية أو عاطفية سوية، كما تؤدي إلى عرقلة مسيرته على الصعيد العملي، ولكن بصورة ليست تامة.
أعراض نوبات اكتئاب الشخصية الدورية
يحمل اضطراب دوروية المزاج للمصابين به، بعض الأعراض التي تظهر تحديدًا خلال فترات المعاناة من نوبات الاكتئاب، وهي:
- الشعور بالحزن والفراغ الداخلي وفقدان الأمل في كل شيء.
- الإحساس بالتهيج الزائد عن الحد الطبيعي.
- سيطرة مشاعر الأسى بدرجة يشعر معها المريض دائمًا بأنه على وشك البكاء.
- المعاناة من اضطرابات النوم التي إما تظهر في صورة نوم طويل الساعات أو نوم بسيط تمامًا.
- الشعور بالذنب وكذلك بسوء تقدير الذات دون وجود أسباب واضحة.
- المعاناة من التعب وعدم الراحة علاوة على فقدان التركيز.
- عدم الرغبة في ممارسة النشاطات التي بدت ممتعة من قبل.
- الشعور بالوحدة والتشاؤم والرغبة في الانعزال.
- ضعف القدرة على التخطيط أو الحكم على الأمور أو حل المشكلات مختلفة الدرجات.
- عدم الإحساس بوجود معنى أو هدف للحياة بشكل عام.
- ظهور بعض الأفكار الانتحارية.
أعراض نوبات هوس الشخصية الدورية
على الجانب الآخر، تظهر نوبات الهوس لدى الشخصية الدورية أو الشخصية المصابة بدوروية المزاج ممثلة في:
- الشعور المبالغ بالسعادة والرضا عن الذات.
- التفاؤل الشديد بشأن شتى أمور الحياة الخاصة أو العامة.
- عدم الاحتياج إلى النوم بدرجة واضحة المعالم.
- سيطرة الأفكار المتسارعة على الذهن.
- التحدث كثيرًا وبدرجة تفوق الحد الطبيعي للشخص نفسه.
- الفشل في الحكم على الأمور بصورة تدفع تلك الشخصية للمخاطرة.
- ممارسة الأنشطة البدنية بدرجة زائدة عن الحد.
- سهولة التشتت والشعور بصعوبة شديدة في التركيز على الأمور الضرورية.
- كثرة الحركة والإحساس بمدى تعقيد البقاء في وضع ثابت ولو لفترة قليلة من الوقت.
- عدم الاستقرار النفسي، والذي يظهر في صورة انفعال مبالغ تجاه الأحداث الجارية.
- الاندفاع الشديد وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات.
أسباب المعاناة من الشخصية الدورية
تبدو أسباب المعاناة من دوروية المزاج أو من الشخصية الدورية المضطربة محاطة بالغموض حتى وقتنا الحالي، وهو الأمر المعتاد بالنظر إلى أغلب الاضطرابات النفسية التي يبقى تحديد أسبابها من العمليات شديدة التعقيد، وإن كان ذلك لم يمنع الخبراء من التوقع.
من الوارد أن تظهر علامات المعاناة من الشخصية الدورية لدى الشخص الذي أصيب أحد أفراد أسرته بالأزمة ذاتها، حيث يمكن لدوروية المزاج أن تنتقل بدرجة أو بأخرى عبر الجينات الوراثية.
كذلك يمكن لبعض العوامل البيئية أن تزيد من فرص المعاناة من دوروية المزاج، حيث يؤدي التعرض للأذى الجسدي أو الجسدي وللصدمات الشديدة أو للتوتر على مدار فترات طويلة، إلى زيادة مخاطر الإصابة بهذا الاضطراب.
الفرق بين دورية المزاج واضطراب ثنائي القطب
يعتبر الخلط بين دوروية المزاج واضطراب ثنائي القطب متوقعًا لدى الكثيرين، حيث يتفق الاضطرابون من ناحية معاناة المريض من تقلبات المزاج، إلا أن هناك بعض الفروق الواضحة أيضًا، مثل:
درجة النوبات
إن كانت الشخصية الدورية المصابة بدوروية المزاج تعاني من التقلبات المزاجية شأنها شأن المصاب باضطراب ثنائي القطب، فإن نوبات الاكتئاب تبقى أقل حدة ونوبات الهوس تبدو قابلة أكثر للسيطرة لدى الشخصية الدورية.
استمرارية النوبات
فارق آخر تكشف عنه مدى استمرارية نوبات الاكتئاب أو الهوس لدى الشخصية الدورية، حيث تستمر تلك النوبات لفترات مختلفة، لكنها تبدو قصيرة بالمقارنة بالنوبات التي يعاني منها مريض اضطراب ثنائي القطب.
الأثر على الحياة
إن كان اضطراب دوروية المزاج يؤثر بالسلب على الظروف الحياتية لدى المريض، فإن هذا التأثير يبقى بسيطًا مقارنة بمصير مريض اضطراب ثنائي القطب، الذي يعجز في الكثير من الأحيان عن التطور إن لم يخضع للعلاج الصحيح.
الأفكار الانتحارية
من الوارد أن تكشف حدة المعاناة من الأفكار الانتحارية عن الفارق بين مريض اضطراب ثنائي القطب ومريض اضطراب دوروية المزاج، إذ يعاني الأول من تلك الأفكار بصورة مبالغة قد تدفعه إلى اتخاذ قرار التخلص من الحياة بالفعل، فيما تبدو معاناة الثاني من تلك الأفكار أقل حدة، وإن كانت تسيطر على الذهن في بعض الفترات.
علاج الشخصية الدورية
يرى خبراء الصحة أن العلاجات المخصصة لاضطراب ثنائي القطب تبدو فعالة في كثير من حالات دوروية المزاج، فيما يتطلب الأمر خضوع المريض لتلك الخطوات بشكل عام:
زيارة الطبيب النفسي
هي الخطوة الأولى التي يجب على الشخص اتخاذها إن شعر بأعراض دوروية المزاج، حيث يمكن للطبيب النفسي أن يحدد ما إن كانت تلك هي أعراض تقلبات مزاجية عادية أو علامات معاناة من الشخصية الدورية أو ربما أعراض اضطراب ثنائي القطب.
العلاج المعرفي السلوكي
يقرر الكثير من الأطباء النفسيين خضوع الشخصية الدورية لجلسات العلاج المعرفي السلوكي، كونها تبدو قادرة على تعديل طريقة تفكير المريض، حيث تنجح في العادة في تبديل الأفكار السلبية إلى أخرى إيجابية، علاوة على أنها تكشف مناطق تحفيز الأزمة، فيما تعلم المريض كيفية التعامل معها.
العلاج السلوكي الجدلي
تبدو جلسات العلاج السلوكي الجدلي كذلك مفيدة لمريض دوروية المزاج، والسر في أنها تزيد من وعيه، وتحسن من قدراته على ضبط مشاعره، علاوة على أن تلك الجلسات تنجح عادة في إلزام المريض بعدم إيذاء نفسه أو تناول المواد الممنوعة أو التفكير في الانتحار، وهي أكثر المخاوف المحيطة بصاحب الشخصية الدورية.
علاج الإيقاع الشخصي المتناسق
هي واحدة من الجلسات التي ينصح بها الأطباء أيضًا في حالات الشخصية الدورية، إذ تعمل على زيادة التناغم بين المريض وبين الأشخاص في محيطه، كما أنها تساهم في ضبط روتين حياته المتمثل في مواعيد الاستيقاظ والنوم وتناول الطعام، إضافة إلى دورها في ضبط المزاج.
نصائح للشخصية الدورية
يبدو الذهاب للطبيب النفسي هو الخيار الأصوب للشخصية الدورية، والتي تحتاج أيضًا إلى اتباع بعض الخطوات لتسهيل مهمة العلاج.
- مراقبة نوبات الاكتئاب أو الهوس، من أجل إعطاء الطبيب معلومات أكثر دقة عن الحالة.
- عدم التكاسل عن الحصول على الأدوية العلاجية التي تساهم في ضبط المزاج وتقليل الأعراض.
- تجنب الحصول على الكحوليات أو المواد المخدرة، التي تزيد من حدة الأزمة.
- ممارسة الرياضة وغيرها من الأنشطة القادرة على ضبط المزاج بدرجة مطلوبة.
- محاولة الحصول على قسط وفير من النوم كلما سنحت الفرصة لذلك.
كيفية التعامل مع الشخصية الدورية
إن كنت على علاقة مقربة بشخص يعاني من دوروية المزاج، سواء كانت علاقة زواج أو قرابة أو صداقة، فإن بعض الخطوات الداعمة يمكنها مساعدته بدرجة مقبولة، وتتلخص في:
التحفيز على ممارسة الأنشطة الإيجابية
بينما يمر مريض دوروية المزاج بنوبات الاكتئاب، التي تدفعه إلى الخمول الشديد وعدم الرغبة في ممارسة أي نشاط، فإن القدرة على تحفيز هذا الشخص، دون إزعاجه أو إجباره، على ممارسة الأنشطة الإيجابية تبدو أفضل وسيلة لتحسين حالته، حتى لا تتأثر حياته بالسلب جراء تلك الأزمة.
ملاحظة السلوكيات الخطيرة
ينصح دائمًا بمراقبة سلوكيات الشخصية الدورية، التي يسهل انحرافها تجاه ممارسات خطيرة تضر بالنفس، وربما تتمثل في تناول الكحوليات أو المواد المخدرة أو غيرها من الأشياء التي تضر البشر بشكل عام، فيما تبقى أكثر ضررًا على مرضى دورورية المزاج.
متابعة الروتين
تبدو إمكانية متابعة روتين المنزل لدى مريض دوروية المزاج ممكنة، في حالة الإقامة معه بين جدران بيت واحد، حينها ينصح بتعويد المريض على النوم والاستيقاظ في مواعيد شبه ثابتة، مع التأكد من حصوله على الأدوية العلاجية في ظل خطورة قيامه بتجاهلها.
التواصل مع الطبيب
يعتبر التواصل مع الطبيب النفسي الخاص بالمريض، من واجبات الشخص المقرب منه، وخاصة عند ملاحظة أي تغيرات في حالته النفسية، حيث يمكن للاستشارات السريعة أن تعالج الأزمات الطارئة التي قد يمر بها صاحب الشخصية الدورية، لتبدو وسيلة مثالية لإنقاذ الموقف في الوقت المناسب.
في كل الأحوال، تبدو دوروية المزاج من الاضطرابات المزمنة، إلا أن نوباتها تعتبر غير حادة ويمكن السيطرة على أعراضها قدر الإمكان، فقط إن قرر صاحب الشخصية الدورية زيارة الطبيب دون تأجيل مع اتباع خطوات العلاج دون تقصير.