على مدار عقود طويلة، ارتبط استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية بشكل وثيق بسقوط القنبلتين النوويتين على “هيروشيما وناجازاكي”، لكن السؤال المهم الآن؛ هل من الممكن أن يكذب الجميع؟ بعد عدد لا يحصى من الكتب والأفلام والكتب المدرسية والأفلام الوثائقية التلفزيونية، هل ما وصلنا عن أيام الحرب الأخيرة خاطئ تماما؟
استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية.. النسخة التقليدية
قبل أن نتطرق للإجابة على السؤال أعلاه، علينا أولًا أن نذكرك بالسردية التقليدية لانتهاء الحرب، التي في الأغلب قد تكون حافظًا لها عن ظهر قلب، لكن لا مانع من التذكير بها.
تتلخص الرواية المقبولة تقليديا لكيفية استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية ومن الصراع الأكثر دموية في تاريخ العالم في الآتي؛ بحلول مايو 1945، انتهت المعركة ضد النازيين، مات هتلر، وتم تحطيم نظام الإبادة الجماعية، وكان هناك ابتهاج في شوارع دول الحلفاء، لكن الاحتفالات كانت سابقة لأوانها، فالحرب نفسها لم تكن قد انتهت بالفعل.
كانت اليابان لا تزال صامدة، ويبدو أنها مصممة على القتال حتى النهاية المريرة والدموية، فكان السؤال؛ كيف يمكن أخيرًا تحطيم عزمهم الذي يبدو لا يتزعزع؟ كانت المعركة في المحيط الهادئ قد ميزت نفسها بالفعل برعبها ووحشيتها، وكان احتمال حدوث غزو بري واسع النطاق لليابان مثيرًا للأعصاب لملايين الجنود من الحلفاء.
ولكن كانت هناك طريقة واحدة ممكنة لتجنب الخسائر الجماعية التي قد تنتج عن هجوم بري، عبر إطلاق العنان للقوة الهائلة وغير المسبوقة لسلاح جديد: القنبلة النووية أو الذرية، التي طورتها الولايات المتحدة سرًا، وفي يوليو 1945، وعبر ما يعرف بإعلان “بوتسدام”، طولبت الإمبراطورية اليابانية بالانسحاب من الحرب، أما عن البديل، فهو التدمير الفوري والمطلق.
“الهجوم النووي كان خيارنا الأقل بغضًا لإنهاء الحرب”
-هاري ستيمسون، وزير الحرب الأمريكي تعليقًا على الهجمات النووية ضد اليابان.
على كل، يبدو أن اليابان لم تهتم للتحذير، ليحدث ما لم يكن متوقعًا، على الأقل بالنسبة لليابانيين، وهو التدمير الفوري باستخدام قنبلتين نوويتين أسقطتا على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، وبعد هذا الاستعراض المدوي للقوة بأيام، أُعلن استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية وخسارتها الحرب.
وجهة نظر المتضرر
يعتقد المؤرخ الياباني البارز تسويوشي هاسيغاوا، أنه لا يجب الجزم بأن استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية قد حدث بسبب الدمار الذي أحدثته القنابل النووية، فعلى الرغم من ضررها الفعلي على الأرض، إلا أن الاستسلام، في رأيه، قد تم لأسباب أكثر قوة من القنابل النووية ذاتها، متهمًا رجلًا بعينه وهو الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين.
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن السوفيت كانوا متحالفين مع بريطانيا والولايات المتحدة في القتال ضد هتلر، ولم يكونوا في الواقع في حالة حرب مع اليابان وقت إعلان بوتسدام، حيث وقع الاتحاد السوفيتي واليابان اتفاقية حياد عام 1941، والتي خدمت مصالحهما بشكل جيد وبذلك كان بإمكان السوفيت التركيز على مواجهة النازيين دون القلق بشأن تعرضهم لهجوم من قبل اليابان، بينما كان اليابانيون أحرارًا في التركيز على جهودهم.
“كان لدخول السوفيت إلى الحرب دور أكبر بكثير من القنابل الذرية في حمل اليابان على الاستسلام”
– تسويوشي هاسيغاوا، المؤرخ الياباني البارز.
لكن كل ذلك تغير فجأة في 9 أغسطس، وهو نفس يوم الهجوم الذري الثاني على ناجازاكي، عندما قام السوفيت فجأة بخرق الاتفاقية، مما أدى إلى غزو هائل للأراضي اليابانية قضى على القوات اليابانية، في هذه اللحظة تحديدًا يعتقد أن آمال اليابانيين اندثرت، فبعد هجومين نوويين، تبدد أمل قادة اليابان في اللجوء إلى السوفيت من أجل وساطة لإنهاء الحرب.
ربما كانت هذه النقطة المفصلية فيما يخص الحرب، استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية كان أمرًا مفروغًا منه، لم يكن اليابانيون يقاتلون من أجل الانتصار كما يتصور الجميع، لكن من أجل الانسحاب بأفضل شروط، وبطريقة من شأنها الحفاظ على هيكل سلطتهم الداخلية، وإنقاذ قادتهم العسكريين من محاكمات جرائم الحرب، وتجنب أن يكونوا دمية في يد الحلفاء.
حتى 9 أغسطس، كانوا يأملون في أن يتمكن السوفيت، كطرف محايد، من مساعدتهم في التفاوض بشأن أفضل صفقة مع الولايات المتحدة، ولكن هذا ما لم يحدث، بل إن بهجوم السوفيت المفاجئ، أضحى الاستسلام ضرورة قصوى، خوفًا من غزو شيوعي من شأنه أن يقلب التسلسل الهرمي الإمبراطوري الخاص ويغير أمتهم إلى الأبد.
“إن الحفاظ المطلق على السلام في علاقاتنا مع الاتحاد السوفيتي أمر حتمي لاستمرار الحرب”
-القائد العسكري الياباني توراشيرو كوابي (يونيو 1945).
ما بين الروايتين
زعم الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” أن أمطارًا من الخراب ستحل على هذه الإمبراطورية، إن لم يُعلن استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، ولكن الحقيقة؛ فبعدما سقطت قنبلة “الولد الصغير” على هيروشيما، كان اليابانيون قد تجرعوا بالفعل مرارة الخراب، وبدوا مصممين على القتال، كما أن الخراب لم يكن حكرًا بأي شكل على ما تسببت به القنبلة النووية.
فمثلًا؛ كانت طائرات الولايات المتحدة في نفس الأثناء تقلب طوكيو رأسًا على عقب، حيث تم حرقها بالكامل، وقتل حوالي 100 ألف شخص، وعلى الرغم من هذا الجحيم الذي شهدته البلاد، لم يكن الاستسلام وشيكًا.
يقول كيجودو شيداهارا، أحد السياسيين اليابانيين، إن المشاعر العامة كانت تشير إلى وحدة الصف الياباني أمام كل الهجمات، بما فيها الهجوم النووي، وذلك من أجل التفاوض للخروج من الحرب بأفضل شكل ممكن.
الحقيقة
الحقيقة هي أن كل تلك الأحداث، وغيرها أيضًا قد أثرت بكل تأكيد في استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، لكن الفكرة تتمحور حول تسليط الإعلام الضوء على أحداث بعينها وتجاهل أخرى، فمثلًا؛ عندما يذكر السوفيت، يتم الحديث عن المناوشات ضد هتلر النازي وليس حقيقة علاقات السوفيت مع اليابان خلال الحرب، وعندما يذكر اليوم التاسع من أغسطس، يتذكر الجميع قنبلة (الرجل البدين) النووية التي أحرقت ناجازاكي، لكنهم يتجاهلون خرق السوفيت لاتفاقية الحياد التي كانت لربما آخر أمل لاستمرار اليابان في الحرب.
وعن ذلك نقتبس مقولة تسويوشي هاسيغاوا، المؤرخ الياباني حين قال: “قنبلة هيروشيما.. لقد كانت ضربة خطيرة في الجسد الياباني، لكنها لم تكن الضربة القاضية”.