يرى الكثيرون أن الاهتمام بالمظهر العام والصحة الجسدية، يعبر دومًا عن الأشخاص الأسوياء، فيما يتضح أن تلك العلامات تفضح أحيانًا الشخصية الهستيرية، والتي ترغب في ما سبق للفت الانتباه والبقاء في دائرة الضوء فحسب، ترى كيف يمكننا اكتشاف تلك النوعية المضطربة من البشر؟
الشخصية الهستيرية في علم النفس
تصنف الشخصية الهستيرية في علم النفس باعتبارها من اضطرابات الشخصية من النمط الثاني، المعروف بعدم الاتزان النفسي وتشوه النظرة تجاه الذات والميل إلى السلوكيات الدرامية، ليشير إليه الخبراء باسم اضطراب الشخصية الهستيرية.
تكمن الأزمة لدى تلك الشخصية، في تركيزها الشديد على كسب إعجاب الآخرين، لتمارس كل السلوكيات؛ مقبولةً كانت أو مرفوضة لتحقيق هذا الغرض، فيما تتحدد درجة رضاها عن النفس وفقًا لمدى شعورها بالقبول من الأشخاص من حولها.
يبدو اضطراب الشخصية الهستيرية في علم النفس، من الاضطرابات النفسية التي قد تصيب الإنسان في أي عمر ومن أي نوع، إلا أن نسب المعاناة من سمات تلك الشخصية المضطربة تعتبر أكثر ارتفاعًا لدى النساء مقارنة بالرجال، وبين المراهقين أو من هم في بداية مرحلة البلوغ أكثر من أصحاب الأعمار الأخرى.
صفات الشخصية الهستيرية
أحيانًا ما تبدو فرص اكتشاف إصابة شخص بهذا الاضطراب معقدة بالنسبة للبشر العاديين، نظرًا لأنه يتمتع في العادة بمهارات اجتماعية جيدة، إلا أن ملامح الحالة المرضية تظهر بوضوح عند ملاحظة الصفات التالية:
الشغف بكسب الانتباه
إن كانت الرغبة في التميز وإثبات القدرة على النجاح من الرغبات المشروعة لدى الجميع؛ فإنها تصبح أشبه بالهاجس المزعج بالنسبة لتلك الشخصية المضطربة، والتي ما أن شعرت بأنها ليست مركز الاهتمام الذي يدور حوله الجميع، فإنها تعاني من عدم الراحة والغضب، الأمر الذي قد يدفعها إلى التهديد بالانتحار أو حتى اتخاذ خطوات جادة فيه من أجل كسب الانتباه.
تقلب المزاج
تبدو فرص تقلب المزاج مرتفعة لدى الشخصية الهستيرية، حيث يحدث ذلك سريعًا وبدرجة تدعو البعض إلى الاستغراب، في ظل عدم قدرتها على التفكير قبل اتخاذ القرارات أو قبل إظهار مشاعرها المتذبذبة وفقًا لردود فعل الآخرين تجاهها.
السلوك الدرامي
يعد التعامل مع المواقف المختلفة بطريقة درامية أو مسرحية، من أبرز صفات الشخصية الهستيرية، حيث تبدو أحيانًا وكأنها تقوم بتقمص شخصيةٍ ما أمام مجموعة من المتفرجين، بانفعالات ومشاعر مبالغة تفتقد للصدق الذي يصل للقلوب.
الاهتمام بالمظهر
هي واحدة من أبرز علامات أو صفات الشخصية الهستيرية، والتي تتمثل في الاهتمام الشديد بالمظهر العام، مع الانتباه جيدًا لحالتها الجسدية؛ أملًا في أن يكون ذلك من عوامل الفوز بإعجاب واهتمام البشر من حولها.
انتظار القبول
تعاني تلك الشخصية كثيرًا في ظل تركيزها الدائم على رؤية ردود فعل الآخرين تجاهها، حيث يشكل ذلك هاجسًا لديها، ليجعلها في حاجة ماسة إلى الشعور بالقبول من المحيطين بها، وإلا تحولت نظرتها إلى النفس لنظرة دونية وغير واثقة.
الانخداع بسهولة
لا تعد ممارسة الحيل والألاعيب النفسية من المهام المعقدة، على أي شخص يتعامل مع مريض هذا الاضطراب، والذي يتسم أحيانًا بالسذاجة الشديدة التي تجعله مثل الصيد السهل لأصحاب العقول المريضة.
الحساسية الشديدة
بقدر اهتمام الشخصية الهستيرية بكسب انتباه الآخرين وإعجاب المحيطين، تأتي درجة مشاعر المعاناة لديها عند عدم تحقق غرضها، حيث تظهر درجة فائقة من الحساسية عند سماع عبارات النقد، أو عند إحساسها بالعجز عن الشعور بالقبول الاجتماعي المطلوب.
سهولة الشعور بالملل
لا يعد من المستغرب أن يصبح الشعور بالملل سريعًا من ضمن صفات الشخصية الهستيرية، حيث تتسلل مشاعر السأم إليها بمجرد أن تتبع الروتين، لذا يصبح بدء المهام والتخلي عنها في منتصف الطريق، للانتقال إلى مهمة أو نشاط آخر، من أشهر سلوكيات تلك الشخصية.
عوامل تكون الشخصية الهستيرية
يعجز خبراء علم النفس حتى الآن عن اكتشاف السبب المحدد وراء معاناة البعض من اضطراب الشخصية الهستيرية، فيما يرجح العلماء أن يتمثل سبب الإصابة في أحد العوامل التالية:
- ينتقل الاضطراب بصورة وراثية أحيانًا، حينها تؤدي الجينات لإصابة الابن إن كان أحد الوالدين يعاني من نفس الأزمة.
- يمكن للابن أن يعاني من اضطراب الشخصية الهستيرية، تأثرًا بسلوكيات الأب أو الأم التي تعاني من المشكلة ذاتها، بعيدًا عن الجينات الوراثية.
- غياب أساليب التربية المعتمدة على العقاب عند الخطأ، والميل إلى التدليل، يزيد فرص الإصابة.
- الانتباه المفاجئ للابن من جانب الأبوين ثم غيابهما فجأة، يربك حساباته ليحفز الأزمة لديه.
مضاعفات المعاناة من الشخصية الهستيرية
إن كانت المعاناة من اضطراب الشخصية الهستيرية لا تؤدي بالضرورة إلى تدهور العلاقات الاجتماعية أو العملية لدى المصابين به، فإنه في حالات أخرى يتسبب في مضاعفات لا حصر لها كتلك التالية:
الإصابة بالاكتئاب
هي واحدة من أبرز مضاعفات الإصابة بالشخصية الهستيرية على المستوى المرضي، حيث تعاني تلك الشخصية من صعوبة تقبل فكرة الفشل أو فقدان شخص ما، لتصبح مهددة بصورة كبيرة بالإصابة بمرض الاكتئاب، مقارنة بالبشر الآخرين.
سوء العلاقات الاجتماعية
من الوارد أن تبدو العلاقات الاجتماعية لدى تلك الشخصية المضطربة شديدة السوء، فما بين رغبتها المزعجة في احتلال صدارة المشهد العام، وبين تبلد مشاعرها تجاه الآخرين أحيانًا وعدم اهتمامها برغباتهم، تصبح تلك الشخصية غير مرحب بها بالشكل المطلوب على الصعيد الاجتماعي.
فشل العلاقات العاطفية
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنظر للعلاقات العاطفية أو الزوجية المهددة بالفشل، حينما يكون أحد طرفيها من مصابي اضطراب الشخصية الهستيرية، حيث يقوم صاحب تلك الشخصية بوضع الضغوطات على الطرف الآخر، في ظل شغفه بالقبول والشعور بالاهتمام طوال الوقت.
تدهور الأوضاع الوظيفية
قد لا يتأثر بعض مرضى اضطراب الهستيريا بحالتهم المضطربة على الصعيد العملي، إلا أن نسبة ليست قليلة من مصابي هذا الاضطراب، يعانون من التشتت والحساسية الشديدة تجاه النقد، بدرجة تحول دون تحقيقهم للنجاحات المرغوبة في مجال العمل.
علاج الشخصية الهستيرية
يتمثل التحدي الأكبر عند السعي لعلاج اضطراب الهستيريا، في إقناع المريض بأنه يعاني من أزمة في الأساس، قبل إلزامه بالاستمرار في العلاج في تحد آخر لا يقل صعوبة عن سابقه، نظرًا لكراهيته الشديدة للروتين، فيما يتمثل العلاج نفسه في تلك الخطوات:
العلاج بالتحليل النفسي
يلجأ الطبيب المختص إلى جلسات العلاج بالتحليل النفسي، أملًا في دفع المريض للكشف عن المخاوف والمحفزات التي تؤدي إلى تبني أفكاره وسلوكياته الخاطئة، قبل مساعدته على اتباع خطوات أخرى أكثر إيجابية عند التعامل مع البشر.
زيادة الثقة بالنفس
يعتمد الأطباء كذلك على توجيه بعض النصائح وإلزام المريض باتباع بعض الخطوات، التي من شأنها مساعدته على زيادة ثقته بنفسه، الأمر الضروري الذي وإن نجح فيه الطبيب، فإنه يبدو من عوامل زيادة رضا تلك الشخصية عن نفسها، وبالتالي تقل رغبتها في كسب القبول أو الاهتمام من الأشخاص المحيطين بها.
وصف الأدوية العلاجية
بينما تؤدي المعاناة من سمات الشخصية الهستيرية إلى زيادة فرص الإصابة بأمراض نفسية شائعة مثل الاكتئاب والقلق المرضي، فإن الطبيب قد يلجأ إلى بعض الأدوية العلاجية للسيطرة على أعراض تلك الأمراض المذكورة، ولزيادة نسب الشفاء من الاضطراب بدرجة أو بأخرى.
في الختام، يبقى اضطراب الشخصية الهستيرية من ضمن الأزمات النفسية التي تشتت ذهن المريض، وتدفعه إلى اتباع سلوكيات سيئة لتحقيق أغراض أشد سوءا، لذا يبدو الخضوع للعلاج النفسي ضرورة قصوى، لإنقاذ الموقف قبل تفاقمه.