تتعدد العلامات التي تكشف عن عدوانية شخص، ما بين التحدث بأسلوب حاد والانفعال المبالغ عند مواجهة المشكلات، وربما تهديد حياة الآخرين، إلا أن المؤكد دائمًا هو أن الشخصية العدوانية في علم النفس تعد من أكثر الشخصيات اضطرابًا، لذا نوضح أسباب أزمتها وعلامات ظهورها وكيفية تقويمها.
الشخصية العدوانية في علم النفس
تعرف الشخصية العدوانية في علم النفس باعتبارها تلك الشخصية الحادة، التي تميل إلى التعامل بطرق مضطربة في الحياة اليومية، تظهر في شكل أذى نفسي بالقول، أو أذى جسدي بالاعتداء، لتعد واحدة من أخطر الشخصيات.
لا تهدد الشخصية العدوانية الأشخاص المحيطين بها فحسب، بل من الوارد أن تتسبب في الأذى لنفسها، كما أنها لا تجد أزمة في الإضرار بالحيوانات أو حتى بالأشياء، عبر تحطيمها أو إفساد عملها.
أنواع السلوك العدواني
يفرق خبراء علم النفس بين نوعي السلوك العدواني، حيث يكشف كل منهما عن أسباب مختلفة وراء ظهور رد الفعل العدائي.
السلوك العدواني التلقائي
هو ذلك السلوك غير المخطط له، والذي يتسم بانفعال صاحبه بصورة واضحة، جراء المعاناة من الغضب الشديد، ليظهر بشكل مفاجئ في لحظات تسارع الأحداث، مثلما يحدث على سبيل المثال حينما يفاجأ سائق سيارة بعربة أخرى تمر من أمامه أو تصطدم به، ليسارع بالصراخ والسباب وربما الشجار.
السلوك العدواني المخطط
هو نوع مختلف من أنواع السلوكيات العدوانية، والذي يرغب من خلاله الشخص في الوصول لأهداف كبرى بالنسبة له، لذا يخطط له جيدًا حتى لا يقع في الأخطاء، وهو ما نراه في عمليات السرقة المنظمة، والتي لا يتوانى فيها الشخص العدواني لحظة في إيذاء الآخرين لتحقيق هدفه البغيض.
صفات الشخصية العدوانية في علم النفس
توجد بعض العلامات والسمات التي يمكنها الإفصاح عن الشخصية العدوانية في علم النفس بوضوح شديد، مثل: الرغبة الشديدة في السيطرة على كل شيء، بدرجة تجعل من احتلال المكانة الأعلى مثل الهاجس لتلك الشخصية، ما يكشف عن التشابه الواضح بين الشخصية العدوانية في علم النفس وبين الشخصية النرجسية، وبعض الصفات الأخرى المتمثلة فيما يلي:
كراهية القواعد
بينما تعشق الشخصية العدوانية السيطرة على كل ما يحيط بها، فإنها تبغض إحساس الخضوع، بل وتعد كارهة تمامًا لفكرة السير على القواعد، لذا تبدو أحيانًا وكأنها في حرب شرسة مع كل الأمور التي تهدد راحتها أو تقف في طريق تنفيذ رغباتها مهما كانت.
الاهتمام بالذات فقط
تصنف الشخصية العدوانية في علم النفس من ضمن الشخصيات التي تتسم بالأنانية وحب الذات فقط، لذا تتعامل مع المواقف المختلفة وهي منشغلة بكيفية تحقيق المكاسب ولو على حساب الآخرين، ليكشف ذلك من جديد عن التشابه بينها وبين الشخصية النرجسية، علمًا بأنها لا تكتفي بتجاهل احتياجات البشر كالنرجسيين، بل ويمكنها سحق تلك الاحتياجات لإشباع رغباتها.
فقدان السيطرة على النفس
تتسم الشخصية العدوانية في علم النفس كذلك بعدم القدرة على السيطرة على مشاعرها وانفعالاتها، حيث تبدو مثل قطار سريع يسير في اتجاهه دون الالتفات لإمكانية إيذاء الآخرين، لذا تحدث الأزمات بحق الغير وخاصة وأنها لا تهتم بتحجيم غضبها من الأساس.
الشغف بالفوز وخسارة الآخرين
إن كان الشخص السوي يرغب في تحقيق الانتصارات، وكذلك في وصول الآخرين للمكاسب التي يحلمون بها، أو على الأقل لا ينشغل بمكسب أو بخسارة الأشخاص من حوله، فإن شغف الشخصية العدوانية يتمثل أحيانًا في تحقيق الفوز وفي خسارة الآخرين في نفس الوقت، ليفصح ذلك بوضوح عن مدى اضطراب الشخصية العدوانية في علم النفس.
أعراض الشخصية العدوانية
تكشف الصفات المذكورة عن كيفية تعامل الشخصية العدوانية مع مواقف الحياة، لكن هناك بعض الأعراض المرضية المصاحبة لسلوكيات تلك الشخصية الحادة، مثل:
- القلق والتوتر الشديد بسبب وبدون سبب.
- المعاناة من تقلبات مزاجية تصبح حادة في بعض الأوقات.
- الإصابة بضعف واضح في الذاكرة.
- ضعف مهارات التواصل مع البشر المحيطين وبمختلف درجات القرب منها.
- الانعزال عن المجتمع رويدًا رويدًا.
- سوء اتخاذ القرارات وعدم القدرة على الحكم على الأمور.
- الأرق الشديد وصعوبة الاستغراق في النوم.
- الفشل في التفكير بشكل منهجي مرتب.
- تهديد النفس أو الآخرين بالخطر.
آثار المعاناة من الشخصية العدوانية
تبدو سمات وأعراض الشخصية العدوانية في علم النفس، وكأنها تعمل في غير صالح من يعاني منها، لذا تتكشف آثارها المدمرة على الشخص في المواقف التالية:
الفشل في العمل
يعتبر فشل الشخصية العدوانية في مجال العمل من الأمور التي قد تحدث عاجلًا أم آجلًا، حيث لا تكتفي بما تعاني منه في الأساس من صعوبة في اتخاذ القرارات أو في التعامل مع الأزمات أو حتى في التركيز على المهام المطلوبة، بل وتفسد علاقاتها بزملاء العمل ليصبح الاستمرار محل شك كبير.
سوء العلاقات
لا تبدو علاقات الشخصية العدوانية سيئة في العمل فقط، بل من المؤكد أن العلاقات الاجتماعية لدى تلك الشخصية تصبح مفككة يومًا بعد الآخر، إذ يجد الآخرون أن مخاطر التعامل مع الشخصية العدوانية تفوق كثيرًا المكاسب التي يمكن تحقيقها من وراءها، لذا يغدو تجنبها هو الخيار الأسهل.
الوقوع في المشكلات القانونية
بينما يبدو الشخص العدواني في حالة دائمة من التأهب للغضب والانفعال، ومن ثم تهديد الآخرين بالأذى، فإن الشخصية العدوانية في علم النفس تصبح واحدة من أكثر الشخصيات وقوعًا في المشكلات القانونية، التي تهدد فرصها في التمتع بحياة طبيعية.
الإدمان
هي واحدة من أسوأ آثار المعاناة من تلك الشخصية الحادة، حيث تجد الشخصية العدوانية راحتها في بعض الأحيان في شرب الكحوليات أو في تعاطي المواد المخدرة، الأمر الذي يتطور للأسوأ بمرور الوقت، لتزيد فرص المعاناة من إدمان يصبح هو بداية النهاية لتلك الشخصية المضطربة.
إيذاء النفس
تتسبب الشخصية العدوانية بالأذى لنفسها أحيانًا بصورة تبدو متعمدة، إذ يبدأ الأمر بالقيام بممارسات خطيرة تنتهي بتعرضها لإصابات جسدية، قبل أن يسوء الوضع كثيرًا ليصل بتلك الشخصية إلى الوقوع في أسر الأفكار الانتحارية، التي قد تنفذها فعليًا إن تدهورت الأمور أكثر.
أسباب ظهور الشخصية العدوانية
ما بين تهديد البشر بالأذى وربما تهديد النفس أيضًا بأخطر الأشياء، تبدو الشخصية العدوانية شديدة الاضطراب، فما هي الأسباب إذن؟
المرض النفسي
تؤدي المعاناة من المرض النفسي أحيانًا إلى تكوين تلك الشخصية العدوانية الحادة، حيث يمكن لمرض الاكتئاب أن يكون أحد أسباب سمات العدوانية لدى المريض، مثلما يمكن لأزمات أخرى كالفصام أو اضطراب ثنائي القطب أو اضطراب ما بعد الصدمة أن تؤدي لنفس النتيجة.
تلف الدماغ
من الوارد أن يتسبب تلف الدماغ في معاناة الشخص من السلوك العدواني المكروه، وهو التلف الذي ربما ينتج عن الإصابة بالسكتات أو جراء المعاناة من إصابة شديدة في الرأس.
العوامل الوراثية
تبدو العوامل الوراثية كالعادة من أسباب معاناة الأفراد من أزمات الأجيال السابقة، ما ينطبق على الشخصية العدوانية التي قد ترث انفعالات الآباء، علمًا بأن مشاهدة الأطفال لسلوكيات الأبوين العدوانية، تزيد من تحفيز التمتع بنفس السلوك في السنوات التالية.
الإدمان
إن كان الإدمان يعتبر من آثار التمتع بالشخصية العدوانية، فإن المعاناة من تلك الشخصية من الأساس قد تنتج عن إدمان المخدرات أو الكحوليات، لترتبط كل من عدوانية السلوك والإدمان بدرجة كبيرة تؤثر بالسلب على الشخص نفسه وعلى المحيطين به.
خطوات علاج الشخصية العدوانية
تكشف أبحاث الخبراء التي تخص الشخصية العدوانية في علم النفس، عن تأثيراتها السلبية بحق النفس والآخرين، ليصبح علاجها مطلوبًا بشدة عبر الخطوات التالية:
زيارة الطبيب النفسي
هي الخطوة الأولى التي تضع الشخص العدواني على الطريق الصحيح، حيث يعمل الطبيب النفسي على اكتشاف الأسباب وراء سلوك المريض العدواني، ليبدأ في اقتراح تعديلات يمكنها تجنب تلك الأسباب والعوامل، بجانب تعلم طرق علمية للتأقلم مع المواقف السلبية والتعامل معها دون انفعال.
العلاج السلوكي المعرفي
يمكن للطبيب أن يأمر بخضوع الشخصية العدوانية لجلسات العلاج المعرفي السلوكي، حيث تبدو قادرة على تعليم الشخص كيفية التحكم في سلوكياته الانفعالية، عبر اعتياد اللجوء إلى أساليب تأقلم ناجحة، علاوة على فهم الآثار السلبية التي تؤدي إليها التصرفات العدائية في النهاية.
الأدوية العلاجية
من الوارد أن يصف الطبيب للشخص العدواني بعض الأدوية العلاجية، إما أدوية لزيادة هدوء المريض وبالتالي زيادة قدرته على التحكم في سلوكياته، أو أدوية أخرى توصف إن بدا يعاني من أزمة جانبية، مثل الفصام أو اضطراب ثنائي القطب أو غيرها من الأمراض المرتبطة بالسلوك العدواني.
في الختام، تبقى الشخصية العدوانية في علم النفس واحدة من أخطر الشخصيات وأكثرها اضطرابًا بما تحمله من آثار مدمرة للشخص نفسه ولمن حوله، لذا يعتبر تقويم تلك الشخصية مطلبًا لا جدال فيه، لحماية الآخرين قبل منع صاحب السلوك العدواني من إيذاء نفسه بأبشع الصور.